استقالة خنفر من « الجـــزيرة ».. تساؤلات وتكهنات
الاهتمام الواسع الذي وجده خبر استقالة الإعلامي وضاح خنفر الذي كان مديراً لقناة «الجزيرة»، سواء من وسائل الإعلام أو من المنتديات الإلكترونية، دليل على المكانة البارزة التي استطاعت القناة القطرية ان تصل إليها، كونها مصدرا رئيسا للخبر في المنطقة العربية. هذه المكانة التي تزايدت مع «الربيع العربي» تبين مدى تأثير القناة في النطاقين الإقليمي والعالمي، بصرف النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا مع النهج الذي اتبعته القناة في متابعة وتغطية الثورات العربية، والتي تخطت في كثير من الأحيان تغطية الحدث إلى المشاركة في صنعه، خصوصاً خلال الثورة المصرية، التي حملت تغطية القناة لها لهجة «حماسية» وصفها البعض بـ«التحريضية» في بعض الأحيان عبر أساليب عدة، من بينها المبالغة في أعداد المتظاهرين في بعض الأحيان، أو إذاعة أغانٍ ثورية تلهب المشاعر، وهو أمر غير معتاد أو مطلوب من قناة إخبارية تسعى إلى تحقيق الحيادية، وتضع لنفسها شعار «الرأي والرأي الآخر».
اسئلة عدة فرضتها استقالة خنفر على الساحة: لماذا استقال؟ وهل هي استقالة فعلاً أم إقالة؟ وما أسبابها؟ ورافق هذه التساؤلات عشرات التحليلات والاستنتاجات التي حاولت ايجاد اجابات، بعضها فرضه الاهتمام بالخبر، والبعض الآخر حمل اسقاطات وتلميحات لا تخلو من «شماتة» نبعت من اختلاف في المواقف، او لأهداف المنافسة المهنية. بعض الآراء اعتبرت الاستقالة «مفاجأة»، في حين ذهب البعض إلى انها استقالة «مبيتة» كان من المقرر ان تكون منذ ما يزيد على الشهر ونصف الشهر. ولكن تم الاتفاق على تأجيلها لما بعد شهر رمضان.
أما التكهنات بأسباب الاستقالة فقد تنوعت وفق التحليلات والمقالات، على الرغم من تصريح خنفر بأنه كان ينوي تقديم استقالته مع اتمام السنة الثامنة لعمله في القناة. لكن تلك التكهنات اشعلتها الوثيقة التي سبق ونشرها موقع «ويكيليكس» حول تعاون بين خنفر والإدارة الأميركية لتحسين صورة الولايات المتحدة في المنطقة، وعدم نشر ما يسيء لهذه الصورة، وهو أمر من الصعب التسليم بصحته بشكل كامل. ولكن وثيقة «ويكيليكس» لم تكن السبب الوحيد الذي أشير إليه؛ إذ ارجع البعض استقالة خنفر إلى الاختلاف الواضح في اسلوب القناة في تغطية الثورات العربية من بلد لآخر، وما نتج عن هذا الاختلاف من انتقادات للقناة، بينما تحدث آخرون عن صراع خفي في كواليس القناة طوال الفترة الماضية بين اتجاهين، الأول «ديني» على رأسه خنفر، والآخر «قومي عربي» يتزعمه المفكر السياسي عزمي بشارة، انتهى في النهاية بتغلب الأخير لقربه من دوائر صناعة القرار في قطر.
بصرف النظر عن اسباب استقالة وضاح خنفر، وملابساتها، يتركز التساؤل الأهم حول إمكانية تغير سياسة قناة «الجزيرة» في تغطياتها وعملها مع اختلاف قيادتها، حيث تتركز الأنظار لمتابعة ما سيطرأ على «الجزيرة» من تغير، وفي أي اتجاه سيكون، خصوصا في ظل اسناد ادارتها إلى شخصية من الأسرة الحاكمة في قطر، تحمل سمة حكومية، وهي الصفة التي جاهدت القناة منذ انطلاقها للابتعاد عنها، والتأكيد على استقلاليتها بعيداً عن الحكومة.
ولكن، هل يجب ان تتغير سياسة «الجزيرة» أو أي قناة أخرى، مع تغير قياداتها؟ رغم ان الواقع في عالمنا العربي يشير إلى ان تغير سياسة وسيلة الإعلام مع تغير قيادتها أمر معتاد وطبيعي، إلا انه وفقا للقواعد المهنية، يمثل هذا الأمر سقطة إعلامية تنال بصورة مباشرة من تصنيف القناة وما تتمتع به من حرفية، فارتباط السياسات التي تحكم المؤسسات الإعلامية بأشخاص يمثل نوعاً من المراهقة وعدم النضج المهني. قد يكون لكل مدير أسلوبه في الإدارة، ومن المؤكد ان كل من يشغل منصبا قياديا يسعى لوضع بصمته الخاصة في المكان، وهذا طموح مشروع بل يعد من مكونات الشخصية القيادية الناجحة. ولكن، كل هذا يجب ان يتم في إطار سياسة عامة ثابتة، وتحت مظلة الحيادية التي يجب ان تتحلى بها الوسيلة الإعلامية، لذا من الصعب ان نتوقع تغيرات دراماتيكية في سياسة «الجزيرة»، حتى في ظل التغيرات التي ربما ستطال قيادات الصف الثاني فيها. وفي الوقت نفسه قد يكون من المفيد العمل على تحقيق التوازن في قناة «الجزيرة» وتغطياتها، خصوصا في ظل الاستعدادات لإطلاق قنوات إخبارية جديدة في المنطقة مثل قناة «العرب»، وقناة «سكاي نيوز العربية»، وما أعلنه رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس عن عزمه اطلاق قناة إخبارية مقرها قطر، وهو ما يصب في النهاية في مصلحة المشاهد العربي والإعلام.