دراما عبر «الإنترنت»
أثبتت الإنترنت أنها منافس قوي لوسائل الإعلام في مجال الأخبار وتغطية الأحداث، عبر المواقع الإكترونية الإخبارية والمدونات الشخصية التي كان لها فضل كبير في مساندة الثورات العربية وكشف المسكوت عنه من كثير من الممارسات غير الانسانية في حق المواطنين. وبعد ذلك يبدو ان الشبكة العنكبوتية لم تكتف بهذا التفوق المهم، وتستعد لتحقيق نجاح جديد قد يسحب من القنوات الفضائية جزءاً كبيراً من «قوتها الضاربة» المتمثلة في دراما المسلسلات. ويأتي ذلك في ظل حالة التعثر الواضحة التي تعيشها الدراما العربية حاليا، بعد التغيير والإلغاء الذي طال عدداً من الأعمال الدرامية التي كان من المقرر عرضها في رمضان المقبل، وعدم وضوح مصير بقية الأعمال بشكل نهائي، نتيجة للثورات العربية والظروف السياسية التي تشهدها المنطقة.
في المقابل، أدت الظروف نفسها إلى ظهور نوع جديد من اللقطات المصورة على مواقع الانترنت، والتي يمكن اعتبارها إرهاصات لظهور «دراما أون لاين»، تشبه تلك الحلقات الأجنبية التي تنتشر على مواقع الكترونية مثل «يوتيوب» و«فيس بوك»، ويقوم بتنفيذها مراهقون عبر كاميرات خاصة وبإمكانات منزلية. ولكنها تحقق نسبة مشاهدة مرتفعة جداً لأنها تناقش مشكلات المراهقين وما يمرون به في هذه المرحلة الحرجة، والتي يشعرون فيها بالرغبة في التمرد على سلطة الكبار، ويصبح لديهم إيمان قوي بأن الآخرين لا يستطيعون فهمهم وتقدير مشاعرهم والتعامل معها بجدية، لذا فهم الأقدر والأولى بمناقشة قضاياهم وأمورهم في ما بينهم.
ولعل هذه الخصوصية من أهم أسباب نجاح هذه الأعمال. لكن الدراما العربية الالكترونية، أو إرهاصاتها، لم تأخذ بعد هذا التوجه والوضوح في الرؤية، فهي نابعة تماماً من رحم الثورات والحراك السياسي في الشارع العربي، الذي يقوده الشباب، وبالتالي لم تخرج موضوعاتها عن هذه الأجواء. ومن أكثر هذه الاعمال انتشاراً على مواقع الإنترنت العربية هي حلقات كوميدية منفصلة تقدمها الفنانة المصرية منى هلا على موقع «يوتيوب» تنتمي إلى «ستاند أب كوميدي» تحت عنوان «منى توف»، وفي كل حلقة تقوم هلا بانتقاد نظام الحكم السابق في مصر، وأبرز رؤوسه وشخصياته، من بينهم جمال مبارك الذي قامت بتقليده في الحلقة الأولى من البرنامج، بالإضافة إلى عدد من الوزراء والمسؤولين السابقين. أما أكثر حلقات «منى توف» انتشاراً فكانت تلك التي قامت فيها بانتقاد مواقف بعض الفنانين والإعلاميين بداية الثورة، ثم التحول الذي طرأ عليها بعد الثورة وسقوط النظام، مثل موقف الإعلامي عمرو أديب، والمطرب محمد نور الذي قدم أغنية لمبارك بعنوان «حقك علينا» وبمجرد أن تنحى غير في كلماتها حتي تصبح لمصر، وكذلك عمرو مصطفى الذي غير في كلامه بعد أن تنحى مبارك.
كما انتقدت منى هلا التزام الفنان عمرو دياب الصمت الكامل منذ بداية الثورة وحتى نهايتها، ووصفته «بأنه بلا موقف».
وربما تعد حلقات «منى توف»، رغم بساطتها، الأكثر نضجاً مقارنة بالأعمال المشابهة على الانترنت، لأن صاحبتها ممثلة في الاساس، وشاركت في تقديم أعمال «ستاند اب كوميدي» على قناة «موجة كوميدي»، ولتعدد حلقاتها وتتابعها، حيث تهدف منى إلى ان تكون هذه الحلقات لبنة لقناة عبر الشبكة الالكترونية، كما أشارت.
حلقات أخرى انتشرت في الفترة الماضية على «يوتيوب» من وحي أجواء الثورة المصرية بعنوان «باسم شو»، ولاقت جماهيرية واسعة بين الشباب، لأنها كانت سباقة في انتقاد معارضي الثورة المصرية ورموز النظام السابق. والطريف ان صاحب «باسم شو» باسم يوسف ليس فناناً، ولكنه طبيب، فهو حاصل على دكتوراه في القلب والصدر، وهو عضو هيئة التدريس في كلية الطب في مصر، وحاصل على زمالة كلية الجراحين البريطانية، وكان يستعد للسفر للإقامة والعمل بأحد المستشفيات في مدينة كليفلاند في الولايات المتحدة الأميركية، غير أن أحداث الثورة المصرية استفزته ودفعته للتعبير عن موهبته في التمثيل في الحلقات التي قدمها عبر «يوتيوب»، وكانت من أكثر حلقات العرض انتشاراً تلك التي انتقد فيها مقدمي برنامج «48 ساعة» سيد علي وهناء السمري، اللذين هاجما الثورة ثم عادا وادعيا أنهما كانا من مسانديها ومن أول البرامج التي دعت للثورة.
بخلاف هاتين التجربتين، هناك عدد من التجارب المماثلة كانت شخصية الرئيس الليبي العقيد معمر القذافي محوراً لها، وسعى كثير من أصحاب هذه «الفيديو كليب» إلى تقليد خطبه المختلفة، فظهر على الإنترنت «قذافي شبرا» من مصر، وقذافي آخر من السعودية وآخر من اليمن وغيرها.
رغم جماهيريتها تظل «دراما الانترنت» العربية مجرد محاولات لا تتمتع بقدر كاف من الاحترافية وتفتقر لكثير من العوامل الفنية والدرامية، ولكنها قد تشكل بداية لموجة جديدة من الأعمال الدرامية الناضجة فنياً، التي تشبه حلقات غربية ذات جماهيرية واضحة، ولعل أبوظبي يكون لها سبق في هذا المجال من خلال حلقات من هذا النوع يجرى العمل عليها لإطلاقها لدى اكتمالها.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news