الفضائيات العربية تستعد على مـــــــــــــــــــــــــــــــــــدار 11 شهراً من أجل شهر واحد. من المصدر

الدرامــا العـربـية.. صـناعـة المـوسـم الـواحـد

من يدفع أكثر يحظى بفرصة العرض الرمضاني الأول، ويبقى خيار المفاضلة بين أعمال ونجوم معيار الحسم في قسمة الدراما الرمضانية، التي تحيل بتكدسها في موسم وحيد سائر شهور العام، إلى مساحة زمنية لإعادة بث الدراما العربية التي أصبحت بالفعل «دراما الموسم الواحد».

وبمجرد أن يتنقل المشاهد العربي عبر أداة «الريموت كونترول» بين شاشات القنوات العربية المختلفة، فسوف يستمع لرجع أغنية مقدمة مسلسل سبق أن استمع إليها خلال رمضان الماضي، أو محتوى درامي لمسلسل قام بقراءة تحليل عنه. وفي كثير من الأحيان تفقد مسلسلات عنصر المفاجأة، لأن المشاهدين شاهدوا بالصدفة جانباً من الحلقات المتأخرة، لمسلسل تبدأ قناة ما ببث أولى حلقاته.

كرة متداولة

تهمة واحدة أضحت بمثابة «كرة» تتداولها أطراف عدة، دون أن تستقر في اتجاه واحد، هي تقلص المساحة الزمنية لصناعة الدراما التلفزيونية العربية في أشهر معدودة تستبق الشهر الفضيل، الذي يختزلها جميعا شهر وحيد. وبعدما كانت الأصوات تتعالى لمحاولة تصويب معادلة الإنتاج الدرامي وتوزيع نتاجها على مدار العام، بات المنتجون والممثلون والقنوات الفضائية مقتنعين بفوائد إعادة بث ما تكدس من مسلسلات رمضان على مدار العام.

وفي الوقت الذي يؤشر فيه قائمون على قطاعات الدراما في قنوات تلفزيونية عربية إلى رغبة المعلن، باعتبارها الموجهة لدفة الإنتاج، فإن شركات الإعلانات نفسها ترى ان نسبة المشاهدة هي ما يدفعها للاهتمام بالموسم الرمضاني، فيما يعتبر معظم الممثلين والمخرجين عملياً رمضان موسماً لتحقيق مكاسب مهنية متعاظمة.

وفي الوقت الذي لا يكف العاملون في مجال الدراما العربية عن الشكوى من محدودية الموسم الدرامي، واقتصاره على الشهر الفضيل، وطرح تساؤلات دون تحديد الجهة المسؤولة عن إطلاق إجابات عنها، معظمها يدور حول «لماذا يختزل معظم الإنتاج الدرامي العربي في رمضان، دون أن تتحول عجلة الإنتاج من الموسمية إلى ديمومية نشطة على مدار العام».

بمجرد انتهاء الشهر الفضيل بدأ عدد من القنوات الفضائية عرض بعض الأعمال التي استحوذت على حقوق عرضها الأول قنوات منافسة، بل إن أحد أكبر المجموعات الإعلامية العربية، وهي مجموعة «إم بي سي» اشترت حق عرض مسلسلين انفردت بعرضهما «دبي الفضائية»، فضلاً عن عدد آخر من المسلسلات المكرورة، والأمر نفسه سلكته مختلف القنوات الفضائية، سواء كانت خليجية أو مصرية أو سورية.

في الوقت الذي يرى فيه القائمون على انتخاب المواد الدرامية لمختلف الدورات البرامجية في قنوات التلفزيون العربية، أن تخمة دراما رمضان تسمح دائماً لكثير من المسلسلات بالاحتفاظ بجدتها بعد الموسم الرمضاني، رغم أسبقية قنوات أخرى في عرضها، فإن المنطق نفسه يجافي سعي ذات الجهات لاستقطاب مسلسلات تفوق في مجموع ساعاتها نسب توقع قدرة المشاهد على المتابعة، ليس في ما يتعلق بمجموع الساعات الدرامية للقنوات العربية، الذي سبق رصده في أكثر من إحصاء لـ«الإمارات اليوم» بما يتعدى 100 ساعة في اليوم. بل حتى لطاقات المجموعة الإعلامية الواحدة، التي تندرج في المؤسسة ذاتها، مثل قناتي دبي وسما دبي، أو قنوات التلفزيون المصري، وأيضاً مجموعة «إم بي سي» الإعلامية.

الفضائيات وشركات الإنتاج

فنياً، قال الناقد السينمائي طارق الشناوي إن «آلية تعامل الفضائيات العربية مع شركات الإنتاج قد افرزت صراعاً محموماً على تسويق الدراما للعرض في شهر رمضان بشكل أساسي، بحيث تنخفض الأسعار بشكل قياسي في حال عرضها بعيداً عن العرض الرمضاني الأول»، مضيفا انه مع وجود كم كبير من المسلسلات يتم الزج بها في شهر وحيد، لا تجد كثير من القنوات الفضائية الكبرى حرجاً في شراء مسلسلات تم عرضها في قنوات منافسة، والبدء في إعادة بثها بمجرد انتهاء إجازة عيد الفطر، أو في أوقات أخرى حسب الخريطة البرامجية لكل قناة.

المخرج المصري أحمد صقر الذي قام بإخراج أحد المسلسلات التي بدأت إعادة عرضها على شاشة «إم بي سي»، بعد أن عُرضت أول مرة على شاشة قناة دبي الفضائية، وهو مسلسل «كيد النسا» يرى من جانبه أن الظروف الاقتصادية السلبية التي تمر بها قطاعات الإنتاج المختلفة، جعلت من فكرة احتكار عرض عدد من المسلسلات بالنسبة لقناة فضائية ما، محفوفة بالكثير من المخاطر والمجازفات المادية، بسبب ارتفاع التكلفة الإنتاجية، ما يعني أن أسعار تسويق المسلسلات ستغدو أكثر مناسبة لمختلف الفضائيات في حال الوضع في الحسبان إعادة تسويقها بشكل فاعل بعد العرض الرمضاني.

قراءات متأنية

أبطال المسلسلات الرمضانية أنفسهم يرون في إعادة عرض المسلسلات في قنوات مختلفة فرصة لقراءات متأنية في العمل، بعيداً عن تكدس دراما رمضان، فضلاً عن أنه يوفر فرصة مضاعفة للمتابعة الجماهيرية، وهو ما عبر عنه بطل مسلسل «طماشة» الفنان جابر نغموش، مضيفاً «في كل مرة يعرض فيها العمل الدرامي يكتسب من دون شك جماهير جديدة، ومهما تم اختيار الوقت الأنسب لعرض أي مسلسل خلال الشهر الفضيل، فإن جانباً مهماً من الجمهورقطعاً قد لا يكون قد تمكن من متابعته، لذلك فإن إعادة عرض المسلسل تصب في مصلحة الفنان والجمهور معاً».

الفنان السوري تيم الحسن بطل مسلسل «عابد كرمان» الذي يعاد بثه ايضاً في عدد من الفضائيات، في المقابل، يرى أن «الأمر برمته شأن إنتاجي»، لكنه لا ينفي رغم ذلك رغبة الفنان في تحقيق أكبر مساحة ممكنة من الانتشار لمسلسله، مضيفاً أن «المعيار الحقيقي لجودة مسلسل ما هو نسبة المشاهدة، لذلك فإن هناك الكثير من الأعمال التي يتم عرضها خلال شهر رمضان في حال عدم محالفتها لتوقيت عرض جيد، وقناة مشاهدة جماهيرياً، فإنها قد تُظلم نقدياً، لذلك فإن إعادة العرض خلال فترة زمنية وجيزة يمثل احد الحلول المهمة للخروج من إشكالية تكدس الدراما العربية في شهر وحيد، هو شهر رمضان» .

جانب كبير من الجمهور أيضاً لا يجد غضاضة في متابعة «دراما رمضان» بعد انقضاء الشهر الفضيل، وهو ما عبرت عنه قطاعات واسعة من المستطلعة آراؤهم، معتبرين إعادة العرض إحدى مميزات تعدد القنوات الفضائية العربية، في حين أن البعض أشار إلى إشكاليات معرفة القصة الدرامية للمسلسل، فضلاً عن استفادة بعض المسلسلات أيضاً من الجدل النقدي والإعلامي الذي أثير حولها أثناء عرضها الأول.

الأكثر مشاركة