المؤلف غاب فعلياً وإبداعياً.. والديكور تهدم على رؤوس الممثلين

« محو وديمة ».. نصّ ضعيف ورؤيــة إخراجية متعثرة

«محو وديمة» تلقت انتقادات صارخة وخلفت تساؤلات حول مسؤولية المشرفين على إبداعات الشباب. تصوير: مصطفى قاسمي

لم يكن المخرج الشاب محمد السعدي يدري أن نص مسرحية «محو وديمة»، الذي ظل يجهز له شهوراً من أجل المشاركة به في ثاني عروض مسرح دبي للشباب في دورته الخامسة، أول من أمس، من الممكن أن ينقلب على طاقمه، على هذا النحو الذي صادفه، سواء أثناء العرض الذي تهدم ديكوره بشكل كاد يشكل خطورة بالغة على الممثلين والعاملين في الكواليس، أو حجم الانتقادات السلبية التي تم توجيهها له بعد العرض، خلال الندوة التطبيقية.

العمل الذي أنتجته جمعية شمل للفنون والتراث الشعبي والمسرح، واعتبره نقاد ومتابعون أنه «نص ضعيف يجب أن يشطب من ذاكرة المهرجان»، واجه صعوبات بالجملة على الخشبة، بدءاً بالمحتوى الدرامي الذي راح يعالج قضية السحر والشعوذة، مروراً بالسينوغرافيا، والإضاءة والموسيقى، حتى أداء الممثلين الرئيسين، لكن بالأساس يظل النص في هذا العمل، كإشكالية رئيسة، زادها عمقاً تفضيل المؤلف الغياب عن حضور العرض الأول للعمل، فضلاً عن الندوة التطبيقية التي عادة ما يواجه خلالها النقاد والإعلاميون كلا من المؤلف والمخرج، فيما ظل الأخير وحيداً أمس، يجابه كل أشكال النقد بأذنين مفتوحتين، وصدر رحب.

ديمقراطية المسرح

قوبل دفاع سلبي من قبل مخرج العرض الافتتاحي «فاصل ونواصل» حميد المهري، شبه فيه الآراء النقدية في مسرحية «محو وديمة» بـ«المحاكمة»، باستهجان واضح من قبل الحاضرين، اضطر معه الفنان غانم السليطي التأكيد على أن «المسرح فن ديمقراطي يقبل المشاركون فيه النقد»، لكن المهري الذي مارس العمل الإخراجي للمرة الأولى عاد ليعقب «لكن النقد البناء». الفنان العراقي محمود ابوالعباس الذي اعتاد أن يدافع دائماً عن حرية الآراء أثناء الندوات الفكرية لـ«دبي للشباب»، طالب بأن تتم إدارة الندوات على نحو لا يحول بعض فقراتها إلى ردود بينية، مبدياً تأففه من مداخلة المهري، التي جعلته يسوق ملاحظاته في صورة أسئلة، ليتجنب الاتهام بمحاكمة مبدعي «محو وديمة».


ثنائية النقد والصداقة

الفنان عمر غباش ضرب مثالاً عملياً في إمكانية ألا يفسد النقد الفني للصداقة وداً، مضيفاً «تربطني بمخرج العمل محمد السعدي صداقة حميمة ، لكن هذا لا يمنعني من أن أشير إلى أن العمل فيه الكثير من مواطن الضعف، واساءة استخدام الحلول الإخراجية، فضلاً عن سوء توزيع الديكور، واختيار أماكن غير مثالية لحركة الممثلين». في المقابل لفت حرص الكاتب طلال محمود على أن يكون حاضراً للندوة التطبيقية بصحبة بطل مسرحيته التي ستعرض آخر أيام المهرجان بعنوان «للأطفال فقط»، وهو الطفل عبدالله المهيري، حيث أشار إلى أن مصادقته للمهيري أتاحت له مزيداً من التعمق في عوالم تلك المرحلة السنية التي يمثلها صبي في الـ14 من عمره.

رؤية إخراجية لم تصل إلى المشاهد، ربما هي المقولة التي تختزل أبرز جوانب «محو وديمة»، فالمخرج حسب تصريحه لـ«الإمارات اليوم» أراد أن يستعرض أحداثا تدور بين زوجين، يؤدي لجوء الزوجة إلى السحر بسبب شكها في إقدام الزوج على الزواج بأخرى، إلى تسببها في مقتل ابنهما الوحيد، بعد أن تجرع السحر أثناء مرضه، في ظل تصور أن كل تلك الأحداث التي تدور على الخشبة، لا مكان لها سوى في رأس الممثلين، وأن هذا الولد ميت بالأساس، والزوجان لايزالان مسكونين بوجوده، وهو التصور الذي لم ينجح في إيصاله للجمهور، فبدا الخيط الدرامي بين الأحداث ضعيفاً، وحركة الممثلين مرتبكة وغير مبررة. هذا الخلط بين الحقيقي والواقع، من جهة، وبين الزمن الواقعي والمُسترجع من جهة أخرى، سبب مزيداً من الإرباك في ذهن المخرج، فضلاً عن استهلاك القضية المعالجة، وبعدها عن هموم المجتمع الأكثر إلحاحاً، والأهم بعدها عن كونها قضية شبابية، وهو ما يتم التنويه إليه دائماً من قبل مختلف لجان تحكيم المهرجان على تعاقب دوراته، في التوصيات الختامية.

هذا النص الضعيف الذي غابت عنه حتى بعض المفاصل الأساسية للدراما المسرحية ألقى بظلاله على الديكور، الذي لم يقنع المشاهد أساساً بصدقية الأحداث، فالأم التي هي أصلاً ثكلى في ذهنية المخرج، وتشارك في مواقف حياتها اليومية العادية، التي قامت بدورها الممثلة نورة لم تكن مقنعة حتى في أحد أهم انفعالاتها، وهي اكتشافها أن ولدهما قد مات، فيما بالغ الزوج الذي أدى دوره محمود القطان كثيراً في انفعالاته، وبدا كأنه قارئ لما ستسفر عنه الأحداث منذ البداية، في ما يتعلق بتسبب المشعوذة وديمة في مصيبة كبرى.

وعلى الرغم من قصر دورها الدرامي ومحدودية المشاهد التي تظهر فيها، إلا أن الممثلة عذاري كانت شديدة الإقناع في أدائها دور الساحرة «وديمة»، بل إن حركاتها على المسرح، والتفاتاتها وأيضاً صوتها، لقيت إشادة مميزة سواء من قبل الجمهور بالتصفيق، أو من بعض النقاد ومتابعي الندوة التطبيقية التي تلت العرض.

هذا التداخل غير المبرر في الأزمنة، ورتابة الموقف الدرامي فصلا الجمهور بالفعل عما يدور على الخشبة، ولم يكن مهماً اكتشاف أن الأب سقى ابنه عن طريق الخطأ شراباً نفثت فيه الساحرة وديمة، ظناً منه أنه ماء، بعد أن هرع إليه بسبب إصابته بالحمى، ولم يكن مهماً الحالة التي بدت عليها الأم الثكلى بعد ذلك، لكن على الرغم من هذا شكلت النهاية التي اختارها السعدي من خلال انكشاف البيت بعد تهدمه على مشهد القبور، إحدى البؤر المضيئة في العمل، رغم ما صاحب ذلك من أخطاء كاد يسقط بسببها مكونات الديكور على الممثلين، وبدت حركة وديمة بين شواهد القبور ووجود شجرة واقفة بثبات في الأفق، بأن هناك الكثير من أشباه وديمة، وأشباه هذه الأسرة المنكوبة، سيتكرر بينها مواقف مماثلة.

الندوة النقدية التي أدارها الفنان أحمد الأنصاري بدت على خلاف الندوة التي تلت العمل الافتتاحي، غير مجاملة، وفيما بدأ الأنصاري ببعض الإضاءات أشار فيها إلى أن المؤلف عرض عليه هذا النص قبلاً، من أجل أن يقوم بإخراجه، مصرحاً بأن هناك أخطاء ربما ارتكبت في تنفيذه، وهو ما يجعل وجود المؤلف نفسه امراً ملحاً، متأسفاً على غيابه.

الفنان غانم السليطي أكد من جهته أن المؤلف الغائب عن الندوة، كان غائباً ايضاً عن العمل، مضيفاً «أنا سعيد بغياب المؤلف، لأنه تماشى مع غيابه الإبداعي»، مستغرباً اللجوء إلى نص بعيد عن الواقع، وعدم الإقبال على المشاركة في أي مهرجان مسرحي لمجرد المشاركة، على النحو الذي ظهرت عليه مسرحية «محو وديمة».

وأكد السليطي أن المؤلف أوقع المخرج في إشكاليات متعددة، لكن المخرج ايضاً يتحمل مسؤولية اختياره نصاً ضعيفاً، مضيفاً «حضرت مهرجان المسرح الاردني، العام الماضي، وكانت هناك ستة عروض من ست دول عربية مختلفة، استعان فيها المخرج بكرسي متحرك»، وهذا لم يكن مصادفة أو تكرارا عبثيا، بقدر ما كان تماشياً مع واقع عربي مأزوم، وأن المواطن العربي معاق من دون حركة، وهو أمر تغير في الدورة التالية لمصلحة أعمال اكثر استبشاراً بالمستقبل، بعد أن تغير الواقع الفعلي ليؤشر بذلك».

السليطي الذي أشاد بأداء الممثلة عذاري، وجه انتقاداً شديداً أيضاً إلى الاقتصاد الشديد في الإضاءة، فيما دافع الفنان الأردني غنام غنام عن حرية المخرج في اختيار نصه الإبداعي، مشيراً إلى أن ذلك لا يعفيه من مساءلات فنية، لافتاً إلى أن اي نص يظل عصرياً طالما أن المخرج قرر الاستعانة به، حتى لو كان النص مستمداً من عصور زمنية غابرة.

من جانبه سجل الفنان عبدالرحمن العقل ملاحظات نقدية حول إيراد بعض الألفاظ الغريبة عن البيئة الخليجية، فضلاً عن عدم استثمار الموسيقى بشكل إيجابي في صلب العمل، لكنه وجه بالأخير تحية إلى المشاركين على العمل، بفضل حماستهم وإصرارهم على أن يكونوا موجودين فاعلين، وليسوا فقط متابعين لفعاليات مهرجانهم الشاب.

تويتر