المهنة مازالت صامدة في المدن العتيقة والقرى

المسحّراتي.. فلكلور رمضاني في خطر

على الرغم من المتغيرات الكثيرة يحافظ العديد من الدول الإسلامية علـــــــــــــــــــــــــــــــــى طقس المسحراتي. أب

أثّرت وسائل الإعلام الحديثة، والسهرات التلفزيونية التي تمتد طوال الليل، وحتى وقت السحور، اثرت سلباً في مهنة المسحراتي في مدن عدة، إذ باتت المهنة التراثية الجميلة التي تعد من أبرز ملامح الشهر الفضيل، في خطر، وعلى وشك الانقراض، إلا أن المسحراتي مازال صامدا في كثير من المدن العتيقة والقرى والأرياف، يجوب الشوارع والطرقات، مرددا أعذب الدعوات والابتهالات خلال شهر رمضان، داعياً النائمين إلى اقتناص بركة السحور.

ودخل المسحراتي في منافسة غير متكافئة مع أجهزة الإعلام التي كادت تلغي دوره تماما، لكنه تحايل عليها، وانتقل بصوته الى الإذاعة والتلفزيون، لتستمر هذه المهنة الرمضانية وإن اختلف شكلها.

ويردد المسحراتي على مدار الشهر المبارك نداءات مختلفة، ففي أول 10 أيام من رمضان ينادي: «جئت يا شهر الصيام بالخير والبركات»، وفي الأيام العشرة الثانية ينشد: «يا نصف رمضان يا غفران الذنوب»، أما في العشر الأواخر فيقول: «وداعاً يا رمضان يا شهر الكرم والإحسان». أما في آخر أيام الشهر الفضيل، فيقول المسحراتي: «يا وحشة لك يا شهر الصيام».

بركة

في مصر التي مازالت الى اللحظة تعتبر المسحراتي جزءاً من يومياتها الرمضانية، كان أول من قام بمهمة إيقاظ الناس للسحور هو الوالي عنتبة بن اسحق سنة 832هـ، وكان يسير على قدميه من مدينة العسكر في فسطاط مصر القديمة، وحتى مسجد عمرو بن العاص تطوعاً وهو ينادي «عباد الله تسحروا» فإن في السحور بركة. ورغم اقتصار مهنة المسحراتي على الرجال فقط منذ أن بدأ ظهورها، إلا أننا في القرن الـ21 نجد الآن المرأة تنافس الرجل على هذه المهنة، ففي تركيا قامت إحدى البلديات بتدريب فتيات على عمل المسحراتي، لكي يقمن بالتجول في الشوارع في ليالي رمضان لتنبيه الصائمين للسحور، والهدف من ذلك إثبات أن المرأة قادرة على منافسة الرجل في كل مجالات العمل، إضافة إلى مساعدة الفتيات على التغلب على الخوف من السير في الشوارع ليلاً.

بلال

ارتبطت مهنة المسحراتي بشهر رمضان الكريم منذ عهد النبي محمد صلى الله عليه وسلم، إذ كان بلال بن رباح - رضي الله عنه ــ أول مسحراتي في تاريخ الإسلام، يجوب الطرقات لإيقاظ الناس للسحور بصوته الذي وصف بالجميل والعذب طوال الليل، وكان المصطفى صلى الله عليه وسلم يقول: «إن بلالاً ينادي بليل، فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم، وكان ابن أم مكتوم هو الذي يتولى أذان الفجر».

ومنذ ذلك التاريخ أصبح المسحراتي مهنة رمضانية، ومن أشهر المسحراتية في عهد الإسلام الزمزني في مكة، الذي كان يصعد إلى المئذنة معلناً من فوقها بدء السحور، وفي كل مرة يكرر فيها النداء، كان يدلي بقنديلين كبيرين معلقين في طرفي حبل يمسكه في يده حتى يشاهدهما من لا يسمع النداء.

إيقاع

في العصر العباسي كان المسحراتي ينشد شعرا شعبيا يسمى «القوما» طوال ليالي رمضان، وربما كان ذلك عائدا الى ازدهار فن الشعر في هذا العصر. أما بداية ظهور الإيقاع أو الطبلة في يد المسحراتي فكانت في مصر، إذ كان المسحراتي يجوب شوارع القاهرة وأزقتها وهو يحمل طبلة صغيرة، ويدق عليها بقطعة من الجلد أو الخشب، وغالباً ما كان يصاحبه طفل صغير أو طفلة ممسكة بمصباح لتضيء له الطريق، وهو يردد نداءاته المميزة «اصحى يا نايم أوحد الدايم»، أو ينطق بالشهادتين بصوت أقرب الى التنغيم منه الى الحديث ثم يقول: «أسعد الله لياليك يا فلان، ويذكر اسم صاحب المنزل الذي يقف أمامه، وغالبا ما كان يعرف أسماء جميع الموجودين في المنزل من الرجال، ويردد الدعاء لهم واحدا واحدا، ولم يكن يذكر اسم النساء إلا إذا كان بالمنزل فتاة صغيرة لم تتزوج، فيقول: «أسعد الله لياليك يا ست العرايس».

وكان من عادة النسوة في ذلك الوقت أن يضعن قطعة معدنية منأالنقود ملفوفة داخل ورقة، ثم يشعلن أحد أطرافها، ويلقين بها الى المسحراتي الذي يستدل على مكان وجودها، ثم يرتفع صوته بالدعاء لأهل المنزل جميعاً، ثم يقرأ الفاتحة.أ

مسحراتية

شاركت النساء في عملية التسحير، في العصر الطولوني بمصر، وكان يشترط ان تكون من صاحبة الأصوات الجميلة، ومعروفة لدى سكان الحي.

أما في الريف والقرى فكان العمدة (المختار) هو الذي يتولى بنفسه مهمة إيقاظ أهل القرية للسحور، أو يتولى تقسيم شوارع القرية على عدد من المسحراتية، ويبدأ كل منهم العمل ابتداءً من ليلة رؤية الهلال.

وتختلف عادات وطريقة التسحير من بلد إلى آخر، وقد أورد ابن الحاج، في كتابه «المدخل» أن أهل اليمن كانوا يتسحرون بدق الأبواب، بأيديهم والاكتفاء بالتنبيه على حلول موعد السحور، بينما يتسحر اهل الشام بالدق على الطبول، ويتشابهون في ذلك مع اهل المغرب.

لكن مع دخول الكهرباء تقلص دور المسحراتي، حيث ليالي السهر كانت تمتد الى موعد السحور امام الراديو والتلفزيون من بعده، فذهب المنتجون في البرامج في محاولة للحفاظ على مهنة المسحراتي من خلال جلب الاصوات الغنائية الشهيرة والشعراء، أمثال بيرم التونسي وفؤاد حداد والفنان الراحل سيد مكاوي الذين نجحوا بالفعل في أن ينقلوا المسحراتي من الشارع الى شاشة التلفزيون وميكروفون الإذاعة، ليستخدموا أحدث تقنيات الاتصال في تسحير الناس، لكن مهنة المسحراتي نفسها أصبحت أشبه بالتراث أو الفلكلور الشعبي، وإن كانت هناك بعضأالأصوات المسحراتية مازالت تجوب شوارع الريف والأحياء الشعبية.

تويتر