سر نيشان في بحر الهوى

برامج نيشان تدور في قالب واحد ولا تخرج عن كونها «جلسات نميمة». أرشيفية

ما سر نيشان؟ ولماذا يتصرف هكذا؟ وهل كُتب علينا أن نتحمله طويلاً؟ هذه الأسئلة تفرضها فرضاً طبيعة البرامج التي يقدمها الإعلامي اللبناني نيشان، فمن المتعارف عليه أن كل البرامج التي تقدم، على اختلاف أنواعها، سواء الترفيه أو المعلومة او المتابعة الإخبارية أو التحليل، وغيرها، لابد أن تضع المشاهد هدفاً أساسياً تتوجه إليه، وهي كلها تصب في مصلحة المشاهد الذي من دونه لن يكون هناك إنجاز حقيقي لوسيلة الإعلام، لأن هناك ارتباطاً وثيقاً بين ارتفاع نسبة المشاهدة من جهة وتدفق الإعلانات من جهة أخرى.

إلا أن برامج نيشان تمثل خرقاً واضحاً لهذه القاعدة الإعلامية، فالمتابع لبرامجه على اختلاف مسمياتها يجد أنها منذ سنوات تلف وتدور في القالب والإطار نفسه، وتستضيف الضيوف والاسماء نفسها، فهي لا تخرج عن كونها جلسات نميمة مع أصدقائه من الفنانين والنجوم من مختلف العالم العربي، يسعى خلالها إلى تقمص دور الاعلامي الفذ الذي ينقب عن الأسرار والأخبار ويثير المشكلات، ولكن سرعان ما يفضحه أداؤه مع ضيوفه، ومطالباته الجمهور طوال الوقت بالتصفيق عقب كل جملة ينطق بها الضيف وكأنه ألقى بخطبة عصماء أو قام بعمل بطولي، أما المجاملات والثناء على الضيف وملابسه وكلامه وأعماله الفنية فحدّث ولا حرج، إذ يفرد لها نيشان أكثر من ثلاثة أرباع الحلقة، وفي النهاية يخرج المشاهد من دون أن يحصل على معلومة واحدة جديدة، بخلاف ما يرغب الفنان في تمريره من أخبار أو توجيه اتهامات إلى فنانين آخرين، ويكون الكاسب الأكبر نيشان الذي استغل البرنامج لإظهار ما يتمتع به من علاقات وثيقة مع نجوم الفن، وكأن هذه العلاقات وحدها كفيلة بان تجعله نجماً للبرامج الحوارية، وان وجوده على الساحة مرتبط فقط باستمرار هذه العلاقات، دون أن يتوقف قليلاً ليسأل نفسه عن طبيعة علاقته مع الجمهور، أو أن يحاول بذل مجهود حقيقي لتقديم عمل جديد ومبتكر يحافظ به على نجوميته واستمراريته على الشاشة.

في برنامج «بحر شط الهوى» الذي أخذ الكثير من الدعاية قبل البدء في تصويره، وخلال التصوير، وأثناء العرض، حظي نيشان بفرصة نادرة للخروج من الشكل المستهلك للبرامج التي ارتبط بها، فالبرنامج كله يدور خلال رحلة بحرية يقوم بها مجموعة من النجوم في البحر الكاريبي إلى جزر البهامز، في ظل إنتاج سخي وفر للفنانين وسائل الراحة والترفيه وممارسة ألعاب ورياضات ومغامرات متعددة، إضافة إلى الكثير من «الشوبينج»، كل هذا كان كفيلاً بتقديم عمل مختلف، ولكن نيشان فضّل التعامل مع الموضوع بطريقته الخاصة، فخرج العمل استعراضياً ومفتعلاً ومثيراً للملل ولضيق المشاهد الذي وجد نفسه يتابع نجومه المفضلين الذين رسم لهم في مخيلته مكانة مميزة، يقضون أوقاتهم بين جولات شراء أشهر الماركات من الملابس والعطور، وأحاديث سطحية لا فائدة منها ولا هدف لها، فأصبح الأمر يبدو أن هؤلاء النجوم يقومون برحلة استجمام خاصة وليس ببرنامج من المفروض أن يتابعه الآلاف.

لا يستطيع أحد أن ينكر أن البرامج الترفيهية مطلوبة، لتخفيف حدة وقسوة الواقع والأحداث التي نعيشها، ولتحقيق التنوع في ما يعرض على الشاشة، ولا يستطيع أي منا إنكار ما تتمتع به هذه النوعية من البرامج، خصوصاً التي يشارك فيها النجوم، من جماهيرية كبيرة ونسب مشاهدة مرتفعة من الجمهور من مختلف الأعمار، لكن هذا لا يعني إطلاقاً أن تكون السطحية والتهريج واستفزاز المشاهد هي السمات المسيطرة على هذه البرامج، فحتى الترفيه يحتاج إلى مجهود ليخرج بصورة تحترم عقل المشاهد ومشاعره، فما المانع من أن يتخلل فقرات الهزار والتسلية حوار جاد يعبر عن ثقافة النجوم المشاركين في البرنامج، أو يعبرون فيه عن آرائهم في ما يجري من حولنا، أو أن يتضمن جدول أنشطة النجوم زيارة إلى جمعية أو جهة خيرية تعكس ما يجب أن يقوم به الفنان من دور اجتماعي في مجتمعه، بدلاً من أن يظل الجانب الظاهر للمشاهد من نجمه المفضل هو التهافت على الشراء والمبالغة في التزين والتأنق، حتى في رحلة بحرية تتطلب الكثير من البساطة والتلقائية، وليس كما ظهر البعض، كتلة من المبالغة والافتعال على «شط بحر الهوى».

تويتر