العرب بعيدون عن ثقـافة الشارع
قال الناقد والباحث والأكاديمي العراقي الدكتور معن الطائي، إن «من حق القارئ العربي الاطلاع على كل ما تشهده الساحة العالمية من حركات واتجاهات فكرية بمجرد ظهورها، وخلال الفترة التي تمتلك هذه الحركات التأثير في صياغة مضامين فكرية مختلفة، وليس كما اعتادت الساحة الثقافية العربية من قبل على تلقف نتاجات الثقافة الغربية بعد انتهاء تأثير هذه الاتجاهات والحركات بعقدين من الزمن».
مشيرا إلى أنه مع انتشار الانترنت وثورة الاتصالات أصبح لزاماً على المثقف العربي ان يظهر نشاطاً أكبر ليلامس هذه الأفكار ويستفيد منها. مشدداً على انه ليس كل ما يطرح قابلاً للتطبيق في العالم العربي، «لكن علينا ان نطلع على كل ما هو جديد، ونختار ما يتناســب معنا»
وأوضح الطائي خلال الأمسية التي نظمها اتحاد كتاب وأدباء الإمارات ـ أبوظبي مساء أول من أمس، في مقر الاتحاد بأبوظبي، وتحدث فيها عن كتابه: «الفضاءات القادمة، الطريق إلى بعد ما بعد الحداثة»، الذي صدر له بالاشتراك مع الناقدة أماني أبورحمة، ونشر أخيرا عن دار أروقة في القاهرة، ان الكتاب في بعض مجالاته غريباً عن العالم العربي، لأنه يختص في الدراسات الثقافية، وهو منهج بحثي عابر للتخصصات يقوم على جمع مجموعة من الآراء والرؤى وقياس طبيعة التغيرات التي تشـــهدها الساحة الثقافية والثقافة الشعبية في مجـــتمع ما.
لافتاً إلى ضرورة التفريق بين الدراسات الثقافية وحقول أخرى مجاورة مثل النقد الثقافي الذي يعمل على دراسة الانساق الفكرية في النصوص الإبداعية، دون ان يهتم بالبعدين الجمالي والاسلوبي.
ثقافة الشارع
أشار الطائي إلى أن الثقافة العربية مازالت تخلو من ثقافة الشارع، أي الثقافة السائدة لدى رجل الشارع العادي، التي مازالت بعيدة عن تناول المفكرين والباحثين إلى حد كبير. موضحا أن الحقول المعرفية في الكتاب تتدرج بين الفلسفة والفكر والفنون على مختلف أنواعها، إلى جانب الاقتصاد وعلم الاجتماع حتى المجلات الفكاهية والقصص المصورة إلى الطرفة اليومية المتداولة في الشارع.
وأوضح المحاضر أن مصطلحات مثل الحداثة وما بعد الحداثة وما بعد بعد الحداثة، هي عناوين يحاول المنظرون وضعها لوصف مجموعة من الظواهر تحدث على الساحة الثقافية. مشيرا إلى أن هذه المصطلحات ليس بالضرورة ان تطابق الواقع وتشابكاته، فالواقع دائماً أكبر، والمصطلح أقل قدرة على استيعاب الإبداع، ودائما يجب ان تترك مساحة للرأي والرأي الآخر كجزء من التكامل، كما ان قطع المراحل الفكرية لا يتم بشكل قصري، فعلي أرض الواقع يتم التغيير تدريجيا إلى ان يتم الانتقال من مرحلة لأخرى.
تأثيرات
عرّف الطائي خلال المحاضرة «ما بعد الحداثة» بأنها حالة ثقافية وليدة الغرب، إلا ان تأثيرها امتد إلى جميع أنحاء العالم، ليس فقط على صعيد الثقافة، لكن حتى في السلوك الراهن للأفراد، فمن الناحية الفكرية رصد المفكرون انتشار نمط الترفيه من خلال الإذاعة والتلفزيون ثم الفضائيات، كما ظهر نمط المتلقي السلبي الذي يقوم على الإمتاع والتلقي السريع والتلاشي السريع أيضاً. وأثرت هذه المتغيرات في نمط السينما والمسرح والثقافات الأخرى، فظهرت سينما العنف والتسلية المفرطة التي تحاكي ألعاب الفيديو وليس الواقع.
وعن أهم مظاهر اتجاهات بعد ما بعد الحداثة، توقف الطائي أمام انهيار الاتحاد السوفييتي وانهيار الحرب الباردة، وما تبع ذلك من العودة إلى فكرة الوحدة والشمولية، وظهور مدارس ما بعد التفكيكية بعد ما وصلت المدرسة التفكيكية إلى أزمة بالفكر الغربي، وسعت المدارس الجديدة إلى وضع اسس تقوم على تحقيق التواصل، «هذه المفردة التي شكلت حجر أساس في هذا الاتجاه الفكري».
صحافة المواطن
أشار الطائي إلى أن من أبرز هذه الاتجاهات تمثل في ظهور حقل صحافة المواطن، بحيث اصبح أي شخص يمكنه يصور حدثاً وينشره عبر الانترنت. لافتا إلى ان مبدأ المفاوضات التي تقوم عليه القضية الفلسطينية حاليا يعتمد على الفكر «ما بعد الأضحوي» الذي اعتمده الفيلسوف ايريل جانز، والذي يقوم على ان تتجاوز الضحية فكرة الانتقام للخروج من أزمة صدام الحضارات. بعد ان بدأت الحضارات الهامشية ترد بعنف على حضارات المركز، كما في أحداث 11 سبتمبر، فأدرك المركز خطورة تهميش الحضارات الأخرى لما يخلفه ذلك من عنف.
يذكر ان الدكتور معن الطائي المقيم في أبوظبي، حاصل على شهادة الدكتوراه في الأدب العالمي والمقارن، وشغل مناصب أكاديمية عدة في جامعة بغداد، كما يحمل عضوية العديد من الاتحادات والروابط الفكرية والنقدية والثقافية.