«مقاومة».. معرض في دبي عن ثالوث الحياة
تحت عنوان «مقاومة» افتتح غاليري «ترافيك» في دبي، أمس، معرض الفنان التشكيلي فيصل سمرة، وتضمن اعمالا تنوعت بين التشكيل وفن الفيديو والتصوير الضوئي، والتي عبرت عن حالات انسانية. واعتمد الفنان في معرضه على عناصر تثير التساؤلات حول الانتماء والتحرر والمقاومة والاعتقاد.
وقال الفنان سمرة لـ«الإمارات اليوم» إن الفنان ملتصق بحساسية بقضايا الانسان، مضيفاً ان «اعمالي مبنية على ثالوث الحياة المتمثل في العقل والروح والجسد»، مبينا ان الفن يتمثل هذه العناصر لترك إرث يبقى على مر الزمن، في اشارة الى رغبة الخلود، كما عبرت عنها اسطورة جلجامش، اذ ان الفن يتيح صورة من صور البقاء.
سمرة فنان من السعودية، يقيم بين البحرين وفرنسا مكان دراسته للفنون الجميلة، قدم اعمالا تتفاعل مع واقع الحراك السياسي والاجتماعي والتحولات والثورات الشعبية الجديدة في اقطار عربية عدة. وقال: «بالفعل، انجزت اعمالا تشبه ما حدث في ثورة مصر الشعبية، خصوصا العمل الذي حمل عنوان (الصنم)، وكذلك هناك اعمال انهيـــتها بعد ثورة تونس»، مؤكدا ان «الفـــنان ليس متنبئاً بقدر ما هو ملتـــصق بحساسية شديدة بقضايا مجتـــمعه وانسانيته».
سمرة الذي يرفض شرح اي عمل فني، ليترك للمشاهد حرية التفكير والتخيل، يستخدم في بعض اعماله كتابات، مثل لوحتين هما «اللحم العربي»، و«اللحم الغربي». وقال: «اترك التفسير للمتلقي، فمجرد انني استخدمت عبارات مقروءة، فلا داعي للشرح، علاوة على ان الفن يثير خيال المشاهد، وبالتالي يعبر كل انسان عن تفاعله او حواره مع العمل بطريقته الخاصة».
عناوين ودلالات
تنقسم اعمال سمرة الذي شارك في الدورة الخامسة من «آرت دبي» الى ثلاثة اقسام، تبدأ بعمل ضمن فن الفيديو بعنوان «النجاة» يصور امرأة تتصارع مع وجودها في الحياة فوق سريرها. وقال الفنان: «رأيت ان اختزل ثالوث الحياة، العقل، الروح والجسد، في هذا المشهد»، مضيفا ان «الانسان بطبعه مركّب التكوين، وكثير التساؤلات حول بقائه، مع انه يستيقظ كل صباح ويذهب الى العمل، وفكرة خلوده قد تحول بينه وبين هذا العمل اليومي». واوضح ان العمل يبين امرأة تقوم بحركات بهستيرية، وكأنها تقوم بطقس ما، فتحاول ان تتحرر من غطائها تارة، والتستر تارة اخرى، وتصل الى لحظة تقرر فيها شنق نفسها بهدف الخلاص، الا انها ترى الرغبة في الحياة اكبر واعمق. وأشار الى ان هذه الحالة ترتبط بلحظة اقدام انسان على التضحية بنفسه في سبيل مبدأ او هدف، وكل التساؤلات التي قد تمر في عقله من لحظة قراره ان يقدم روحه قربانا او اضحية، مرورا بالعقل الذي من الممكن ان يحول بينه وبين تنفيذ رغبته تلك، وانتهاء بالجسد الذي يصبح في النهاية جثة هامدة، واسم صاحبها يتم تداوله وتخليده في احيان كثيرة.
أما القسم الثاني في المعرض، فهو بعنوان «المقاومة»، ويجمع بين فن الفيديو والصور الفوتوغرافية. وقال سمرة: «هي تحربة اداء تقدم فيها اكثر من 200 فنان متخصص بما يسمى التأثير، وكان الاختيار صعبا، فأنا كنت ابحث عن وجه تكون معالمه سهلة وواضحة وبشرته لينة تستطيع خدمة الفكرة، ولونه ليس غامقاً ولا شديد البياض»، موضحا سبب التأني في الاختيار «لاننا اردنا ان تستجيب تفاصيل الوجه الى اداة اشبه بالمروحة تقوم بضخ الهواء بقوة شديدة».
الاعمال الفوتوغرافية التي اظهرت المقاومة، كما يراها الفنان فيصل سمرة انقسمت الى ثلاث لقطات بدأت برجل يظهر وكأنه يلتقط صورة لجواز سفر، لينتقل المشاهد الى الثانية التي بدأ فيها وجهه بالتغير، وانتهاءً بالسكون في التفاصيل كلها وهدوئها. والفيديو ايضا يظهر تلك المراحل. وفي القسم ذاته توجد لوحة لأرجل خنزير، «هذه اللوحة تحديدا اطرح فيها فكرة تحريم الشرع لاكل لحم الخنزير، اذ ان الغاية توضحها صورة الارجل التي لا لحم فيها».
«الصنم» وميدان التحرير
|
سمرة الذي قدم في قاعة ناثالي في باريس معرضاً بعنوان «واقع محرف»، واثار اعجاب النقاد، يعرض في معرضه الجديد في دبي عملا نحتيا وفوتوغرافيا بعنوان «صنم»، يبدو انه يقارب الثورات التي شهدتها اقطار عربية متعددة. وقال سمرة: «يعبر العمل عن التحولات العربية، خصوصاً بعدما قمت بكسر الصنم الذي تجسد على شكل نحتي وكتبت عليه (انا) اكثر من 100 مرة، وقمت بلملمة اجزائه ووضعه بشكل دائري اصبح يشبه ميدان التحرير في مصر». واضاف «بعد مشاهدتي لميدان التحرير، قلت كم يشبه عملي (صنم) الذي لا تكسره الا الحرية»، مشيرا الى ان الصنم ينتهي بشكل مصغر في علبة زجاجية لا يوجد فيها إلا مرآة.
وفي لوحته الثلاثية بعنوان «الكراهية» يرى سمرة انها تجسد هذه الحالة من خلال الخبز رمز الحياة. وقال إن «الخبز هو الذي يحرك ثورات الرفض وكلمة (لا) تاريخيا».
يترك سمرة التفسير للمتلقي اذا ما استخدم عبارات مكتوبة في اعماله، كما في عمل «ارجل الخنزير» واللوحتين «اللحم العربي» و«اللحم الغربي»، حيث يصور اللحم العربي من خلال امرأة ترتدي النقاب والعباءة السوداء تحمل ما يشبه اللحم ملفوفا على شكل اشبه بحمل المرأة للطفل، واللوحة الثانية تظهر فيها امرأة عارية الظهر، فاردة شعرها، كتبت على ظهرها عبارة «اللحم الغربي».
حراك فني
اكد سمرة ان ما تشهده الامارات من حراك فني يعتبر بالنسبة له حلماً وتحقق، «لم ادرس الفنون الجميلة بسهولة، إذ واجهت رفض الاهل الذين لم يدعموني ماليا، فقررت العمل والتقدم للبعثة السنوية التي تقدمها الحكومة في السعودية، ونجحت في الحصول عليها على الرغم من محاولات كثيرين لثنيي عن تحقيق حلمي. لكنني ذهبت الى باريس عاصمة الفنون وحققت الحلم».
واضاف «كنت امشي في الشوارع الفرنسية، وارى المتاحف وصالات الفنون المختلفة، متسائلاً: متى سيصبح لدينا كل هذا؟»، مضيفاً «في السعودية، الامر صعب جدا بسبب التحفظ على مفهوم الفنون بشكل عام، لكن الإمارات حققت الحلم، ففي فترة زمنية وجيزة اصبحت الدولة تحوي اهم صالات العرض العالمية والعربية، اضافة الى اهم مزادين عالميين لداري كريستيز وبونهامز، وهذا من شأنه ان يجعلني كفنان عربي اطير من الفرح والاعتزاز». وعن حال الفن التشكيلي في السعودية، خصوصا مع ظهور اسماء لفنانين جدد، قال سمرة: «عام 1987 قدمت عملا فنيا في السعودية وصف بالجريء، وكان يصور رجالا يريدون (البشت) السعودي، وبطونهم منفوخة، لكنني لم ارسم تعابير الوجوه، بل قمت بالشخبطة على مكان الوجه. واتذكر حينها ان شبابا يحبون الفن اعتبروا هذا العمل نقلة نوعية بما يعرفونه، خصوصا ان الفن التشكيلي في السعودية كان مباشرا وبسيطا. لكن الآن اصبح اكثر جرأة ويحمل الكثير من المعاني غير المباشرة التي تعبر عن الفنان، لكن عرض تلك الاعمال في السعودية لايزال خجولاً».