شهود العيان غير الموثوقين يتسببون في مشكلة للفضائيات. أرشيفية

الخطـــــاب: الـثــورات العربية أسقطت أقـنعـة الفضــائيـات

قال الإعلامي والأكاديمي د.فارس الخطاب، إن الأحداث الأخيرة التي أسقطت الأقنعة عن كثير من الفضائيات العربية، كشفت عن أن الوقت قد حان لأفول هذه الفضائيات، تمهيدا لظهور قنوات جديدة تحمل الراية في ما بعد، داعيا النقابات والجمعيات الصحافية والإعلاميين الملتزمين، إلى القيام بدورهم في إعادة الاعتبار لمعايير المهنية والحيادية إلى العمل الإعلامي في مختلف وسائل الاعلام العربية.

وأشار الخطاب إلى أن الفضائيات العربية أصبحت تقوم، وعن قصد، بتحويل النشرات الإخبارية من نقل أخبار الأحداث التي تقع في المنطقة العربية، إلى صناعة الخبر وفق الأجندات السياسية والتمويلية لهذه القنوات. موضحا «عندما تتدخل الأجندة السياسية والتمويل في عمل القناة، تؤدي بالضرورة إلى الابتعاد عن الحيادية، ما يسهم في إصابة المشاهد بحالة من تخبط الرؤى وعدم القدرة على اتخاذ القرار، كما يجري في الوقت الحالي».

وأوضح الخطاب الذي يشغل منصب رئيس قسم الإعداد في تلفزيون أبوظبي ـ الإمارات، أن ما يحدث اليوم من غياب للحيادية والموضوعية في تغطية الثورات العربية، يمثل امتداداً لما اتسمت به تغطية القنوات الإخبارية العربية لأخبار العراق خلال سنوات الاحتلال الأميركي له، وهو موضوع كتابه الجديد «حرب لا رتوش»، الذي تحدث عنه في الندوة التي نظمتها جمعية الصحافيين في أبوظبي أول من أمس، بحضور رئيس الجمعية محمد يوسف، الذي تناول فيه غياب الموضوعية في تغطية أحداث وأخبار العراق في قناتي «الجزيرة» و«العربية» الإخباريتين، وهو الموضوع الذي كثر اللغط فيه، ووصل حتى إلى وزارة الدفاع الأميركية، بحسب ما أشار المحاضر.

وأفاد بأنه اختار عام 2007 نموذجا باعتباره عاماً مملوءاً بالأحداث المهمة، وذلك ضمن دراسة علمية اعتمدت على تحليل المضمون لما يقرب من 72 نشرة إخبارية بثت على القناتين. وهي الدراسة التي أظهرت بوضوح دور الأجندة السياسية لكل قناة، إذ ركزت «الجزيرة» في تغطياتها على الاحتلال ومقاومة الاحتلال، والآراء الناقدة لأداء الحكومة، بينما ركزت «العربية» على عرض أنشطة مختلفة تجري هناك اجتماعية واقتصادية ورياضية، وهي الأنشطة التي غابت تماما عن تغطيات «الجزيرة». وأرجع عدم الحيادية في التغطية الإعلامية إلى أسباب عدة، بعضها يتعلق بالايديولوجيات، والبعض يعود إلى درجة مهنية مراكز الأخبار في كل قناة، إضافة إلى غياب الدراسات والاحصاءات عن ما يجري وهي سمة تتكرر في مختلف المجالات في العالم العربي، وأيضا عدم وجود مكاتب لبعض القنوات في العراق كان له تأثير كبير في عدم قدرتها على متابعة وتغطية الأحداث مثل «الجزيرة»، التي مازالت حتى الآن بلا مكتب في بغداد.

ووصف الخطاب تغطية الفضائيات للأحداث العربية التي تجري حاليا وثورتي مصر وتونس؛ بأنها امتداد لتغطيتها أحداث العراق من غياب للحيادية، ولكنه بدرجة أكثر سفورا ودون قيود.

وأوضح: «شاهدنا لأول مرة قناة عربية ذات ثقل تبث أغنيات أم كلثوم بالتزامن مع تغطيتها الثورة المصرية، أيضا ظهور الشيخ القرضاوي على (الجزيرة) ليهدر دم الرئيس الليبي معمر القذافي، أو ان يدعو المتظاهرين والثوار في مصر إلى الثبات، وهو ما يعد تدخلاً وتحريضاً يبعد الخبر عن حياديته تماما، وبذلك تكون القنوات العربية انتقلت إلى مجال صناعة الحدث وتقوم بدور يوازي المؤسسات السياسية، كما خلق الكثير من التناقضات في التغطية للاحداث، فركزت «الجزيرة» على الشارع في مصر وتونس وثبتت صورة الثورة منذ البداية لهذه التحركات، ولكنها بهذه التدخلات والعمل على تلوين الخبر ابتعدت كثيرا من الحيادية، والأمر نفسه ينطبق على «العربية» أيضا، ولكنها اتسمت بنبرة أكثر هدوءاً، بحسب ما ذكر المحاضر.

مشيرا إلى أن هناك قنوات أخرى ابتعدت عن تغطية الأحداث في مصر وتونس، في الوقت الذي أفردت فيه مساحة واسعة لتغطية الأحداث في البحرين، والتي وصفتها بأنها الثورة الوحيدة الحقيقية، وهو ما يعكس مدى تدخل الأجندات السياسية والتمويل في عمل القنوات الفضائية العربية.

وتحفظ د. الخطاب على بعض الوسائل التي استخدمتها القنوات في تغطية الأحداث مثل اجترار صور قديمة أو سابقة للحدث وعرضها مع حدث جديد، أو تكرار استخدام صورة معينة مع أكثر من حدث، كذلك الاعتماد بشكل لافت على ما يسمى «شهود العيان»، وهم أشخاص يتصلون هاتفيا بالقناة من دون أن يعرف أحد هويتهم أو مدى صحة ما يدلون به من أخبار وشهادات ودون أدلة أو صور تثبت صدق ما يقولونه، إضافة إلى اختيار محللين سياسيين بعينهم، تتفق توجهاتهم مع توجهات القناة وأجندتها السياسية، وهو ما أوقع هذه القنوات في أخطاء كثيرة، وأدخل المشاهد العربي في فضاء غير محدد الأبعاد، وانتهى به الأمر إلى حالة من عدم المبالاة بما يجري في الشارع، واكتفي بالتقاط الأخبار بأطرافها.

الأكثر مشاركة