سانيتا ليسيتسا تستــنطق الرمال بحثاً عن الجمال
بالأزرق والأصفر؛ لونا السماء والصحراء، جاءت لوحات الفنانة البوسنية سانيتا ليسيتسا، التي بهرتها رمال الصحراء بما تحمله من أسرار وقصص وحكايات اختزنتها على مر العصور، لتعبر عن كل هذا المخزون الفني والجمالي الذي لم يلتفت إليه كثيرون.
وفي لوحاتها التي ضمها معرض «روح الصحراء»، الذي افتتح مساء الخميس بفندق ميلينيوم أبوظبي، سعت الفنانة سانيتا ليسيتسا إلى استنطاق الصحراء ورمالها حول الكثير من الحضارات التي نشأت وتطورت في ربوعها وبين اطرافها المترامية سواء التي اندثرت أو استمرت، وحتى تلك التي تولد في الوقت الحالي، بحسب ما أشارت الفنانة. مشيرة إلى انه في جميع هذه الحالات كانت الرمال هي الشاهد دائماً على هذا الحراك الثقافي والحضاري والتاريخي بكل فصوله ومراحله، وهي أيضا قادرة على التعبير عن هذا التاريخ الممتد أصدق تعبير.
الجديد الذي تقدمه سانيتا في لوحاتها لا يقتصر فقط على استخدام الرمال أداة للرسم، ولكن الأهم هو اكتشافها الاختلاف الكبير بين نوع الرمال وطبيعتها من مكان لآخر، فالرمال ليست واحدة في كل الصحارى كما يعتقد الكثيرون، ولكن ادراك الفرق بينها يحتاج إلى اختبار صحارى عدة، والتعامل معها كائناً حياً حتى يمكن للمرء ان يتلمس روح الصحراء، ويصل إلى بعض ما تخفيه في أعماقها، وهو ما حاولت سانيتا ان قوم به خلال رحلاتها بين مختلف الدول العربية بين قارتي إفريقيا وآسيا.
«لستُ مستشرقة» ترفض سانيتا ليسيتسا ان يطلق أحد عليها صفة «مستشرقة»، فدراستها اللغة العربية وتخصصها في اللغات الشرقية، بالإضافة إلى اقامتها في الإمارات، وشغفها الشديد بالعالم العربي بكل بلدانه، كل هذه العوامل تمنحها إحساساً بأنها عربية الروح والإحساس، وبأنها تنتمي إلى الرمال وروح الصحراء، وتدرك أهمية المنطقة العربية وما قدمته للتاريخ من مساهمات حضارية وديانات غيرت وجه العالم ومعالمه. مضيفة «عندما يمتلك الفنان مشاعر الصدق والأصالة حيال فنه وموضوعه، يصبح للفن بعد آخر والجمال أكثر عمقاً».
|
في المعرض الذي افتتحه وزير خارجية البوسنة والهرسك، سفين المكالاي، ويستمر حتى الخميس المقبل؛ تنقلت الفنانة البوسنية بين بلدان عربية مختلفة، لتأتي لوحاتها الـ،25 بمثابة بانوراما ذات خصوصية للعديد من الدول وصحاريها، كان للإمارات النصيب الأكبر منها فقدمت لوحات عدة تعبر عن أبوظبي والمناطق المحيطة بها، خصوصاً العين التي استخدمت رمالها في لوحة «حلم زايد» التي يبدو فيها وجه المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، متطلعاً لخريطة الإمارات تحيطها شمس تشرق من خلف الجبال. وكذلك لوحة «الشاهد» التي تتجسد فيها قلعة الجاهلي وكأنها شاهدة على التاريخ وأحداثه.
ومن رمال العراق نفذت سينيتا لوحة «حضارة تحت الصحراء» التي تبدو فيها الصحراء مترامية خالية تقريباً، في اشارة إلى ما يختزنه العراق من تاريخ عريق وحضارات كانت هي رائدة التاريخ، ربما قد تبدو واضحة في الصورة حاليا نتيجة لظروف وأحداث طارئة، ولكنها تظل مختزنة في موطنها تمنحه القوة للصمود حتى التغلب على ما يمر به الآن والعودة من جديد إلى واجهة المشهد الحضاري. أما اللوحات التي استلهمتها الفنانة من صحراء المملكة العربية السعودية فقد غلبت عليها الصبغة الروحانية والدينية التي تميز بها المكان عبر التاريخ، من بينها لوحة «بينة من الله» التي احتوت على آية قرآنية من سورة البينة، وكذلك لوحة «اقرأ» التي صنعتها الفنانة من رمال مكة المكرمة في إشارة إلى هبوط الوحي. اليمن أيضا كان حاضراً في لوحات سينتيا مثل لوحة «عبق التاريخ»، و«مدينة الأسرار»، وكذلك الأردن وليبيا والبحرين، وغزة التي عبرت عما تشهده من أحداث وأوضاع مؤلمة في لوحة بعنوان «الصراع»، أما إفريقيا فقد جسدتها بلوحة تلونت رمالها بألوان زاهية تتناسب مع روح القارة السمراء وطبيعتها وأجوائها الحارة، كالأحمر والأخضر والبرتقالي برمال جلبتها الفنانة من المغرب.