أكد أن السينما السورية تجاهلت حياة «القاع» الحقيقية

نبيل المالح: الأنظمة القمـعية لا تحتمل حرية طائر

يستعد المخرج السوري نبيل المالح لتصوير فيلم روائي جديد بعنوان «البيانو»، ولديه مشروع فيلم آخر بعنوان «فيديو كليب»، قال عنه إنه «مكتوب بسردية جديدة في سياق السينما العالمية». أما آخر مشروعاته في السينما التسجيلية فيحمل عنوان «الكريستال المقدّس»، ولديه مشروعات تسجيلية أخرى عن جرائم الشرف، وحقوق المرأة، وتاريخ دمشق، اعتبرها المالح «استراحة محارب».

وبعدما حاز المالح عشرات الجوائز في مشوار سينمائي مثقل بالأحلام والمشروعات والخيبات والترحال والتميز والاختلاف، وانتظار لحظة تضيئها عدسة الكاميرا، أكد أن «الحياة الحقيقية التي تجاهلتها السينما السورية تكمن في القاع».

لم يتخيل المخرج السبعيني صاحب فيلم «الفهد» أن يعيش اللحظة التي يرى فيها الشعب السوري يخرج منتفضاً في تظاهرات احتجاج واسعة النطاق، ويعبر عن رأيه أمام الملأ، طالباً الحرية.

وفي حوار لـ«الإمارات اليوم» قال المالح إن «الانظمة القمعية إذا شاهدت طائراً يحلق بحرية، فإنها تُستفز وتوجه نحوه مدفعاً وليس رصاصة». وأضاف أن «المؤسسة العامة للسينما في سورية تعمل وفق عقلية النظام نفسه، حيث مديرها مدعوم من ضباط النظام، ولا يقبل أي فكرة مختلفة مع توجهه». وقال «مؤسسة السينما لا ترحب إلا بمن يقدم فيلماً يتغنى أو يحابي أو يسكت عن النظام، بينما من يقدم فيلماً مغايراً، فمصيره التهميش على الاقل».

فن تنفيسي وآخر تعبوي

في «بقايا صور»، اقتبس المخرج نبيل المالح رواية حنا مينة في الفيلم الذي حاز جوائز عدة، وفي «كومبارس» ترك بصمته التي اعطت شكلاً اخر لأفلام السيرة الذاتية يحكي فيه عن عاشقين خائفين في عالم أمني خانق وضيّق، يضغط على الأرواح في الغرف المغلقة.

وحول الدراما السورية التي وصفت بالجريئة بطرحها ونقدها للفساد، قال المالح مخرج فيلم «رجال تحت الشمس» المأخوذ من رواية الروائي الشهيد غسان كنفاني «كل الذي قدمته الدراما السورية من مسلسلات في السنوات الست الماضية يندرج تحت مسمى الفن التنفيسي»، مضيفاً أن «هذا التنفيس ليس مقتصراً على الدراما بل موجود تاريخياً في مسرحيات». أما بالنسبة للفن التعبوي، فهو حسب المالح الذي كرمه مهرجان دبي السينمائي «ما يدخل عقل المتلقي قبل قلبه، ويثير لديه اسئلة حول الحرية والحياة»

حرية

ذاق المالح طعم السجن، فقد اقتيد اأكثر من مرة إليه كونه معارضاً، اثناء الوحدة مع مصر وبعد الانفصال، وقصد اوروبا التي عاش فيها سنوات، الى أن عمل في منظمة الـ«يونسكو»، حيث تذوق معنى حقوق الانسان وحرية التعبير والوقوف الى جانب الضعفاء من بطش الظالمين.

وقال انه لم يكن ينوي الرجوع الى سورية حتى أواخر الثمانينات، «عندما تأسست المؤسسة العامة للسينما، كان القائمون عليها يبحثون عن مخرجين متمرسين، لأكتشف بعد تجربة انهم يريدوننا أدوات وأبواقاً للحفاظ على صورة النظام». وبعد هذه الجملة صمت المالح، كأن السنين تعود به الى الوراء، والذكريات تمر امامه مثل شريط سينمائي. وقال «قبل أن تتصعد المطالب الشعبية في سورية الى اسقاط النظام، كان مطلب المتظاهرين مؤثراً جداً، ويتمثل في الشعار (حرية وكرامة وبس)، لكن هذا المطلب لم يفهمه من تعود على سلب حرية وكرامة المواطن السوري».

دور الفنان

فيلم «الفهد» الذي يعتبر اول فيلم روائي طويل للمالح، وهو للروائي حيدر حيدر، «تعرض لايقاف تصويره بقرار من وزارة الداخلية السورية، بذريعة أنه يشجع على التمرد الفردي»، كما أكد المخرج الذي اضاف «مع انه تمت إعادة إنتاج الفيلم مرة اخرى في اوائل السبعينات، إلا أن الرقابة حذفت كثيراً من مشاهده».

وعن دور الفنان في الحراك السياسي والمجتمعي، خصوصاً بعدما أشيع عن اعتقال المالح، على الرغم من وجوده في دبي ما يقارب الشهر، قال المخرج «من المتوقع ان يخرج مثل هذا الخبر، لانني لو كنت في دمشق لكنت في الصفوف الاولى التي تتقدم المتظاهرين». وأضاف «عندما يكون موقف المرء ثابتاً وواضحاً، تكون الاخبار من حوله تشبه مواقفه، باستثناء ما نشرته جريدة (السفير) أخيراً حول مشاركتي في مؤتمر الحوار الوطني، مع أنني مقاطع لهذا المؤتمر».

وأوضح مخرج فيلم «بقايا صور» ان فنانين تعرضوا لمضايقات نتيجة لموقفهم ضد النظام، «تعرض فنانون سوريون الى الغاء عقودهم، بسبب تعبيرهم عن آرائهم، وتم تخوينهم ايضاً، ما جعل بعضهم يأخذ موقفا محايدا، في وقت ظهرت فيه بعض الابواق للدفاع عن النظام».

وأكد كاتب سيناريو مسلسل «اسمهان» ان «الفنان الذي يتحمل ان يعتقل ويضرب ويقتاد الى المعتقل، يكون عالماً بأن النتيجة ستكون حرية فقط». ووصف بعض مديري شركات الانتاج في سورية بأنهم «تجار، يقررون مصلحتهم حسب مقتضيات المرحلة، فمن الممكن ان يغيروا مواقفهم بين ليلة وضحاها».

حراك الماضي

حول الحراك السياسي في السنوات الماضية، قال المالح «في عام 2000 قبل وفاة الرئيس السوري السابق حافظ الأسد، تشكلت في بيتي لجان احياء مجتمعية تضم نخبة من اهم الوجوه السياسية في سورية، وشكلنا لجنة تأسيسية بدأت حراكها من خلال مؤسسات المجتمع المدني».

وحول مصير اللجنة التأسيسية، قال صاحب فيلم «الكومبارس» «لاحقنا عبدالحليم خدام الذي يطرح نفسه حالياً معارضاً. وخلال خمس سنوات، تولى فيها الرئيس الحالي بشار الأسد، قام خدام بقتل مشروعنا الحر من خلال سجن اعضاء وملاحقة آخرين ومنع البعض من السفر».

المالح الذي لايزال يحمل كاميرته، حتى لو اقفلت ابواب الانتاج امامه، اكد انه بصدد إخراج فيلمين «مناسبين جداً للمرحلة». وقال إن بداية تمرده كانت منذ الصغر، حين تلقى صفعة على وجهه من ضابط شرطة اثناء وجوده في متنزه «هذه الصفعة علمتني أن اكره البزة الأمنية إلى الأبد».

وأثناء الحوار تلقى المخرج مكالمات عدة للاطمئنان عليه، بعدما تناقلت وسائل إعلام شائعة اعتقاله في سورية، مع أنه كان في دبي، قال «تعرضت لكثير من تلك النوعية من الاخبار التي تحاك حسب توقعاتهم من ردود فعلي التي باتت واضحة».

تويتر