فيلم افتتاح «الجزيرة للأفلام التسجيلية» يحتفي بمــدونين مصريين

«القاهرة وسط المدينـة».. نبوءة بثورة 25 يناير

فيلم «القاهرة وسط المدينة» أعد قبل عام من الثورة المصرية. من المصدر

لم يكن أصحاب المدونات في مصر مجرد مناضلين أمام شاشات الكمبيوتر، أو هاربين إلى مساحة افتراضية آمنة لا تنالها يد الجهاز القمعي، إذ دفعوا ثمن معارضتهم للنظام اعتقالاً وتعذيباً ومطاردة وقطع أرزاق. واستطاع هؤلاء المبشرون الذين أشعلوا شرارة الثورة المصرية شرخ جدار الخوف. يعلن أحدهم أنه باع من أجل مدونته حلي زوجته، وأنه على استعداد لبيع غرفة نومه، لكنه سيتمسك بشيء واحد لن يفرط فيه، وهو جهاز الكمبيوتر.

تلك بعض الملامح والشهادات التي يرصدها فيلم افتتاح مهرجان الجزيرة الدولي السابع للأفلام التسجيلية في الدوحة «القاهرة وسط المدينة»، العمل الوثائقي الذي يعد بمثابة نبوءة بثورة 25 يناير في مصر.

أرناؤوط: الجابر أعطى للحياة حياته

قال مدير مهرجان الجزيرة الدولي السابع للأفلام التسجيلية عباس أرناؤوط، إن الأفلام المشاركة في المهرجان بلغت 284 فيلماً من أصل 1210 طلبات تقدمت للمشاركة في الدورة السابعة، وبحضور 25 قناة تلفزيونية عربية وعالمية. بينما يشارك في لجان التحكيم 15 عضواً، إضافة إلى ثلاثة أعضاء أكاديميين لتقديم أفلام الطلبة، مشيراً خلال كلمته في افتتاح المهرجان إلى أنه تمت إضافة جائزتين إلى جوائز المهرجان «جائزة الجزيرة الخاصة لأفضل الأفلام المتعلقة بالصحافة الاستقصائية وجائزة أفلام واعدة للطلبة في قطر».

وأضاف أرناؤوط «مع أن الحوار هو عنوان مهرجاننا لهذا العام، إلا أنني أرغب في أن أتكلم في موضوع الإخلاص الذي هو جوهر العمل، فعمل بلا إخلاص جسد بلا روح ولا نبض، وأول الإخلاص في عملك أن تعمل بصمت». وتابعأ بتأثر شديد «زميلنا علي حسن الجابر، الذي فقدناه وافتقدناه، جسّد الاخلاص واقعا على الأرض، عمل في صمت، تفانى في عمله،أ أعطى للحياة حياته، ومن أكرم ممن يعطي الحياة». وطالب الحضور بالوقوف دقيقة حب وتقدير للشهيد علي الجابر، الذي استشهد جنوب غرب بنغازي خلال تغطية «الجزيرة» للثورة في ليبيا. واختتم مدير المهرجان بالقول «نتمنى أن يمتد حوار هذا المهرجان إلى آفاق أوسع، إلى عالم لا يضع فيه الجهل والتعصب حدوداً بين الإنسان والإنسان».

وفي حفل افتتاح المهرجان، كرّم الشيخ حمد بن ثامر آل ثاني، رئيس مجلس إدارة شبكة الجزيرة الفضائية الشهيد علي الجابر، وتسلم التكريم ابنه عبدالله، كما كرمأ صحافيي «الجزيرة» المحررين من الاعتقال في ليبيا، وهم لطفي المسعودي وأحمد فال ولد الدين وعمار الحمدان وكمال التلوع الذي تسلم عنه الجائزة زميله عمار، لكونه لايزال محتجزاً في طرابلس الليبية.

الدوحة ــ الإمارات اليوم

في «القاهرة وسط المدينة» الذي أخرجته الإيطالية كارولينا بوبولاني، صور عفوية لا تتجمل، وحكايا يرويها مجموعة من أبرز أصحاب المدونات في مصر، وائل عباس ورفاقه، من انطلقوا من أماكن محررة، لم تستعمرها السلطة ولا الأجهزة الأمنية في مصر، وهي الانترنت، ومع ذلك لم يسلم المدونون من البطش والملاحقة، حتى خلال سردهم لقصصهم أثناء الفيلم، إذ تعرض فريق العمل والمدونون للمضايقة، أفحين يختار المدون محمد عادل عرض شهادته في أحد مقاهي الانترنت في القاهرة، يتعرض للطرد هو ومصور الفيلم ومخرجته.

«ميت»

محمد عادل صاحب مدونة «ميت» يروي بإسهاب في الفيلم (27 دقيقة) تجربة اعتقاله بسبب المدونة، وقائمة الاتهامات الطويلة التي وجهت إليه، لاسيما أنه انتقد رأس النظام مباشرة، وتحدث عن الفساد، وكان أحد المناصرين لأهالي غزة، وزار القطاع المحاصر. أما أبرز الاتهامات الموجهة إلى عادل، حسب شهادته في الفيلم، فهو أنه ينتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين «المحظورة»، أو التي كانت، وأنه تلقى تدريباً مسلحاً على يد «حماس»، ودورات في الإعلام الموجه كي تتناسب التهمة مع كونه مدوناً، رغم أن الزيارة إلى غزة لم تستغرق سوى 48 ساعة.

ومن عادل إلى تامر مبروك صاحب مدونة «الحقيقة المصرية» الذي حكم عليه بالسب والقذف والغرامة المالية، وجاء في تقرير وزارة الداخلية أن مبروك هو صاحب «بلوغرز». ووجه مبروك أرسالة من أربع صفحات إلى الرئيس الاميركي أوباما قبل زيارته للقاهرة في عام ،2009 يخبره فيها بقضيته، وأن مصر خلال زيارة أوباما ستستقبل أول حكم في تاريخ التدوين في العالم، الذي سيكون ضحيته مبروك، فالمدونة كانت تنشر عن الفساد والتلوث، وما كان يعانيه عمال في مدينة بورسعيد المصرية. صاحب مدونة «الحقيقة» رغم أنه باع كثيراً من ممتلكاته، وهي قليلة أصلاً، بسبب المدونة، ذكر في روايته في الفيلم أنه متمسك حتى النهاية بسلاحه، الكمبيوتر كي ينشر كل ما يراه من وجوه فساد وظلم.

حرية

وائل عباس، الذي يعد واحداً من أوائل وأبرز المدونين وأشهرهم، يرى أن الانترنت فضاء الحرية الوحيد في مصر. وكان منطقياً أن يلجأ إليه الناشطون والمطالبون بالحرية، والباحثون عن نشر حقائق غير رسمية، بعيدا عن أي سلطة أو رقابة.

يعترف عباس بأنه لم يصور كل الأفلام التي عرضها عن التعذيب والاحتجاجات والتظاهرات والاضرابات في مصر، بل كانت تصل إليه من قبل كثيرين لم يجرأوا على نشرها.

وقال عباس صاحب مدونة «الوعي المصري»، إنه يعتبر أن القاء القبض عليه أكثر من مرة، والمضايقات التي تعرضها لها كان هدفها شيئاً واحداً «يريدون أن أرحل، وأن أترك لهم البلد».

القواسم المشتركة بين كل المدونين هي المضايقات الأمنية التي لم ينج منها واحد منهم، فجميعهم تعرضوا هم وعائلاتهم كذلك إلى مضايقات وضغوط أمنية، بل نالوا حظهم من التعذيب خلال فترات الاعتقال، كما روى المدون ضياء الدين جاد (جاء الاسم في الفيلم غد)، فجاد تعرض للصعق بالكهرباء والضرب، وحين حاول طلب صاحب مدونة «صرخة غضب» النيابة، اخبره المحققون «هنا مفيش نيابة.. احنا هنا اللي بنقرر.. وهنخليك تتكلم». وبعد أن رفض الكلام قالوا له «احنا هنخرج اللي قتل السادات.. بس انت لأ».

لم تقتصر شهادات «القاهرة وسط المدينة» على المدونين الشباب، إذ حضرت تجربتان لمدونتين هما نهى عاطف، وشاهيناز عبدالسلام، اللتان كانتا معنيتين بملف التعذيب، وما كان يحدث من قهر على يد سلطات الأمن للبعض، فالكثيرون سمعوا عن التعذيب، لكن لم يشاهدوا شيئا عنه، لذا حينما نشرت «كليبات» التعذيب في أقسام الشرطة، كانت بمثابة صدمة استفاق على إثرها مصريون كثيرون، وتنبهوا إلى أن الذي يحدث فاق قدرتهم على التخيل، ومن بينها صور عرضها الفيلم الذي يعد بمثابة احتفاء لمهرجان الجزيرة للأفلام التسجيلية بمدونين مصريين، حلموا في العالم الافتراضي، وتحققت أحلامهم في الواقع، يوم 25 من يناير الماضي في ميدان التحرير في القاهرة.

يذكر أن مخرجة الفيلم الإيطالية كارولينا بوبولاني، عملت محررة في تلفزيون «أوربت»، ثم أسست شركة لإنتاج التقارير والأفلام الوثائقية في منطقة البحر المتوسط.

الحجار يشدو بـ «دعوة فرح»

أحيا المطرب المصري علي الحجار، إحدى فقرات حفل افتتاح مهرجان الجزيرة الدولي للأفلام التسجيلية في دورته السابعة، إذ شدا بأغنيتين خلال الحفل، هما «هنا القاهرة» التي كتبها الشاعر سيد حجاب، ولحّنها الموسيقار عمار الشريعي، و«دعوة فرح» من تأليف بهاء جاهين، وألحان الموسيقار عمر خيرت.

وقال الحجار قبل أداء الأغنيتين، إنه سعيد بوجوده في المهرجان، واصفاً «الجزيرة» بأنها «أهم قناة إخبارية عربية، ومن أهم القنوات العالمية»، مشيرا إلى أنه كان ينزعج من قبل من انتقادات القناة لمصر، لكنه بعد الثورة أيقن أن القناة كانت تنتقد النظام السابق، وليس مصر، على حد تعبيره.

صاحب «رباعيات صلاح جاهين» و«صلينا الفجر فين» وغيرهما من الروائع، غنى على خلفية لفيلم يصور مشاركاته في تظاهرات ميدان التحرير، وزياراته للمكان الذي يعد رمزاً لثورة 25 من يناير.

الدوحة ــ الإمارت اليوم

 

تويتر