الدراما التركية.. هل تـمثل ثقافتها
في أكثر من مناسبة، نشهد احتفاء بفنانين أتراك وبأعمال تلفزيونية تركية، ولعل آخرها الأجواء الاحتفالية المبهرة التي استضافت فيها «أبوظبي للإعلام» نجوم المسلسل التركي «إيزيل». ويرفع البعض شعار «الانفتاح على ثقافات الدول الأخرى» عنواناً لهذه الاحتفالات، باعتبار الدراما التركية نافذة عربية على الثقافة العربية، لكن هل هذا صحيح؟ هل الدراما التركية التي صارت تملأ شاشاتنا تعبر عن الثقافة التركية بالفعل؟ وهل يعني ذلك أن مشاهدة حلقات «العشق الممنوع» أو «نور» تتساوى مثلاً مع قراءة رواية للكاتب التركي الشهير أوهان باموك، أو قراءة قصيدة لمراد خان مونغان، أو غيرهما؟
الإجابة بالتأكيد هي: لا، حتى الدراما التركية التي تعرض لا تقدم صورة واقعية عن مجتمعها، ومن المنطقي أن الصورة التي تتكون لدى المشاهد لهذه المسلسلات عن المجتمع التركي مغايرة للحقيقية، فمن غير المعقول ان كل الأتراك يعيشون في قصور، أو أن كل الأسر التركية تعاني ما عانته نور ولميس على مدار شهور طويلة على شاشاتنا، خصوصاً ان كل هذه الأعمال، أو معظمها لا يخرج عن موضوعات متكررة هي الخيانة العاطفية، والصراع على الميراث، وحروب العصابات ورجال الأعمال، وهي عناصر من المجحف استخدامها في رسم صورة للمجتمع التركي أو أي مجتمع آخر، لذا يعد الربط المباشر بين عرض هذه الأعمال من جهة وبين التعرف إلى ثقافة صناعها نوعاً من تحميل الأمور أكثر مما تحتمل، وقد يكون من الأنسب التعامل معها باعتبارها نوعاً من «التجارة»، وهذا ليس عيباً، فالدراما باتت صناعة مهمة وسوقاً لها ثقلها في العالم، وعلينا التعامل معها وفق هذا التعريف، مع عدم إغفال جانبها الفكري والثقافي، وتأثيرها الاجتماعي، ما يتوجب على والقنوات انتقاء الأعمال الدرامية التي تتفق مع عادات وتقاليد المجتمع العربي، وهو ما تفتقده كثير من الشاشات التي تهرول باتجاه الأعمال التركية من دون تدقيق في المستوى الفني والمحتوى أيضًا.
في المقابل تستدعي آليات السوق عدم الانسياق وراء نجاح أولي دون متابعة متأنية له، فأغلبية المؤشرات تشير إلى أن النجاح الكبير الذي حققه مسلسل «نور» لم يتكرر، ولم تنجح أي من الأعمال الأخرى في تحقيقه، وهو ما يجعل الاحتفاء المبالغ فيه بالمزيد من الأعمال التركية مجرد هرولة لا تستند إلى ما يدعمها من إحصاءات ونسب المشاهدة لهذه الأعمال.
موجة أخرى بدأت تأخذ طريقها إلى الشاشات العربية من خلال الأفلام التركية التي تعرضها بعض القنوات، وفي مقدمتها مجموعة «إم بي سي»، التي لم تبتعد كثيراً عن التوليفة المعتادة في المسلسلات، وعلى رأسها ثلاثية الحب والخيانة والانتقام، في إطار من المشاهد السياحية لقصور ومنازل أثرية، وشوارع أنيقة كان لها أثرها في تنشيط السياحة العربية نحو تركيا، وهو ما يصعب تحقيقه بالنسبة لحركة السياحة التركية باتجاه الإمارات أو المنطقة من خلال استضافة عدد من أبطال الدراما التركية.
اللافت أن الأفلام التركية التي تعرضها القنوات العربية، إلى جانب تعاطيها مع الواقع الاجتماعي لبلدها بانتقائية لا تناسب مجتمعاتنا، ولا تقدم مادة سينمائية ذات ثقل فني، وهي في الأغلب لا تعبر بشكل دقيق عن السينما التركية، وبالتالي لا يعدو أمر عرضها مواكبة موجة الرواج التي لا يمكن المراهنة على استمرارها طويلاً، فذوق الجمهور متغير، وهو دائماً يبحث عن الجديد.
أمر آخر يرتبط بالدراما التركية وهو «الدبلجة» باللغة العربية، التي شهدت توسعاً سريعاً لتشمل أعمالاً هندية وأرجنتينية، إلى جانب المكسيكية، كما باتت الأفلام الأميركية «ناطقة» بالعربية على بعض القنوات، بلهجة سورية أحياناً ومصرية أو خليجية في أحيان أخرى.
«الدبلجة» قد تفيد في زيادة توزيع هذه الأعمال، وفي جذب جمهور من فئات مختلفة، لكنها في المقابل تسهم بطريقة مباشرة في قطع علاقة كانت وثيقة، وربما هي الوحيدة الثابتة، بين المشاهدين من مختلف الأعمار، وبين اللغة العربية الفصيحة، وكثير منا كانت متابعة الترجمة المكتوبة للأعمال الأجنبية وسيلة معقولة لتعزيز حصيلته اللغوية، لكن تأتي «الدبلجة» الآن بلهجات محلية لتقطع هذه الصلة المباشرة بين الأجيال الجديدة وبين اللغة العربية الفصيحة في خطوة تحمل المزيد من الإقصاء والتهميش لها.