معرضها «اللؤلؤة السوداء».. تحية إلى روح فريدا كالو
ليتا كابيلـوت.. غجريـة ترسـم أثــر الجحيم
تواصل الفنانة الإسبانية ليتا كابيلوت انشغالها في التعبير عن الهموم الإنسانية، عبر فنها. وفي معرضها الجديد «اللؤلؤة السوداء» ترسم أثر الجحيم الشخصي في حياة الفنانة المكسيكية فريدا كالو، التي تلتقي روحها مع روح ليتا في فضاء مشترك، على الرغم من المسافة الزمنية بينهما. وجمعت لوحات المعرض بين الفنانة فريدا والفنان دييغو ريفيرا والثوري والمثقف تروتسكي.
الفنانة ليتا تفتح قماش الرسم على أفق تعبيري جديد في كل معرض لها، وترتحل الى حالات قصوى من التعبير، متفاعلة ومتداخلة مع موضوعاتها، ومعبرة عن رسالة تؤكد فيها بلاغة اللون والخط. وفي كل اعمالها التي عرضت في مدن عالمية عدة، من بينها دبي وباريس ولندن والبندقية ونيويورك وبرشلونة، تؤجج الفنانة روح الحياة، على الرغم من التراجيديا التي تفيض من نسيج لوحاتها، ومن عروق تماثيلها.
روح مشتركة الفنانة الإسبانية ليتا كابيلوت التي تقيم في هولندا، سجلت اسمها بجدارة في «قائمة الأساتذة». وترى الفنانة التي عاشت اليتم والتشرد في برشلونة خلال طفولتها، ان الشغف والانفعال المكثف والعاطفة والجنون ومعايشة الحالة بغموضها وتناقضاتها وشعريتها أيضاً، هي عناصر اساسية لديها حين ترسم أو تنحت أو تصنع فيلماً. وتشير الى ان الفنان الذي يمتلك رؤية خاصة ومعرفة فنية قادر على خلق إيقاعات متنوعة بأي مواد وأدوات تتوافر لديه. وفي معرضها جمعت ليتا بين الثلاثي فريدا كالو ودييغو ريفيرا وتولستوي، معبرة عن خطوط التراجيديا في حياة الفنانة المكسيكية، وفي الوقت ذاته تكشف عن «روح مشتركة» بينها وبين فريدا. وتتميز أعمال ليتا بقوة التعبير والحرية والجرأة، إذ تتضمن لوحاتها شحنة عاطفية ساحرة وصادمة. |
ليتا الغخرية التي عانت في طفولتها تراجيديا اليتم وحياة التشرد في شوارع مدينتها برشلونة لنحو 13 عاماً، تدمع لوحاتها بمرارة، وتقول بمرارة فصيحة، وتفتح الجرح الانساني على رسالة موجهة الى البشر في كل الجهات، عبر اعمال تشكيلية فريدة وقوية ومكتظة بالألم المكثف والعاطفة والشعر.
المعرض الجديد للفنانة ليتا بعنوان «اللؤلؤة السوداء» يقام في غاليري «أوبرا» في لندن خلال الفترة من الاول حتى 22 من أبريل الجاري، ويتضمن 41 لوحة، اضافة الى اعمال تركيبية وفيلم، ويأتي تحية وتكريماً للفنانة المكـــسيكية فريدا كالو، التي عاشـــت حياة مجدولة بالكوارث والخسارات والألوان والحب والتحدي والإبداع، وتوفيت في يوليو 1954 تاركة إرثاً فنياً يصل الى نحو 200 لوحة.
في برشلونة عام 1961 ولدت ليتا، وعاشت طفلة مشردة تقفز مع رفاقها في قاع المدينة، وبين عازفي الشوارع والعتمة والبؤس، وأقامت معرضها الاول في مدينتها، وهي في الـ17 من عمرها، وكرست حياتها للفن مبكرا. تقول انها «تزوجت» الفن أولاً. وكان ضوء الابداع يشعشع في روحها خلال طفولتها، عندما زارت للمرة الأولى متحف برادو في مدريد.
شبكة الألم
تقول ليتا كابيلوت لـ«الإمارات اليوم» حول معرضها الجديد إن «الفنانة فريدا كالو مثال للتعامل مع الفجائع الانسانية بوصفها هداي»، في اشارة الى طاقة الفنان القادرة على تحويل المأساة الى حافز على تثوير الحياة وتزويدها بمعنى جديد. اذ إن فريدا المولودة في يوليو عام 1907 عاشت معاناة مركّبة، اذ اصيبت بشلل الاطفال، وتعرضت لحادث حافلة، فاضطرت الى الاستلقاء على ظهرها لمدة عام. كما ان زواجها من الفنان دييغو ريفيرا الذي أحبته بعمق أضاف الى روحها جرحاً جديداً، كما دخل تروتسكي في حياتها، قبل ان يغتاله نظام ستالين. وعلاوة على شبكة الآلام التي أحاطت بالفنانة المكسيكية فريدا، كان لها «ازدواجية جنسية». وكل هذه الخطوط الدرامية جعلت حياتها جحيماً وجنوناً وكوارث، لكن طاقة الحب كانت أعلى من سقوف المآسي، اذ إنها واصلت ابداعها وشغفها بالفن، لكن كل تلك التفاصيل تركت أثرها عميقاً في روح الفنانة.
معرض «اللؤلؤة السوداء» للفنانة ليتا كابيلوت يكشف ان خطوط التراجيديا لدى فريدا كالو، وروحها الخلاقة وجنونها الابداعي وقلبها العاشق واندفاعها في الحياة والمغامرة والتحدي، هي قواسم مشتركة بين حياتين، وبين روحين، وبين فنانتين. وتؤكد ليتا ان ملامح روحية مشتركة تجمعها مع فريدا. لكنها تشير الى صعوبة شرح ذلك، «إنه أمر مركّب ومتداخل، ولو لم يكن هناك اتصال روحي بيننا، لما اقمت معرضي تكريماً للفنانة فريدا كالو». وتضيف أن فريدا تحملت مسؤولية كبيرة في النضال من اجل المساواة وحق التعليم للجميع، وغيرها من القضايا الاجتماعية، «لذلك اعتقد ان من حقها علينا ان نذكرها ونكرمها لإبداعها وجهودها، اذ انها مثال للتضحية والقوة الجوانية، على الرغم من الخسارات والكوارث التي مرت بحياتها».
مخزن تعبيري
في المعرض اللندني، يتكشف «تداخل السيرة والروح» بين فريدا وليتا، ويتكشف «الحبل السري» الذي يربط بينهما حياتياً وروحياً، اذ ان للتراجيديا خيوطا متعددة في نسيج الفنانتين. لذلك تضمن المعرض لوحات تكشف عن ملامح مشتركة بين ليتا وفريدا، حيث يتداخل «الأنا والآخر» في صورة واحدة. وتؤكد ليتا أنها لم ترسم في المعرض «صورة خارجية» لفريدا، لكنها رسمت الأثر العميق لتناقضاتها في روح الفنانة المكسيكية. وركزت ليتا في لوحاتها على الوجه، كونه مخزناً تعبيرياً لا ينضب، اذ يفيض الألم في كل التفاصيل. وفي لوحات أخرى رسمت الجسد كاملاً، وهو يفيض ألماً مجنوناً. وتقول ليتا إن «الإنسان مرآة عميقة تعكس خساراته المستحيلة، وكذلك إنجازاته ضد النسيان».
في المعرض لغة تعبيرية جارحة، «وبين الابيض والأسود تكمن قوة الذكريات»، كما تقول ليتا التي عبرت عن المتناقضات الحياتية بتضاد لوني وخطوط مشحونة بالانفعال، ومساحات «تكهرب» العين. وكان اللون الأسود أثراً لذكريات، كما أنه تعبير مكثف لدرجة انه يشبه كتاباً. كما يظهر الأسود في خلفيات بعض اللوحات ليكثف التركيز على تعبير الوجه. ويكشف التضاد اللوني عن تضاد الأحوال النفسية، وتضاد الحياة والموت، والفرح والفجيعة. وكانت عروق الدم والألم والمأساة تتشابك لتزيد صدمة التعبير الجارح.
ربما اختارت ليتا العنوان «اللؤلؤة السوداء» للتأكيد على فرادة فريدا كالو وجمال روحها البريّة وإبداعها المؤثر والعميق، اذ تعد «أيقونة في الفن والتراجيديا والحب». وإذا كانت بعض الأساطير تعتقد ان اللؤلؤ يتشكل من «دموع الآلهة»، فإن ليتا كابيلوت اختارت «دمعة سوداء» إشارة الى تراجيدية حياة فريدا، من جهة، وتأكيداً على استثنائية روح فريدا، الفنانة والعاشقة والمغامرة، فهي نادرة مثل اللؤلؤة السوداء التي تتشكل داخل صدفة المحارة من خلال إفراز مادة كلسية حول جسم غريب يدخل الصدفة. وفي ذلك دلالة ايضا، على ان طاقة المبدع قادرة على تحويل الشوائب الى «جواهر» فنية. كما ان المحارة تغدو ذاكرة لتلك اللحظة الاستثنائية التي تدافع فيها عن نفسها ضد اي جسم غريب يحتل جزءاً منها، لكنها بهذا الدفاع تخلق ابداعاً من طبيعتها يتمثل في لؤلؤة.
رسم الحواس
ليتا كابيلوت الفنانة التشكيلية والشاعرة، ترسم وتنحت بعاطفة متأججة، وفي أعمالها روح شعرية تراجيدية. إنها ترسم كما لو أنها تجرح، حتى أن قماش اللوحة يكاد لا يتحمل «شحنتها المكهربة» بما تتضمنه من تضاد لوني وجنون وحرية وقصائد وحب و«فلامنغو». انها ترسم بحواسها كلها، وبجسدها كله، وبروحها كلها، وبموسيقاها كلها، وهي التي تقول دائماً «الفن كان زواجي الأول».
ليتا مشغولة بالفن ومشتعلة العاطفة، والفن التشكيلي بالنسبة لها بمثابة «لسان اللون» الذي تعبر فيه عن شغفها بالحياة والتعبير عن روح البشر العميقة.
وفي معرضها الجديد، تسبر ليتا اعماق روح الفنانة فريدا التي تتحد بروحها. وتقول ان «فريدا تمثل رمزاً للموت والحياة، وبين هذين النقيضين، ثمة مساحة للإنسان لينقش فيها شهادة وجوده». وليتا تفعل ذلك، وهي ترسم المناطق الخفية والغائرة والمعتمة في النفس البشرية، كما لو أنها «صائدة الأعماق».
وترى أن تحفتها الفنية سترسمها «غداً»، وتؤكد أن «الكابوس الوحيد الذي يطاردني، يتمثل في خوفي من مغادرة الحياة قبل أن انجز تلك التحفة». لذلك يبدو «التشكك» في المنجز طريقاً تتبعه لمزيد من الإبداع الفريد والمغاير والعميق، وفي هذه الحالة، يمثل «التشكك» زوادة تحفزها لرحلات بعيدة في عالم الفن.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news