تصريحات مستفزة
يبدو أننا أصبحنا نعيش حالة من الانفلات في التصريحات الإعلامية والصحافية للفنانين العرب، فلا يمر يوم إلا ويطلع علينا تصريح مثير للضحك حيناً وللغيظ أحياناً من أحد هؤلاء الفنانين أو الفنانات، بعضهم يحاول ادعاء البطولة، وان ينسب لنفسه أدواراً ليست له، وآخرون يسعون لركوب الموجة والتسلق على أكتاف ثورات لم يصنعوها ولم يشاركوا فيها، وحتى لم يساندوها، وأصبح إطلاق مثل هذه التصريحات، بالإضافة إلى توجيه الاتهام للأنظمة السابقة في الدول التي شهدت ثورات وتغييرات سياسية، من أسهل الطرق أمام أسماء انحسرت عنها الأضواء ولم يعد لديها ما تقدمه لجمهورها، للفت انتباه وسائل الإعلام إليها من جديد، ومن أغرب هذه التصريحات، تصريح الفنانة الجزائرية أمل وهبي التي تنقلت كثيراً بين مصر والجزائر من دون ان تستطيع تحقيق نجاح فني أو نجومية جماهيرية في أي منهما، حول الخلاف الذي وقع بين مصر والجزائر عقب مبارياتهما معاً في تصفيات كأس العالم، وانها تعتبر ان الخلاف مازال قائماً، وان اعتذار المصريين غير كافٍ، رغم ان الواقع يشير بوضوح إلى ان الأحداث الأخيرة تسامت بمشاعر كل من الشعبين المصري والجزائري، وعلت بها فوق هذه الخلافات التي كانت جهات بعينها وراء تأجيجها لأسباب لا يستفيد منها سواهم.
التصريح الآخر حمل مقارنة تثير الضحك والسخرية، حيث صرحت الفنانة اللبنانية ميريام فارس بأنها إذا شعرت بأنها غير مرغوبة من قبل الجماهير، ولن تتلقى دعوات لإحياء حفلات أو أعراس؛ لن تحذو حذو الحكام العرب في رفضهم الاستجابة لرغبة الشعوب في التنحي، وستنسحب فوراً من سوق الغناء.
تصريح جديد ينضم إلى السابقة ولا يقل عنها إثارة للغيظ، وان كان جاء مطابقاً للحقيقة، وهو تصريح الفنان المصري حماده هلال، من باب التواضع، بأن لقب «مطرب الثورة» كبير عليه، وبعيداً عن تواضع هلال الذي قدم أغنيتين لثورة يناير، يمكن القول بالفعل ان مثل هذا اللقب «كبير جداً» على هلال، وكثير من المطربين الذي بدأوا يظهرون على الساحة، ويقدمون أغنيات للثورة بعد نجاحها، وبعد ان طُرح كثير من علامات الاستفهام حول اختفاء نجوم الغناء والكرة تماماً طوال فترة الثورة. بعدها بدأ التسارع لتقديم أغنيات «مسلوقة» على عجل، وغاب عنها نبض الثورة وصدق المشاعر التي عاشت وتفتحت في ميدان التحرير، وهو ما استشعره الشباب من المشاهدين وقابلوه بعدم ترحيب، خصوصاً أغنية هلال «شهداء 25 يناير ماتوا في أحداث يناير» التي اعتبرها المستمعون نموذجاً للاستسهال والركاكة، وكانت موضوعاً لسيل من السخرية اللاذعة على موقعي الـ«فيس بوك» و«تويتر»، ولعل آخر هذه الدعابات تلك التي أعقبت الزلزال الذي ضرب مصر يوم الجمعة الأول من أبريل، اذ كتب الشباب على أحد المواقع التي دشنوها للسخرية من الزلزال «زلزال أبريل وقع في شهر أبريل».
هذه التصريحات وغيرها كثير على شاكلتها، لا يمكن أن نلوم عليها أصحابها من الساعين وراء الشهرة والبقاء تحت الأضواء لأطول فترة ممكنة وبأي ثمن وحدهم، بل يأتي اللوم في المقام الأول على الإعلاميين الذين يفتحون المجال أمام مصادرهم من الفنانين لـ«الإفتاء» في ما يخصهم وما لا يخصهم، ويحرص بعضهم على توجيه أسئلة غير منطقية لمن يقابلونه من الفنانين، مثل هذه الأسئلة هي التي تخرج لنا تلك التصريحات «المبدعة»، ويمنحون أصحابها الاعتقاد بأنهم يمتلكون الوعي والحكمة للإدلاء بآرائهم وتحليلاتهم في السياسة والاقتصاد والثقافة، وحتى في علوم الفضاء، كل ذلك من أجل الحصول على «مانشيت» غريب ولافت للنظر، يكون ثمنه من مصداقية ومهنية الصحيفة أو وسيلة الإعلام التي يمثلها على المدى البعيد.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news