« المولوية » رحلة روحية بين الأرض والسماء
رحلة روحية بين الأرض والسماء، تسمو فيها النفس لترتقي إلى درجة الصفاء. هي باختصار تعريف للطريقة «المولوية» التي اشتهرت بما يعرف بالرقص الدائري، الذي ظهر منذ ما يزيد على ثمانية قرون من الزمان في تركيا، لينتقل بعضها إلى دول عربية مجاورة، ويدرج ضمن فلكلورها الديني الذي مازالت تمارس طقوسه حتى اليوم، وتحديداً في المناسبات الدينية، مرافقةً حلقات الذكر فيها.
تقوم هذه الطريقة الفلكلورية، التي أرسى دعائمها الشيخ جلال الدين الرومي في تركيا، على حقائق دينية وعلمية مدروسة ولها دلالاتها التي تتجسد في أداء «المولويين»، وما يعرف بـ«الدراويش»، والمتمثلة في حركات اليد، ودوران الجسم الذي يميزه، وذلك عن طريق ارتداء ثوب أبيض طويل حتى القدمين، وقبعة مرتفعة تسمى «الكلاه».
إيمان
فرقة الأندلس. أرشيفية يؤمن «المولويون» بالتسامح الغير المحدود، وبتقبل الآخرين، والتفسير، والتعقل الإيجابي، والخير، والإحسان والإدراك بواسطة المحبة. يسمى «المولوي» بالـ«درويش» والتي تعني الفقير أو الشخص الممتن بأقل الحاجات المعيشية، الامر الذي يؤكد الزهد الذي يتميز به الصوفيون الذين تنسب لهم الرقصة، إذ يعرفون بأنهم زاهدون مبتعدون عن الدنيا وشهواتها، مفرغون قلوبهم لمحبة الله ومعرفته. |
حقائق
يقول المولوي حامد محمد حداد لـ«الإمارات اليوم»، «تعد (المولوية) طريقة صوفية أسسها الشيخ جلال الدين الرومي في تركيا منذ ما يزيد على 800 عام، ومنها انتشرت إلى دول عربية مجاورة، كمصر وسورية وتحديداً حلب، و أضحت جزءاً من فلكلورها الديني الذي تمارس طقوسه حتى اليوم، وتحديداً في المناسبات الدينية، مثل الإسراء والمعراج، والمولد النبوي الشريف، وشهر رمضان الكريم»، وهذا لا يعني أنها عبادة كما يظنها البعض، فهي رقصة صوفية ارتبطت بالجلسات الدينية التي تتمحور حول الذكر، وذلك عن طريق تأدية الموشحات والابتهالات والقدود الحلبية، نسبة لحداد.
وذكر الحداد الذي يمارس «المولوية» منذ 15 عاماً، في فرقة الأندلس السورية، للموشحات والابتهالات الدينية الأندلس السورية «تقوم (المولوية) على حقائق دينية وعلمية مدروسة، إذ تبدأ بدوران (المولوي) من اليمين إلى الشمال، بعد أن يثبت قدمه اليسرى على الأرض ويحرك اليمنى، وذلك عكس قارب الساعة، ومع حركة الطواف حول الكعبة»، وأكمل «يبلغ إجمالي عدد الدورات التي يقوم بها (المولوي) 365 دورة، في مدة قد تزيد على 15 دقيقة دون توقف، نسبة لعدد أيام السنة، الأمر الذي يؤكد أن هذه الرقصة الصوفية، مأخوذة من حالة علمية مدروسة قام بها مؤسسها الرومي»، وقد يزيد عدد الدورات في حال زادت المدة المحددة «للوصلة المولوية»، نسبة للحداد.
انسجام روحي
أكد الحداد أن «الموسيقى المرافقة لأداء (المولوي) كعزف الناي، تخلق حالة من الانسجام الروحي، تسمو فيها النفس لترتقي إلى درجة الصفاء، الأمر الذي يبرر انعدم الإحساس بالوزن أو الثقل على خشبة المسرح أثناء تأدية الرقصة». وأضاف «رغم الجهد البدني الذي يبذله (المولوي)، إلا أن حالة الانسجام تنسيه آثارها، التي لا يشعر فيها بالدوخة التي قد تلحق بأشخاص في حال قيامهم بالدوران بشكل متواصل ودون توقف، يبسط (المولوي) كف اليد اليمنى إلى السماء، وتعني (سبحان من رفع السماء بلا عمد)، واليسرى للأرض، وتعني (سبحان من بسط الأراضي على ماءٍ جمد)».
وأردف «يرتدي (المولوي) ثوبا أبيض طويلا حتى القدمين، يرمز إلى الصفاء الروحي، والزهد والبعد عن الدنيا، لاسيما أن المتصوف يوصف بالزاهد الذي لا يعني بحب الدنيا وشهواتها، إذ يفرغ قلبه من ذلك، ويملئه بحب الله ومعرفته، وعلى قدر تخلص القلب من تعلقه بزخارف الدنيا ومشاغلها، يزداد لله حباً، إذ يعرف أن الزهد هو الطريق للوصول إلى الله، ونيل حبه ورضاه».
واستطرد الحداد أن «المولوي» ويرتدي قبعة مرتفعة تشبه إلى حدٍ ما «الطربوش»، وتسمى «الكلاه»، التي يرمز أول أحرفها إلى اسم «الله»، وكذلك تعني شاهد القبر، الأمر الذي يؤكد الزهد الذي يعرف به المتصوفون ويتميزون به.
انتشار
قالت مسؤولة الشؤون الإدارية لفرقة الأندلس السورية رجاء سليم، لـ«الإمارات اليوم»، «غالبًاً ما تختتم أمسيات الذكر التي تتوزع عادةً بين تقديم الابتهالات الدينية، والموشحات الأندلسية، والقدود الحلبية، بما يعرف بـ(الوصلة المولوية)، التي يقدم فيها (المولويون)، الذين يملكون مهارات خاصة، أداءً متناغماً يرافق ما يقدمه أعضاء الفرقة المتخصصة، إذ يعكسون انسجامهم الروحي على الجمهور، الذي يحرص على متابعة أدائهم بإعجابٍ وذهول، لقدرتهم الكبيرة على تقديم أدائهم بحركاته المختلفة في وقتٍ واحد، وكأنهم مبرمجون للبدء والانتهاء معاً، في توازن مذهل، جسده الدوران دون توقف لفترة طويلة».
وأضافت «يتوقف أداء (المولويين) الناجح على درجة الانسجام الروحي، الذي يسمو بأنفسهم التي تتجرد من كل ما هو مادي على الأرض، ويبقى ارتباطها بالله الذي تبحث عن رضاه، لتصل بذلك إلى الصفاء الروحي الذي يستشعره الجمهور المشاهد». وأشارت سليم إلى أن «الرقص الصوفي أخذ بالانتشار بشكلٍ كبير، إذ لم يقتصر على دول عربية بل تعداه إلى دول أجنبية، تحرص على تقديم هذه عروض (المولوية)، التي تقدمها فرق متخصصة، تقوم بدعوتها لإحياء مناسبات دينية».