تعددت الرؤى والإبــداع واحد
نقاط خلافية عدة طرحتها الأمسية التي نظمتها هيئة أبوظبي للثقافة والتراث أول من أمس، في المسرح الوطني في أبوظبي، والتي جمعت بين أكثر من شكل إبداعي حيث قدم الشاعر الإماراتي محمد المزروعي قراءات شعرية من دواوينه، وقدم الشاعر والناقد وليد علاء الدين قراءة نقدية، وصاحب الأمسية معرض فني ضم لوحات تشكيلية للفنانة اللبنانية كلود حبيب والفنان السوداني علي الجاك، استمدها الفنانان من وحي أشعار المزروعي.
ففي قراءته النقدية التي قدمها، ابتعد وليد علاء الدين قليلاً عن الملامح الشعرية لتجربة المزروعي، ليتخذها منفذا إلى قضية اللهجات العامية ومدى ما تتمتع به هذه اللهجات العامية من «فصاحة تعبيرية» في مواجه ما أسماه الناقد اللغة العربية الفصحى الافتراضية. موضحاً أن فكرة اللغة العربية الفصحى تمت مصادرتها بشكل أو بآخر لمصلحة تيارات فكرية وأيدولوجيات بعينها، «بذلك يمكن القول إنه لا يوجد ما يمكن أن نسميه باللغة العربية الفصحى إلا من باب الافتراض، حيث إن اللغات كلها كانت على مر الزمان لهجات تختلف من مكان إلى مكان ومن زمان إلى زمان، إلى ان حدث وتمت مصادرة اللغة العربية لمصلحة لهجة واحدة، وتثبيتها معيارا على أساسه أصبحت بقية اللهجات مخطئة أو ملحونة أو معطوبة، وهو امر فيه ما فيه من خطأ، وإن لم ينتبه إليه كثيرون».
ورأى علاء الدين أن اللغة العربية المحكية، أي اللهجة، أشد فصاحة من «الفصحى المزعومة» بحسب تعبيره، باعتبار ان الفصاحة هي القدرة على التعبير عن مكنونات أفكار الانسان باستخدام الوسائل المناسبة كافة. كما اعتبر أن قواعد اللغة ما هي إلا محاولة لالتقاط صورة فوتوغرافية للحال، «ولعل هذا من أسباب افتقادها لنضارتها، وما نسمع عنه من جمود وعدم قدرة على استيعاب العصر».
وفي تطرقه لملامح التجربة الشعرية للشاعر محمد المزروعي، قال «هي مميزة ولافتة، وتحمل في طياتها عناصرها الخاصة الحميمية، وعوالمها المنحوتة بمهارة في المساحة بين الحلم والواقع، إلى جانب قدرته المثيرة على صنع صورة ممتدة بلطافة وخفة وفصاحة». وقدم المزروعي مجموعة من قصائده باللهجة العامية المصرية، التي اتسمت بعوالم خاصة، استمدت فرادتها من استنادها إلى تجارب شخصية للشاعر منحتها عمق الفكرة وصدق المشاعر.
اشكالية اخرى طرحت خلال المناقشات في الأمسية، حول الصنعة في الإبداع الأدبي، ومتى تخرج الفنان من حالته الإبداعية الصادقة لتضعه في خانة الصانع، وذلك تعليقا على اللوحات الفنية التي صاحبت الأمسية، وجاءت بمثابة قراءة بصرية لقصائد المزروعي. وفي رده على هذا التساؤل، أوضح الفنان علي الجاك ان تحديد الفنان لموضوع لوحته مسبقا، او اتجاهه لتقديم قراءة بصرية لعمل ابداعي آخر، لا يمس فنية وجمالية العمل التشكيلي طالما كان نابعا من تأثر الفنان بالعمل، واعتماده على رؤيته الخاصة، وترجمته الشخصية للقصيدة أو الديوان، وما يمنحه ذلك من أبعاد إضافية تثري العمل وتضيف إليه. لافتاً إلى ان قربه من شخصية المزروعي والعلاقة المباشرة التي تربط بينهما، وفهمه لما تحمله قصائده من عوالم وصور وتراكيب، تجعل التفاعل الابداعي بين أعمالهما بعيدا تماما عن الصنعة والافتعال.
وأوضح الجاك ان تجسيد قصيدة في لوحة يحتاج من الفنان الإبحار إلى ما رواء المعنى القريب والصورة المباشرة التي قد تبدو في القراءة الأولى للقصيدة، إلى ما تخبئه بداخلها من معانٍ ومكنونات.
من جانبها، أشارت الفنانة كلود حبيب إلى انها استمدت لوحاتها الخمس التي شاركت بها في المعرض من ديوان «ريحة دم» للمزروعي. لافتة إلى تركيزها على استنباط ما يحمله العنوان من دلالات بعيدة وتجسيدها بأسلوبها الخاص «فالقصائد بالنسبة لي ليست مجرد كلمات، بل هي روح ورائحة وشبابيك على عالم مختلف، ولذا قرأت الديوان خمس مرات قبل الشروع في تنفيذ اللوحات».