يقود مشروعاً سينمائياً عالمياً لرصد القصص الإنسانية

راشد المري.. عدسة إماراتيــة ترصد معاناة «أطفال الحروب»

المري طالب بوقف الدعم وباعتماد السينما على نفسها. تصوير: أشوك فيرما

يجهز المخرج السينمائي الشاب راشد المري، لمشروع عالمي ضخم يتتبع خلاله عبر سلسلة أفلام قصصاً إنسانية لأطفال في مناطق الحروب والصراعات المختلفة بادئاً من فلسطين، وصولاً إلى الصومال واليمن وغيرهما، مركزاً على الفئة العمرية من 12 إلى 16 عاماً وكيفية قضائهم لأوقاتهم في فصل الصيف عندما تغلق أبواب المؤسسات المدرسية أبوابها، إذ يتولى المري إنتاج تلك الأفلام التي سيقوم بإخراجها الأميركي المقيم في دبي جايل بروكسبان.

المري الذي استثمر إغلاق كلية دبي التقنية للطلاب أبوابها صيفاً واستعار أجهزة إنتاج سينمائي من مخازنها، على الرغم من تخرجه لإنتاج أحدث أفلامه «رسائل إلى فلسطين»، كشف أنه سيتم التبرع بأدوات الإنتاج السينمائي في مشروعه المقبل لمراكز تعنى بنشاطات الناشئة في تلك الدول، لافتاً إلى أنه ستسبق البدء في المشروع ورش تدريبية للأطفال هناك على مختلف فنون التصوير، وكيفية استخدامهم بأنفسهم لفن السينما للتعبير عن ذواتهم وللتوثيق لما يدور حولهم.

رسائل

يضيف راشد المري «لست مهتماً فوق العادة بالقضية الفلسطينية، ولكن أثارت فضولي حملة إنسانية تقوم بها سيدة فلسطينية حائزة الجنسية البريطانية بعنوان (زيارة) تقوم عبرها بحشد الوفود من مختلف دول العالم لزيارة فلسطين وتقديم الدعمين المعنوي والمادي لسكانها، قبل أن أكتشف غياباً شبه تام للعرب عن الانضمام لتلك المبادرات التي سبق وانطلقت من الإمارات والكويت ودول عربية أخرى».

وتابع: «قادني البحث الذاتي عن سر هذا الغياب للوصول إلى حقيقة أن هناك كثيراً من الأشخاص يهونون من حجم الدعم الضئيل الذي بإمكانهم تقديمه، على الرغم من أن كلاً منا في مجاله قادر على تقديم عون باساليب مختلفة، لذلك قررت أن أبدأ بنفسي من خلال المجال الذي أجيده، وهو صناعة الأفلام بإخراج فيلم وثائقي يحمل رسائل أشخاص عاديين إلى فلسطين، وهو العمل الذي أكد لي ذات القناعة، حيث رفض 80٪ من الأشخاص العرب الذين قصدتهم لتسجيل رسائلهم إلى فلسطين المشاركة في الفيلم الوثائقي، إذ كان معظمهم مدفوعاً بالتحفظ من الخوض في قضايا سياسية حسب تصنيفهم، على الرغم من أن الفيلم اجتماعي وإنساني محض، ومحتواه يتلخص في إجابة عن سؤالين هما: ماذا تعني لك فلسطين كعربي، ما مدى اهتمامك بهذا المكان».

هذه الوقائع التي لمسها المري دفعته إلى تغيير وجهته السينمائية تماماً والاعتكاف على مشروعه الجديد، مضيفاً «الفن بجميع أشكاله قادر على تغيير الواقع، والسينما على وجه الخصوص بصفتها لغة عالمية جديرة بمخاطبة الآخر، وعبرها يمكن لمختلف الشرائح، وخصوصاً الجمهور، التحاور مع أفكارك، ما دمت مصطبغاً بصبغات بعيدة عن السياسة التي هي فزاعة حقيقية للجمهور».

الميزانية «صفر»

الميزانية «صفر»، على حد تعبيره، التي أخرج بها «رسائل إلى فلسطين»، جعلته يرفض دعاوى زملائه من المخرجين الشباب بأن غياب الدعم هو الحائل الأول أمام تطور الحراك السينمائي في الإمارات، مضيفاً «حان وقت إيقاف الدعم للسينما الإماراتية الناشئة، وعلى المنتمين لها بذل مزيد من الجهد لتجويد أدواتهم المختلفة، بل إن الاستمرار في مزيد من الدعم محفوف بمخاطر خلط النتاجات السينمائية المميزة بأخرى متواضعة تؤثر سلباً في تصور المشاهد للمستوى الفني للسينما الإماراتية»، لافتاً إلى أن «بعض المشروعات ذات المواصفات الخاصة، على الرغم من ذلك تظل بحاجة استثنائية إلى الدعم، لكن المساواة في دعم الأعمال الضعيفة والجيدة يبقى ظلماً لواقع ومستقبل السينما الإماراتية نفسه». وكشف المري عن أن المشروع الجديد الذي يتوقع صدور الموافقة على تمويله في غضون أيام من مؤسسة إماراتية، فضل عدم الكشف عن هويتها الآن، يتم بالتنسيق مع الحملة العالمية الإنسانية «يداً بيد» سيكون مشروعاً متواصلاً يمتد لأجزاء متعددة، وسيتطلب شحن معدات تصوير وإنتاج سينمائي إلى دول متعددة منها الصومال واليمن وغيرهما من الأماكن التي فيها صراعات متفاوتة لرصد متى تأثير تلك البيئة في الأطفال، وسيتم التبرع بها لمراكز هناك تعنى بنشاطاتهم، كي تصبح نواة لصناعة أفلام أخرى تتتبع تطور تجاربهم عبر المراحل السنية، بعد تجاوزهم المرحلة العمرية محور اهتمام المشروع الممتدة من 12 إلى 16 عاماً، الذي سيهتم برصد أنماط حياتهم، خصوصاً خلال فصل الصيف في ظل غياب المدرسة كمؤسسة مستوعبة لهم أثناء العام الدراسي.

وقال المري إن «أحد العوامل التي أوحت بالفيلم الجديد هو تواصله مع مواطن فلسطيني التقى به في دبي، ترك بلده منذ 30 عاماً عندما كان في الـ13 من عمره، وسيكون تصوير الفيلم بالنسبة له، فرصة للعودة إلى فلسطين»، مشيراً إلى أن الفيلم الذي سيقوم المري بإنتاجه، سيكون من إخراج الأميركي المقيم في دبي جايل بروكسبان، وستكون لغته الرئيسة الإنجليزية، وتحديداً اللهجة الأميركية منها، نظراً إلى كونها الأكثر استساغة لدى المشاهدين في مختلف أنحاء العالم، لافتاً إلى أن هذا سيقتضي تدريب الأطفال على تلك اللغة، بالإضافة إلى فنون الإنتاج السينمائي قبل الشروع في التصوير، فيما سيكون هناك حرية في استخدام اللغة العربية بخلاف لغة التقارير في الفيلم.

تقاليد المسرح

المري الذي يمتلك وجهات نظر نقدية أيضاً قال إن المشهد السينمائي الإماراتي يعد واعداً للشباب، لكنه استدرك «هناك إشكالية تتعلق بدخول تقاليد المسرح، وكذلك الدراما التلفزيونية في سياق الدراما السينمائية، وهو الأمر الذي يتبدى حتى في تكريم بعض الشخصيات المخضرمة في المسرح والتلفزيون في المهرجانات السينمائية بالدولة، لكن على الرغم من ذلك فإن المخرجين الشباب بدءاً من الجيل الذي ظهر عام 2005 تمكن بالفعل من استخلاص أدواته السينمائية المستقلة، بدليل أن مهرجان دبي السينمائي الأخير بدأ باتجاه انتخاب أعمال ذات مستويات فنية مميزة للمشاركة ضمن مسابقة إماراتية خاصة، ووصل عدد تلك الأفلام إلى رقم مهم وهو 12 فيلماً، في حين ضم الخليج السينمائي مشاركة 40 فيلماً إماراتياً».

وحث المري زملاءه الشباب على إنتاج وإخراج أفلام إماراتية وفق مخيلاتهم وتصوراتهم الخاصة دون الانشغال بمدى التوافق مع التيارات السينمائية السائدة، أو حتى الموروث الدرامي الإماراتي.

وأضاف: «لن نستطيع إنتاج أفلام عالمية تجارية بحكم هيمنة ثقافات أخرى على تلك الصناعة، لكننا قادرون على إنتاج أفلام إماراتية تصل إلى العالمية وتضمن حضوراً إماراتياً مهماً في المهرجانات المهمة، لكن هذا يقتضي بأن يتم نوعاً من الغربلة التي لا تخلط أو تساوي بين أصحاب التجارب السينمائية الواعدة الذين يتجهون بخطى متسارعة لتجويد أدواتهم، وسواهم، بحيث يبقى مستوى المشاركات التي تمثل الدولة في المحافل الخارجية بعيدة عن شرَك سوء التمثيل».

تويتر