رحيل «شيخ النحاتيـن العرب»
رحل النحات العراقي محمد غني حكمت، مساء أول من أمس، بمستشفى في العاصمة الأردنية عمان التي يقيم فيها، بعد احتلال العراق. وكانت مصادر صحافية ذكرت ان النحات الشهير البالغ من العمر 82 عاما، ويعد واحدا من أعلام الفن في الوطن العربي، توفي اثر إصابته بجلطة وعجز في وظائف الكليتين.
وأوضحت مصادر أن الفنان الذي يوصف بأنه «شيخ النحاتين العرب» تدهورت حالته الصحية بشكل سريع، وأغمي عليه، ولم تنفع العلاجات التي قدمها له الأطباء في تحسين حالته الصحية. وكان نقل إلى المستشفى في عمان بعد إصابته بجلطة، كما أشار اطباء إلى ضرورة غسيل كليتيه بسبب تدهور وضعه الصحي.
وقال مصدر مقرب من العائلة لوكالة «فرانس برس»، إن حكمت توفي بمستشفى الخالدي في عمان بعد 10 ايام من دخوله المستشفى بسبب معاناته من فشل كلوي، مشيرا أن «جثمانه سينقل الى بغداد، ليدفن في مقبرة الكرخ».
وقال حكمت في نوفمبر 2009 لوكالة «فرانس برس»، إنني «مازلت احلم بالعودة الى بغداد يوما لإنجاز ثلاثة اعمال برونزية: الاول تمثال للسندباد البحري عائماً وسط نهر دجلة، والثاني نافورة مصباح علاء الدين السحري في ساحة الخلاني (وسط بغداد)، والثالث لحرامي بغداد، تلك الشخصية التي اشتهرت في العصر العباسي، عندما كان يتلثم بالليل ليسرق اغنياء بغداد ويوزع بعد ذلك المال على الفقراء».
وكان حكمت زار بغداد العام الماضي إذ كلفته امانة العاصمة بإعداد اربعة نصب جديدة لبغداد وقد انتهى من انجازها، وهي «مصباح علاء الدين السحري»، الذي سيوضع في ساحة الفتح بالقرب من المسرح الوطني، وتمثال عن شموخ بغداد سيوضع في ساحة الاندلس، وتمثال عن إنقاذ مسلة التاريخ العراقي على شكل رجل يدفع بمسلة سيوضع في حدائق منطقة المنصور، وأخيرا نافورة تحوي شعرا لمصطفى جمال الدين، ستوضع في في منطقة الكاظمية.
وعانى الفنان المولود في العاصمة بغداد بمدينة الكاظمية عام ،1929 من فشل كلوي لمدة تزيد على العام، إذ بقي يعالج في عمان منذ استقراره منذ العام .2003
وكانت زوجته غاية الرحال قالت قبل ايام من رحيله «أنه على الرغم من مرض الفنان منذ عام، الا انه لم يتوقف عن عمله الإبداعي، ويصر على العطاء، إذ أنجز، أخيرا اربعة اعمال نحتية ستوضع في أماكن بارزة في بغداد بتكليف من امانة العاصمة».
وكان النحات حكمت حصل على دبلوم النحت من اكاديمية الفنون الجميلة في روما عام .1959 وله مجموعة من التماثيل والنصب والجداريات في ساحات مدينة بغداد، منها «شهرزاد وشهريار»، و«علي بابا والاربعين حرامي»، و«حمورابي»، وجدارية مدينة الطب وقوس النصر في ساحة الاحتفالات الذي يجسد انتصار العراق على ايران في الحرب.
وأنجز حكمت في ثمانينات القرن الماضي إحدى بوابات منظمة اليونيسيف في باريس وثلاث بوابات خشبية لكنيسة «تيستا دي ليبرا» في روما ليكون بذلك أول نحات عربي مسلم ينحت أبواب كنائس في العالم، فضلا عن إنجازه جدارية الثورة العربية الكبرى في عمان وأعمالا مختلفة في البحرين تتضمن خمسة أبواب لمسجد قديم وتماثيل كبيرة ونوافير.
وساعد حكمت في عمل نُصب الحرية الذي كان من تصميم أستاذه النحات العراقي المعروف جواد سليم الذي وافاه الأجل في سن الـ42 قبل اكتمال العمل الذي يرمز إلى مسيرة الشعب العراقي من زمن الاحتلال البريطاني إلى العهد الملكي ثم الجمهوري. وتم إنجاز نصب الحرية خلال عامين في فلورنسا بإيطاليا وهو بطول 50 مترا ويضم 25 شخصية، بالإضافة إلى الثور والحصان، ويعد أحد أكبر الأنصاب في العالم، ونُقل إلى بغداد عام 1961 في طائرة خاصة.
جسدت ابداعات محمد غني حكمت جوانب من تاريخ العراق وتأثّر بالفنّ السومري، وبالآثار البابلية، وبالتراث الآشوري، وبالحقبة العباسية. وتظهر في تجربة النحات محمد غني حكمت سمات أسلوبية ناتجة عن تأثره «بالنحت السومري والأختام الأسطوانية السومرية بما تتركه من تعاقب الأشكال المستطيلة المستدقة في الطين الذي تطبع فيه وهو أمر ظاهر في العديد من أشكاله».
ويستمدّ الفنان وحيه من روح الحضارة العراقية، وتُحاكي منحوتاته أشهر أساطير «ألف ليلة وليلة»، و«السندباد البحري»، و«كهرمانة»، و«شهرزاد»، و«شهريار»، و«بساط الريح».
وكان حكمت ذكر في مقدمة كتابه عام ،1994 «من المحتمل أن أكون نسخة أخرى لروح نحات سومري، أو بابلي، أو آشوري، أو عباسي، كان يحب بلده».
وكان الناقد الفني مازن عصفور قال عن اعماله الفنان حكمت الذي حصل على جائزة احسن نحات من مؤسسة كولبنكيان عام ،1964 ان «محمد غني من النحاتين العرب البارزين في الحركة الفنية التشكيلية منذ أواسط القرن الماضي، تتميز اعماله النحتية بصبغة اسطورية ممزوجة بالتراث العربي عموما والرافدي خصوصا».
وأضاف عصفور «من حيث التنفيذ التشكيلي، فإن الفنان حكمت يعشق جداريات النحت الغائر، التي يبرز فيها فضاءات نحتية مجسدة بطريقة دائبة الحركة، يروي فيها بصريا محطات مهمة في تراثنا، من ابرزها جداريته المتصلة بموضوع (درب الآلام)، وهو عنوان جداريته الشهيرة ببغداد».
وأشار الى ان تقنيات النحات حكمت ومهارته عالية الجودة والحضور الانساني يبدو ماثلا في جدارياته ومنحوتاته، فهو يعمل بدقة فائقة في الصنعة وتطويع المادة الخام.
وقال الفنان العراقي ابراهيم العبدلي «يعد الفنان محمد غني من رواد فن النحت العرب، وهو خريج المدرسة الايطالية في هذا الفن، وقد تميز بفنه لأنه دؤوب في العمل ومواظب عليه حتى بأحلك الظروف، وكان يعمل يوميا من الصباح للمساء دون كلل».