فرهادي: عندما تهبّ الحرية يزدهر الإبداع
قال المخرج الإيراني أصغر فرهادي، إن «الرقابة على المدى القصير يمكن أن تقف في وجه الإبداع، ولكنها لن تنجح في ذلك على المدى البعيد»، مشيرًا إلى أنه «كلما اتسعت جماهيرية العمل الفني، زادت محاولات فرض الرقابة عليه». وعلق فرهادي على منع السلطات الإيرانية عرض فيلم «مروض كالحصان تماماً»، للمخرج عبدالرضا كاهاني، ومنعها المخرج نادر داودي من المشاركة في مهرجان بيروت السينمائي، بقوله «لو لم يكن للأفلام التي نقدمها جماهيرية واسعة في داخل إيران وخارجها، لما فرضت عليها كل هذه القيود».
وعبر فرهادي في حواره لـ«الإمارات اليوم» عن سعادته بما يحدث في العالم العربي حاليًا. وأضاف «كل من يحترم حرية البشر يجب ان يشعر بالسعادة بما يجري، لكن على شعوب الربيع العربي أن تعي ان ما حدث لا يعني أن كل شيء انتهى بمجرد سقوط الطغاة، فأنا أشعر بالقلق حيال ما سيفعله العرب وكيف سيشكلون مستقبلهم».
ربيع عالمي
حول تأثير «الربيع العربي» على إيران؛ قال فرهادي إن «ما حدث في العالم العربي لم ينحصر في المنطقة فقط، بل شكل دافعًا لشعوب العالم أجمع، وانتقلت هذه الروح إلى مختلف مناطق العالم، حيث باتت الشعوب تدرك أن لها دورا فاعلا في تقرير مصيرها، وتستطيع أن تشارك في تغيير أوضاع دولها».
واعتبر المخرج الإيراني الذي حصل على جائزة لجنة التحكيم الخاصة في مسابقة الأفلام الروائية الطويلة بمهرجان ابوظبي السينمائي الدولي الأسبوع الماضي، عن فيلمه «انفصال نادر وسيمين»، أن «الربيع العربي» لابد أن «يكون له صدى هائل في صناعة السينما والأفلام في المنطقة، فعندما تهب رياح الحرية لابد أن تزدهر الفنون».
مشيراً إلى أن «رياح التغيير هبت على إيران مع ثورة ،1979 ولكنها حملت بالقيود بعد ذلك، وعلى العرب أن يتعلموا الدرس مما حدث في إيران في أعقاب الثورة».
طبقات ودلالات
أصغر فرهادي الذي يجهز حالياً لتصوير فيلم جديد في باريس، أشار إلى أن الرقابة والقيود المفروضة على السينمائيين في إيران لم تعد تمثل تحدياً كبيراً بالنسبة لغالبيتهم، موضحاً أن السؤال عن كيفية تعاملنا مع الرقابة يشبه تماما سؤال شخص إماراتي عن كيفية تحمله درجة الحرارة العالية في شهور الصيف في المنطقة، فهو قد ولد في هذه البيئة واعتاد عليها وتكيف معها، وكذلك نحن نشأنا في ظل هذه القيود ومع الوقت عرفنا كيف نتكيف معها».
وانتقد فرهادي اتجاه بعض المخرجين الإيرانيين لتبسيط أفلامهم وتقديمها بأسلوب تغلب عليه المباشرة خوفا من أن يسيء الجمهور غير الإيراني فهم هذه الأفلام، رافضا اتباع مثل هذا الاسلوب في افلامه قائلاً «لا أحب المباشرة في أفلامي، فهي غالبا ما تتكون من طبقات متتالية من الأفكار والتداعيات، وكلما توصل المشاهد لطبقة منها قادته إلى التي تليها، وفي كل فيلم جديد اقدمه أعمد إلى زيادة هذه الطبقات، ففي فيلمي الأول على سبيل المثال لم يكن من الممكن ان أضمن السيناريو طبقات متعددة، ولكن مع الوقت والخبرة أدركت ان كل حدث أو كل شخصية له مستويات عدة من الدلالات التي تتكون منها طبقات أفلامي».
صدق وواقعية
«ما يهمني عند كتابة السيناريو أن يبدو صادقاً وواقعيًا، كما أن هناك شخصيات وتفاصيل في الحياة اليومية قد تبدو صغيرة وبلا أهمية، ولكن مع الوقت أدركت أهميتها في اضفاء الواقعية على العمل، هذه الواقعية التي تقود الممثلين إلى اتقان أدوارهم وتقديمها بشكل مركز وتلقائي»، هكذا ينظر فرهادي الى شخصيات افلامه، معتبرًا أن «الوقت الذي يتعمد المخرج فيه تمرير رسالة للمشاهد من خلال فيلمه قد ولى وانتهى، حيث اصبحنا نعيش في عصر يحتاج إلى ان يطرح الفيلم تساؤلات ويثير أفكاراً وقضايا في أذهان المشاهدين، ويترك كلاً منهم يبحث عن الإجابات وفقاً لرؤيته للحياة، وبما يتفق مع أفكاره ومعتقداته، أما وضع إجابة واحدة جاهزة فيمثل مصادرة لحق المشاهد في أن يفكر بنفسه ويعبر عنها بحرية»، مشيراً إلى أنه يؤمن بمقولة «برغمان» «الرسائل ترسل بالتلغراف وليس من خلال الأفلام».
وأشار مخرج الفيلم الشهير «عن إيلي»، إلى أنه لا يصنف نفسه كمخرج باعتباره من مخرجي تيار الحداثة، وكذلك لا ينتمي إلى التيار الكلاسيكي في السينما، فرغم أن أفلامه تروي رواية، إلا انه يبحث دائمًا عن طريقة حديثة لسرد هذه الرواية.
انفصال
أصغر فرهادي أوضح ان الانفصال في فيلمه الأخير «انفصال نادر وسيمين»، يبدو أنه يشير فقط إلى قصة انفصال زوجين، ولكنه في الحقيقة يحمل دلالات عدة تتضح مع توالي أحداث الفيلم، من بينها الانفصال بين طبقات المجتمع، حيث تظهر مع الأحداث الفروق الواضحة بين الطبقة الوسطى الميسورة الحال، والطبقة الفقيرة، أو بين مكانة المرأة والرجل في المجتمع، كما يشير إلى الانفصال بين إيران والعالم الخارجي. لافتاً إلى انه ترك نهاية الفيلم مفتوحة لأنه لم يجد إجابة شافية لديه يمكن أن تقدم حلا أو مخرجا للأزمة في الفيلم بين نادر وسيمين، إذ ينتهي الفيلم في المحكمة والقاضي يسأل ابنتهما ان كانت قررت أن تعيش مع والدتها أو والدها بعد انفصالهما، وينتهي الفيلم قبل ان تكشف الفتاة عن قرارها. وأضاف «تركت النهاية مفتوحة لأني لم أدرك كيف يمكن ان ينتهي الوضع الحالي. فهو قرار الجيل الجديد خصوصاً من النساء والفتيات، ليس في إيران فقط ولكن في العالم أجمع».
وعبر فرهادي عن سعادته بالنجاح الذي لقيه الفيلم عند عرضه خارج إيران، وأن الجمهور لم يتعامل معه باعتباره يخاطب الجمهور المحلي فقط، «فالعمل الفني لا يرتبط بالجغرافيا، بل هو قادر على تجاوزها من خلال ما يحمله من مضامين إنسانية عامة».