«الأغنية والدراما الرمضـانيـة» الخاسر الأكبر من الثورات
ليس فقط لانكماش شديد في عملية إنتاج الأعمال الفنية سواء سينمائية أو تلفزيونية، فضلاً عن الأغاني، بل إن نجومية الفنانين نفسها، ودرجة التهافت على تتبع أخبارهم أصيبت بانتكاسة شديدة، لتراجع شعبية قنوات خصصت نفسها لعرض الأفلام والمسلسلات والأغاني، مقابل استحواذ القنوات الإخبارية مثل «الجزيرة» و«العربية» و«بي بي سي» وغيرها على وقت المشاهدين، بسبب تطورات الأوضاع السياسية في عدد من البلدان العربية، والمتابعة الحثيثة خصوصاً لتفاصيل تطورات ثورتي تونس ومصر، وتطورات الأوضاع في ليبيا واليمن، وما يرتبط بذلك من تداعيات، ما جعل بعض البرامج الفنية وأيضاً الرياضية على عدد من الفضائيات تخصص حيزاً للنقاش حول الشارع العربي للاحتفاظ بمشاهديها.
واقع جديد مفاوضات صعبة تدور الآن بين ممثلي شركات الدعاية والإعلان من جهة، وإدارات التسويق في معظم الفضائيات العربية من جهة ثانية، وايضاً منتجي مسلسلات رمضان من جهة ثالثة، بعدما تقلصت كعكة الإعلانات المتوقعة، وتضاءلت عقود المعلنين كماً وقيمة مادية، ايضاً، ورغم أن عدداً من الممثلين مثل الفنان عادل إمام وغيره أعلن صراحة انه قام بتخفيض أجره، فإن الكثير من شركات الإنتاج مازالت تتمسك بأسعار العروض القديمة، مراهنة على «انخفاض المعروض من المسلسلات المصرية والسورية». في المقابل، من المتوقع أن يمثل تراجع الإنتاج المصري والسوري بالنسبة للمسلسلات المخصصة للعرض الرمضاني فرصة ذهبية للدراما الخليجية، من أجل إيجاد مساحة أكبر على شاشات القنوات، بل إن بعض الفضائيات المصرية ألمحت للمرة الأولى إلى أنها ستلجأ إلى التعاقد لعرض مسلسلات خليجية خلال شهر رمضان المقبل للمرة الأولى، بعد التقلص الكبير في عدد المسلسلات المصرية . وفي مقابل عزوف منتجين عن بيع مسلسلاتهم وفق أسعار «الواقع الجديد»، مرجئينها للعام المقبل على امل معاودة ارتفاع الأسعار، فإن السوق شهدت عودة أعمال تم استبعادها من عروض العام الماضي لأسباب مختلفة منها الاختلاف مع أشخاص بعينهم في أحد أهم المؤسسات التي تسببت في المبالغة في أسعار شراء المسلسلات وهو التلفزيون المصري، ومنها الجزء الثالث من مسلسل «الدالي» الذي غاب بغيابه العام الماضي الفنان نور الشريف عن عروض رمضان للمرة الأولى منذ 15 عاماً.
|
وبعد موسم سابق تأثرت فيه العملية الإنتاجية بتبعات الأزمة الاقتصادية العالمية، جاءت تلك التطورات لتفرض واقعاً جديداً أفقد الكثير من شركات الإنتاج اتزانها، في الوقت الذي أسهم في تقلص مساحة البرامج الفنية على بعض الفضائيات، وايضاً حضور الفنانين أنفسهم في السياق الإعلامي، ورغم أن بعضهم حاول استثمار تلك الأحداث بالاقتراب من دائرة الرأي، إلا أن النموذجين التونسي والمصري، وما ارتبط بهما من إعداد قوائم سوداء جعلت بعض الفنانين يتحسبون كثيراً من مغبة الإدلاء بأحاديث غير محسوبة على سبيل الاستهلاك، والمحافظة على مساحة الانتشار.
ورغم أن إنتاج المسلسلات الخليجية هذا العام مرشح هو الآخر لتراجع كمي بسبب الأزمة الاقتصادية، إلا أن الخاسر الأكبر بسبب الأحداث الجارية هو بلا شك شركات الإنتاج المصرية التي أشارت تقارير إلى أنها مرشحة لأن تفقد نحو 50٪ من كم المسلسلات الذي اعتادت أن تمد به مختلف الفضائيات العربية خلال شهر رمضان، وهو الأمر الذي ينسحب بشكل متواز على الدراما السورية التي تم إلغاء الكثير منها بسبب تردي الوضعين السياسي والأمني هناك، بل إن الأحداث في سورية أحدثت ارتباكا إنتاجيا في عدد من المسلسلات الخليجية التي كان من المفترض أن يتم تصويرها هناك.
السينما العربية التي لا تزال عملياً في دور العرض مصرية أصيبت هي الأخرى بانتكاسة كبيرة بسبب توقف شركات كثيرة عن الإنتاج، وهو الأمر الذي ترجمته عملياً دعوة أحد أهم المنتجين السينمائيين المصريين وهو د. محمد العدل صاحب شركة العدل جروب للإنتاج الفني إلى تكوين شركة مساهمة من العاملين في صناعة السينما لمواجهة ما اعتبره «نزيف خسائر»، فضلاً عن تكوين اتحاد للمنتجين السينمائيين، رغم أن أحداث الثورة نفسها أعلن الكثير من المخرجين عن عزمهم على استثمارها سينمائياً بالتنسيق مع كتاب، بل إن بعض المخرجين كانوا يوجدون على الأرض أثناء ذروة الثورة بعين المخرج وكاميرته، التي تسعى إلى التقاط أحداث يتم توظيفها في ما بعد في أعمال درامية. سوق الأغنية هي الأخرى لم تكن استثناء من هذه الخسائر، وفي حين كان حديث معظم الفنانين يدور في الأساس حول كساد هذه السوق بفعل تبعات الأزمة الاقتصادية العالمية، وتضاؤل فرص إقامة الحفلات الغنائية، أو حتى تصوير الأغاني بالكثافة ذاتها التي شهدتها المرحلة المقبلة، فضلاً عن ما اعتبرته بعض الشركات المنتجة «خسائر فادحة تتعرض لها جراء القرصنة على ملكيتها الفكرية بنسخ اسطوانات مقلدة، وتحميل الأغاني عبر الانترنت»، جاءت الأحداث الأخيرة لتعمق مأساة فنانين، وحضورهم الإعلامي أيضاً بعدما تقدمت أخبار تلك الأحداث على اي أخبار أخرى، خصوصاً عالم الفن والفنانين. وعلى خلاف الأحداث الرياضية والمناسبات الوطنية التي تشهد تسابقاً بين الفنانين لاستثمارها من اجل مزيد من الحضور الإعلامي، سواء عبر التصريحات أو المشاركات الفنية، فإن فطنة بعض الفنانين دفعتهم للتريث في السير على المنوال نفسه بالنسبة للأحداث الجارية، لا سيما أن فناناً مخضرماً مثل المصري عادل إمام وجد نفسه في مأزق تصريحات متناقضة في الأيام الأولى من ثورة 25 يناير المصرية، فيما كان مصير مطرب شاب هو تامر حسني مأساوياً في ما يتعلق بمصيره الفني، وتصدره القائمة السوداء للمطربين، والتي يشاركه في تصدرها بالنسبة للممثلين ايضاً الفنان طلعت زكريا، وكلاهما لم يفطن إلى سياسة التريث التي اتبعها معظم الفنانين.
المطرب المصري إيهاب توفيق أكد من جانبه، أن سوق الأغنية المصرية مهددة بالانهيار بسبب الأزمة الاقتصادية في المقام الأول، بالإضافة إلى أزمة التعدي على حقوق الملكية الفكرية، فيما اشار الممثل مصطفى شعبان إلى أن معظم الفنانين المصريين تجاوبوا مع الظروف الجديدة بتخفيض أسعارهم، وهو الأمر الذي كان سباقاً فيه الفنان عادل إمام الذي يقدم مسلسلاً درامياً لأول مرة بعد عقود، أما المنتجون المصريون فقد تفاوتت مواقفهم ما بين مرجئ لمشروعاته التي لم يكن قد بدا بالفعل فيها، وبين مفاوض للفضائيات العربية من أجل الاحتفاظ بأسعار تم تغييرها بالفعل بسبب أزمة شركات الدعاية هي الأخرى التي طالبت بتعديل أسعار الإعلانات وتخفيضها تماشياً مع أوضاع اقتصادية جديدة فرضتها أحداث الشارع العربي.
وعكس عدم إعلان معظم الفضائيات العربية بشكل نهائي عن هوية المسلسلات التي قررت إذاعتها خلال شهر رمضان المبارك حالة التخبط الشديدة التي تعيشها الجهات المسؤولة عن التعاقدات الجديدة للمسلسلات، بسبب الغاء مشروعات كانت مقررة سلفاً، فضلاً عن التفاوض حول الأسعار «المخفضة» الجديدة للمسلسلات.