«حنين» أسعد عرابي.. لوحات تغنّي كلثوميات

كوكب الشرق أم كلثوم، ليست مجرد صوت عبقري، بل أيقونة جمال، تجتذب ريشة أي فنان، هكذا ترى لوحات الفنان والناقد السوري أسعد عرابي، في معرضه «حنين» الذي افتتح، أول من أمس، في غاليري أيام في مركز دبي المالي، ويستمر حتى الـ27 من الشهر المقبل، ويحتوي على 15 لوحة مختلفة الأحجام.

تحتفي أعمال عرابي في معرضه بالزمن الجميل، وأيام «الست» وحفلاتها التي كان ينتظرها الكثيرون. والزائر لـ«حنين» يستشعر روح أم كلثوم، وكل من شكل مناخها، خصوصاً الموسيقيين الذين صاحبوها وآلاتهم، محمد القصبجي، وعبده صالح، وسيد سالم، وأحمد الحفناوي، وأحمد عظمة، وإبراهيم عفيفي، وغيرهم من أفراد الفرقة الموسيقية، إذ حضر كل هؤلاء بجوار كوكب الشرق.

وجاءت فكرة المعرض إلى عرابي منذ سنتين وهو يستمع كعادته الى أم كلثوم على إحدى الفضائيات، بينما انتهى عرابي من آخر لوحاته بعد ثورة 25 يناير المصرية.

ألوان

لصوت أم كلثوم ومشهدها الخارجي هالة من الصعب اختصارها باللونين الأبيض والأسود التي اعتاد المتلقي ان يشاهدها فيه من خلال حفلاتها التي تبث على شاشات التلفزيون إذ لم يكن اللون قد دخل حتى في آخر أغانيها، فترى عرابي وقد استخدم الأخضر كثيرا لما فيه من قدسية مرتبطة بالصوفية التي يريد التركيز عليها، وضربات الأحمر الناري الذي يختلف وقعه من لوحة إلى أخرى، إذ تراه مكملا لحالة من التجلي تارة، وتراه هامدا في لوحة تريد للمتلقي أن يستمع لها أكثر،وهناك الأصفر والفضي والأسود أيضا، ألوان يلتحم من خلالها عرابي بحالة كلثومية خاصة.

لم يركز عرابي على وجه أم كلثوم تحديداً، مع أنها حاضرة في جميع اللوحات، إذ أراد أن يجعل المتلقي يعيش حفلات «ثومة» بطريقته الفنية، فهو يعطي عود القصبجي حقه، ويصور الموسيقار الراحل جالساً هائماً في عشقه المدفون تجاه المرأة التي تصدح بصوتها، يحضن عوده إذ لم يحضن غيره، يسرح أحياناً دون أن يخطئ بنغمة واحدة، هو القصبجي الذي ظل حاضرا في فرقة كوكب الشرق حتى بعد وفاته، وحاضرا في لوحات عرابي أيضاً، فكرسيه في الحالين موجود، وفي بعض الأحيان يده الخفية تضبط اللحن، هو الحضور القوي الذي لم تتخل أم كلثوم عنه طوال حياتها.

لم تغفل اللوحات عن منديل أم كلثوم، ولا عن حركة يدها، باختصار أنت أمام مساحة لونية تصدح بالموسيقى والغناء. يقول عرابي «أم كلثوم كائن قوي جدي له حضور من الصعب التغاضي عنه، وتشتد قوة تعبيرها في سلوك أنامل يدها اليسرى، ويختلج كامل جسدها، يتراجع ويتقدم في الفراغ بما يناسب رفيف الجملة الموسيقية، يملك وجهها طهرانية وطفولة وأنوثة طاغية، يقع تعبيره في الوقت نفسه بين تسامح الزهاد وتقطيبة الفراعنة». ويضيف «فم أم كلثوم مفتوح دائماً للغناء أو لإعطاء حركة من شفتيها للكورال لإعادة (الكوبليه)، أو مغلق قليلاً لأنها متجلية بسماع لحن من الصعب مقاومته، ومنديلها الحريري حاضر بقوة، جسدها ممشوق، وخصرها متمايل طرباً وانسجاماً، هي المحور الرئيس وتدور حولها كل العناصر المكملة لفرقتها لتتحد في شبه لحظة صوفية يتجلى فيها الجميع بلا استثناء (عازفون، جمهور، كواليس)».

تسعى أعمال عرابي الذي يعمل باحثاً في جامعة السوربون، قسم علم الجمال، في فرنسا، تسعى اللوحات إلى التعبير عن الحنين إلى ذلك الصوت، والتركيز على طقوس خاصة، حتى وإن ظهرت في فضاءات اللوحة كراسي مقلوبة، وعازفون مقلوبون، في نهج قريب من عبثية بيكاسو أحياناً.

يلتقط عرابي لحظة التجلي لأم كلثوم، فتراه يركز على شد عنقها للأعلى مع حركة منطقة الذقن واقفال جفونها، إذ تعبر هذه الحالة عن وصولها الى مرحلة عليا من الطرب والتجلي.

الأكثر مشاركة