مازالت تعتمد على النجومية الفردية وتتجاهل سخونة الشـــارع

دراما رمضان بحاجة إلى «ربيع عربي»

الدراما الرمضانية تجنبت «الربيع العربي» وفضلت معالجة قصص مكررة. من المصدر

مشاهد أحداث الربيع العربي أو حتى إرهاصات قيامها، والتطرق إلى واقع عاش تفاصيله المشاهد العربي، وغيرها من الأحداث التي سمت تفاصيلها بدماء تلونت بها شوارع عواصم، مثل القاهرة وتونس وطرابلس وصنعاء وغيرها من المدن، توقعها المشاهد وتجنبتها الأعمال الدرامية التي ظلت تراوح بين الكوميديا والفانتازيا وسير بعض الشخصيات مثل «الريان»، و«الشحرورة»، ومحمود درويش في مسلسل بعنوان «في حضرة الغياب» حظي بانتقاد كبير.

خفوت الدراما العربية الذي دفع المشاهد إلى إعراض غير مسبوق، واهتمام هو الأكثر زهداً على مدار عقود سيادتها خلال الشهر الفضيل، واكبته صورة باهتة لبرامج منوعة ظلت تراوح بين كاميرا خفية مشكوك في صدقيتها، واستضافات لوجوه ومشاهير عبر إعداد أسئلة من قبيل «ما يوم سعدك، وبرج نحسك»، عجل بنهاية موسم كان يعده المنتمون إلى الأوساط الدرامية ومحطات التلفزة، من المسلّمات، إذ لم يصبح شهر رمضان موسماً رائجاً للمسلسلات وبرامج المسابقات واستضافات الفنانين بقصد الاستحواذ على وقت الجمهور، ومن ثم تمرير مكاسب إعلانية ضخمة، بل أصبح رمضان هذا العام، حسب رأي فنانين نقاد ومتخصصين التقتهم «الإمارات اليوم»، موسماً لإسقاط الدراما العربية وبرامج المسابقات بقرار جماهيري.

حذر فني

برّر عدد من الكتاب والمخرجين خلو الأعمال الدرامية المعروضة حالياً على شاشات التلفزة العربية، من التطرق بشكل ما إلى ما يجري في الشارع العربي، على الرغم من أن بعضها يعالج مساحات زمنية معاصرة، إلى الحاجة لمزيد من الوقت لقراءة الواقع واستيعاب الأحداث، وعدم وجود «صورة مكتملة لواقع مازال يتشكل» على حد تعبير المخرج المصري أحمد صقر، الذي أضاف «هناك خطورة بالغة في التعجل لتناول الأحداث السياسية التي مرت بالمنطقة في الأعمال الدرامية، فالصورة المصرية التي انطلقت في 25 يناير، على سبيل المثال، لم يتكشف كامل خيوطها، بل إن توابعها وأحداثها لا تزال تُنسج، وأي محاولة لاستيعابها أو الاقتراب منها في عمل فني، ستكون مغامرة بالغة الخطورة».

في المقابل شكل غياب ثورات الربيع العربي، التي خفضت أسعار مسلسلات إلى النصف، وألغت تعاقدات بعضها، ومن ثم شكلت ضربة للمنتمين إلى صناعة الدراما بمن فيهم الممثلون، علامة استفهام غير مقبولة، لدى مشاهدين استطلعت «الإمارات اليوم» آراءهم، فيما توقع نقاد أن يفاقم هذا الغياب من مساحة الهوة التي باتت تفصل بين المشاهد العربي والأعمال الدرامية التي يشاهدها على بعض محطات التلفزة العربية، من دون ان يرقب فيها واقعه.

الموسم الأضعف

الفنان والمنتج الإماراتي سعيد سالم أكد أن «الموسم الدرامي الرمضاني الحالي هو الأضعف على مستوى الدراما العربية في الحقبة الأخيرة»، مشيراً إلى أن «إيقاع أحداث الشارع كانت بالفعل أسرع من إيقاع كتاب الدراما، ما عمّق من مساحة الهوة الفاصلة بين المشاهد والأعمال الدرامية، وهي كانت موجودة بالأساس لكن لم تكن هناك مثيرات تنبيه كافية للحيلولة دون تعاطيه مع مسكنات درامية مكررة سنوياً».

الفنان السعودي عبدالمحسن النمر أكد أن «الدراما العربية هي الأخرى أضحت بحاجة إلى ثورة موازية لثورات الربيع العربي، سواء في ما يتعلق بالمحتوى الذي عليه أن يساير ما يتوقعه المشاهد، أو آلية تنفيذ هذا المحتوى بعيداً عن الشللية».

وفيما علل المخرج المصري أحمد صقر ومواطنه المخرج محمد النقلي، غياب التطرق إلى أحداث 25 يناير في الأعمال المصرية، بحاجة الكاتب والمخرج إلى «مساحة زمنية كافية لاستقراء أحداث لم تستقر بعد»، فإن غياب مشاهد ثورات عاشها المشاهد سواء على ارض الواقع بالنسبة للمشاهدين في تونس ومصر وسورية وليبيا واليمن، أو راقب أحداثها بشغف بالغ بالنسبة للمشاهدين في سائر البلدان العربية، عجل بالنسبة لنقاد بـ«سقوط الدراما العربية في شهر ازدهارها بآلية مشابهة للسقوط السياسي، في ما يتعلق بعنصري السرعة والدراماتيكية» على حد تعبير الناقد المصري طارق الشناوي .

ولم يخف عدد من أبرز القائمين على صناعتي الدراما والتلفزة العربيتين تقلص أرباحهم، واختلال استراتيجياتهم، بسبب تغير أولويات المشاهد في المقام الأول، في حين رصد مراقبون أن الدراما العربية لم تفلح في التعبير عن سخونة الشارع، وتعكس حقيقة ثورات الربيع العربي، التي تسير بإيقاع سريع فشل في مسايرته كتاب دراما مالت في معظمها إلى الكوميديا والفانتازيا، فلم تستطع أن تصل إلى جمهور كان من الممكن أن ينجذب إليها، في حال عدم تجاهلها للواقع الجديد.

مواقف سياسية

الواقع الجديد منح مزيداً من الفعالية للجمهور في ثنائية المشاهد وصاحب المحتوى الإعلامي، خصوصاً الفضائيات، وباتت الأخيرة مرغمة على استبعاد أسماء يلفظها الطرف الأول بسبب مواقفه السياسية، فباتت مسلسلات لنجوم عُرفت بمواقفها المتخاذلة تجاه الثورات العربية بمثابة قنابل موقوتة للمحطات، سعى بعضها لتجنب عرضها، فيما اضطر بعضهم ممن تورط مسبقاً في التعاقد على شرائها إلى مساومة جهات الإنتاج من أجل تخفيض أسعارها، في حين شكل إيقاف مجموعة «إم بي سي» الإعلامية عرض برنامج للمذيع جورج قرداحي بسبب تصريحات له رآها جمهور مناوئة لثورة الشعب السوري، تأكيداً على تبدل العلاقة بين المشاهد ومحطات التلفزة.

وقال المنتج الفني لعدد من أشهر المسلسلات المصرية الأخيرة مثل «زهرة وأزواجها الخمسة»، و«كيد النسا» و«آدم»، محمود شميس، إن «خسائر الدراما المصرية وما أصابها من خلل، مرشحة إلى أن تمتد آثارها لأعوام مقبلة». فيما توقع مدير الإنتاج الدرامي في مؤسسة دبي للإعلام عبدالله العجلة أن يدفع «الواقع الجديد اهتمام معظم الفضائيات بالبرامج الحوارية وإيلاء مزيد من الاهتمام لقطاعات الأخبار».

وأضاف العجلة لـ«الإمارت اليوم» «فشل الكثير من الفضائيات في التعامل مع معطيات العام الجاري، بسبب إلغاء أعمال تم التعاقد عليها مسبقاً، وتغير أسعار بعض منها استجابة لحقيقة تقلص الرعاة والمخصصات المالية الضخمة التي كانت تخصص للإعلانات خلال هذا الشهر، وتنعش ميزانيات القنوات على مدار العام، فضلاً عن تغير شروط المشاهد في ما يشاهده من أعمال، سواء على مستوى الشكل أو المضمون، ووفقاً أيضاً للمعطيات الجديدة التي أفرزها الربيع العربي».

تويتر