مـأزق درامــي
يبدو أن «لعنة» الثورات العربية تواصل مطاردتها للدراما هذا العام، فبعد التراجع الكبير في أرباح شباك التذاكر الذي سببته الثورات لمعظم الأفلام التي عرضت في الفترة الماضية، خصوصاً فيلم «الفيل للمنديل» الذي يقوم ببطولته الفنان طلعت زكريا، الذي شهد مقاطعة واسعة من الجمهور المصري رداً على تصريحات زكريا واتهاماته للثوار الذين وجدوا في ميدان التحرير بـ«العمالة وارتكاب أعمال منافية للآداب»، واصراره على تكرار هذه الاتهامات، ما دعا منتجي الفيلم إلى مطالبته بالاعتذار بما قد يساعد في إنقاذ الفيلم.
أما الدراما التلفزيونية فيبدو أن موقفها أكثر صعوبة، بعد جملة من المآزق، بدأت بتوقف تصوير أعمال وتأجيلها للموسم المقبل، بسبب صعوبات مادية أو عدم وضوح الرؤية وقلق المنتجين من الأوضاع الحالية، ثم فشل فرق الأعمال التي تم استئناف التصوير فيها في تصوير مشاهدها الخارجية، بسبب الاضطرابات في الشوارع وأماكن التصوير في مصر وسورية.
ولعل الفنان عادل إمام ومسلسله «فرقة ناجي عطا الله» كان الأكثر تعثراً بين الأعمال الرمضانية لهذا العام، بداية من وضع إمام على رأس «قوائم العار» لموقفه من ثورة 25 يناير، ثم سفره إلى سورية لتصوير بعض المشاهد هناك، ما تزامن مع خروج التظاهرات لتعم مختلف مناطق سورية، وبالتالي فشل فريق عمل المسلسل في تصوير المشاهد الخارجية، وعاد إلى مصر مرة أخرى لتصوير العمل هناك، ليضطر في النهاية للاعتذار من الجمهور عن عدم عرضه المسلسل هذا العام، وينسحب من السباق، تاركاً القنوات التي تعاقدت على عرض العمل في مأزق كبير، خصوصاً بعدما تعاقدت بالفعل مع معلنين.
كل ذلك دفع البعض للقول إن «لعنة» الثورات طالت «الزعيم»، عقاباً له على معارضته الثورة الشعبية في مصر، كما طالت غادة عبدالرازق اخيراً عندما احترقت ديكورات مسلسل «سمارة» الذي تشارك به في سباق رمضان الدرامي، لكن إذا كانت للثورة «لعنة» تطارد أعمال من عارضوها، فلماذا لم تصب مسلسل «مسألة كرامة»، الذي يجمع بين اثنين من فناني «القائمة السوداء» للثورة المصرية هما حسن يوسف وعفاف شعيب، حيث أعلن انه تم الانتهاء من تصوير معظم مشاهد العمل.
مأزق آخر يهدد الدراما المصرية التي تسعى للحاق بموسم رمضان وهو إصرار كثير من صناع هذه الأعمال على اقحام الثورة المصرية واحداثها في الأعمال التي يقدمونها، بصرف النطر عن كون السياق الدرامي يسمح بذلك أم لا، حتى يتحول الأمر إلى «موضة» أو ظاهرة درامية مثل الموجات التي شهدتها الدراما، مثل موجة المخدرات وموجة الجاسوسية وموجة «العشوائيات» وغيرها. والاعتراض هنا ليس على تجسيد الثورة في اعمال درامية، فهو واجب وضرورة، لكن الخلاف حول مستوى هذه الأعمال التي سيتم إنجازها في فترة قصيرة جداً لتلحق بشهر رمضان، وهو وقت لا يسمح بتجسيد روح الثورة وعظمتها.
مأزق من نوع آخر قد يواجه الدراما السورية التي عادت خلال الأيام الأخيرة لاستئناف تصوير الأعمال التي ستعرض في رمضان المقبل، وهو كيفية تعامل هذه الأعمال مع أحداث الثورة التي تشهدها سورية، خصوصاً ان عدداً لا بأس به من هذه الأعمال يحمل الطابع الاجتماعي ويتناول المشكلات والأوضاع التي يعاني منها المواطن السوري في حياته اليومية، وفي مقدمتها الجزء الجديد من حلقات «مرايا» للفنان ياسر العظمة الذي يعود بعد انقطاع خمس سنوات، ليجوب في عدد من المناطق الريفية والحضرية، بحسب تصريحات القائمين على العمل، لعرض مشاهد ووقائع الحياة اليومية للمواطن السوري، لنظل جميعاً في انتظار إجابة للسؤال: أي واقع ستنقله الدراما السورية هذا العام، وكيف ستتعامل معه؟