أغنيات للكبار فقط
ما الذي يفعله صناع الأغنية العربية بالجمهور؟ وما الحال التي يريدون أن يصلوا بالأغنية العربية إليها؟ من يتابع القنوات الغنائية ولو دقائق معدودة يدرك بوضوح أن الاغنية العربية تم تجريدها من كل ملامح خصوصيتها، لتتحول إلى مسخ ليس له هوية.
ولم يقتصر إفساد الأغنية على ما طال ألحانها من استسهال، وتشابه، حتى باتت كلها يشبه بعضها بعضاً، وما وصلت إليه كلماتها من سطحية وفراغ المضمون والمعنى، بل كشفت كثير من الدراسات أن ما تتضمنه الأغنيات من قيم أخلاقية وسلوكية سلبية يفوق كثيراً ما قد تحمله من قيم إيجابية. وللأسف تجد هذه الأغنيات، بما تحمله من سلبيات، طريقها سريعاً إلى الشباب من مختلف الأعمار والفئات، لما تتميز به من إبهار الصورة والرقصات والألحان الراقصة.
صورة سلبية أظهرت دراسة أن اغاني الفيديو كليب العربية تقدم المرأة بوصفها راقصة بنسبة 27٪، وعاشقة بنسبة 20.4٪، وعاملة بنسبة 3.6٪، وتظهر الرجل عاشقاً بنسبة 46.6٪. وكشفت عن تقديم هذه الاغاني صوراً سلبية جداً عن المرأة بنسبة 76٪، مقابل 50٪ للرجل، وتم تجاهل الادوار الاجتماعية للمرأة، إذ التركيز فقط على المرأة العاشقة والمغرية، وحصرت علاقة الرجل بالمرأة في اغاني الفيديو كليب في دائرة الحب والغرام والجنس فقط، متجاهلة العلاقات الانسانية الاخرى، إذ تقف المرأة الى جانب الرجل في صعوبات الحياة وتربية الاولاد، وحتى في الابحاث العلمية والمهن بكل أنواعها. |
كثيرة هي الأغنيات المسيئة للمجتمع والمرأة العربية على وجه الخصوص، فالمرأة في هذه الأغنيات لا تخرج عن كونها راقصة تتلوى مثل ثعبان سام، أو حبيسة غرف النوم تتمدد على سرير بملابس فاضحة، أو تقف أمام المرآة تتجمل في انتظار الحبيب. الغريب أن معظم الأغنيات التي تتضمن مثل هذه المشاهد لا تحمل كلماتها أي مضمون يتفق مع مشاهد التصوير، ولكن الأمر لا يعدو استغلالاً رخيصاً من صناع الأغنية للمرأة لجذب المشاهد ليعرف الاغنية وصاحبها، لهذا أصبح هناك اعتقاد لدى المغنين الجدد بأنه كلما تضمنت الأغنية فتيات ومشاهد عري وجرأة، نجحت و«علقت» مع الجمهور أسرع.
في المقابل، لم يرغب مطربون معروفون في ترك الساحة للجدد، فأصبحوا يتسابقون أيضاً من أجل حشد أكبر عدد من الراقصات في أغنياتهم، ومن بين هذه الأغنيات أغنية حديثة تعرضها حالياً القنوات الغنائية المتخصصة، للمغني سجال هاشم تحمل عنوان «خلص»، وغالباً هي الأغنية المصورة الأولى له، ولذلك بالطبع حرص على حشد مجموعة من الراقصات اللاتي ارتدين ملابس «شرطة» مثيرة، ويظهرن طوال الفيديو كليب وهن يقمن بحركات وايماءات مثيرة، من المفروض أننا نقبل بها كرقصات أو نوع من الفنون، وهي لا تعدو كونها محاولة فجة وسيئة لتقليد الأغنيات المصورة الغربية.
حتى المرأة نفسها لم تحاول أن تكون أكثر إنصافاً لبنات جنسها، إذ تسابقت بعض الفنانات للاستعانة براقصات شبه عاريات، وتكفلت بعض الفنانات بالمهمة، فاستغنين عن الراقصات ليقمن هن بالأداء في الأغنيات.
ولأن معظم الأغنيات التي تعرض حالياً على الشاشات العربية، هي لمغنيات غالبا لا يمتلكن ما يكفي من الموهبة الصوتية والفنية، اتجهن لتعويض هذا النقص في الموهبة بالمبالغة في العري والابتذال والحركات الغريبة التي لا تندرج تحت أي تصنيف فني يمكن قبوله، أو الترحيب بدخوله منازلنا دون استئذان. وباتت القنوات الغنائية من «الممنوعات» لدى كثير من الأسر، وهو أمر يمكن تفهمه في ظل العرض المتكرر لأغنيات مثيرة للتساؤل، مثل أغنية المغنية قمر «العتبة قزاز»، وعلى الرغم من أن الاغنية مستمدة من الفلكلور المصري، وسبق وقدمتها الفنانة الشعبية ليلى نظمي، إلا انها تحولت على يد قمر إلى عمل يجب ألا يُعرض إلا تحت شعار «للكبار فقط». أيضًا الفنانة اللبنانية نيكول سابا، التي كثيراً ما صرحت بأنها ترفض العري والابتذال في أعمالها، إلا أن من يشاهد أغنياتها المصورة لابد ان يصاب بحالة من الدهشة والعجب من ما تقوم به سابا من حركات ورقصات وهي نائمة على طاولة بأسلوب يحمل كثيراً من الإيحاءات التي يجب ألا تعرض ضمن أغنية من المفروض أنها تتوجه للجميع دون تحديد سن او فئة معينة. أما المغني المصري بهاء سلطان؛ فيبدو انه بات معجباً بأجواء النوادي الليلية، فأصبحت هي الخلفية المفضلة ليقدم أغنياته فيها، ولعل تصوير الأغنية في أجواء النادي الليلي يمنح صناع الأغنية مبرراً كافياً للاستعانة براقصة أجنبية ترتدي بدلة رقص لا تستر من جسدها إلا القليل، وأيضًا أن تنخرط فتيات أخريات في ما يشبة مسـابقة للرقص.