مشاركون عاينوا تجربة السرد العربية. من المصدر

«الإبداع الخليجي» يبحث محور الفن وتحولاته

اكتفت القاصة العمانية منى بنت حبراس السليمي، بصفتها أصغر باحثة مشاركة في ملتقى الإمارات للإبداع الخليجي، بالتحليق في سماء القصة النسوية القصيرة، وذلك خلال الجلسة الثالثة ضمن محور الفن وتحولاته، التي استعرض فيها الكاتب والأديب البحريني عبدالله خليفة تحولات القصة القصيرة في المملكة العربية السعودية.

وأقرت السليمي بوجود اختلاف على مستوى الثيمات وزوايا التقاط الومضة القصصية وخصوصية التفاصيل بين الكاتب الذكر والأنثى، إلا أن هذا الاختلاف يوجد بين الكتاب عامة، كما انها ليست من قبيل المفاضلة، «إذ إن هناك الكاتب الرديء والكاتبة المبدعة، خصوصاً أن الذكورة لم تزد من ابداع الرجل عظمة ولم تنقص الأنوثة من قدرة المرأة الكاتبة المبدعة».

ولفتت إلى أن «القصة العمانية في عز احتفائها بالمنتج القصصي، تعمد دائماً إلى تضييع حق الأنثى في البحث والقراءة المتعمقة، وذلك لأن الكثرة في القصص تنتصر للرجل دائماً، إذ هناك علاقة طردية بين حقوق الكاتبة ومساحة النصوص المقروءة كلما ضاقت الأخيرة ضاقت معها الحقوق».

وذكرت السليمي بصفتها باحثة أن «أول مجموعة قصصية عمانية صدرت في 1980 للقاص والروائي عبدالله الطائي (المغلغل)، ورغم البداية المتأخرة للقصـة العمانية مقارنة بمثيلاتها في الخليج، إلا أن التأخير طال كذلك القصة العمانية النسوية التي جاءت بعد 18 عاماً، وهي مجموعة قصصية للقاصة خولة الظاهرية تحت عنوان (سبأ)، الأمر الذي يجعل القارئ في المشهد العماني يدرك أن الانتاج القصصي النسوي لا يتجاوز عمره 13 سنة».

المشهد العراقي

من جانبه، تناول رئيس الاتحاد العام للأدباء والكتّاب في العراق الناقد الدكتور فاضل ثامر المشهد التجريبي في القصة العراقية، ضمن جلسة محور الفن وتحولاته، وأكد أنه «على الرغم من أن عمر القصة القصيرة في العراق تجاوز 100 عام تقريباً، إلا أن التجريب القصصي ذاته تأخر أكثر من نصف قرن من التاريخ، وقد اقترنت عملية التجريب بموجة الحداثة الأولى في القصة العراقية، ولم تأخذ عملية التجريب مظهراً لافتاً ومميزاً، إلا مع تجارب قصاصي الستينات». وتابع أنه «لا يمكن الحديث عن التجريب إلا في ضوء توافر متن سردي معترف به بوصفه يمثل الرصيد الأساس لأي تجربة قصصية، وذلك لأن التجريب هو انحراف أو خروج على نسق ثابت ومعياري له أسسه وتقاليده وآلياته». ولفت إلى أن «اللعبة السردية تنهض على فكرة قصدية الكتابة السردية، حيث يبرز سارد يوظف غالباً ضمير المتكلم ليعلن صراحة عن نيته كتابة نص سردي أو حكائي»، واستعرض ثامر الأشكال التي تجسدت الفكرة السردية التجريبية في القصة العراقية عبر مراحلها المختلفة.

الكاتبة الأنثى

لفتت السليمي إلى أن مجموعة الظاهرية الأولى غير ناضجة فنياً ولم تخل من التعثر إلا أن مستوى كتابة القصة لديها جيد، كونها تتناول الحدث القصصي بأسلوب وتعبير يعتمد على اللغة الأدبية الرقيقة، إلا أنها تداركت ذلك فلم تغفل في مضامين قصصها عن القضايا الاجتماعية، خصوصاً تلك التي تلامس المرأة وتتعلق بها، كما عكست بعض قصصها رؤيتها الذاتية كأنثى، ولجأت إلى الأسلوب الرمزي للتعبير عن رؤيتها القصصية.

ولم يخل المشهد العماني من الكتابة النسوية لكاتبة أنثى، عرفتها الساحة هي بدرية الشحية وروايتها «الطواف حيث الجمر»، ولفتت السليمي إلى أنه «باستثناء الروائية بدرية الشحية بقيت خولة الظاهرية وحيدة بين أسماء قاصين أسسوا القاعدة الرئيسة للقصة العمانية».

ومع بداية القرن الـ،21 تكاثرت الأسماء النسوية في مجال السرد، فعرف الوسط الثقافي أسماء نسائية مثل جوخة الحارثية وهدى الجهوري وبشرى الوهيبي وغيرهن، وفي محاولة لمعرفة القواسم المشتركة في التجربة النسوية التي حكمت ابداع المرأة العمانية، من خلال معاينة مجموعات قصصية لكاتباتها، قالت السليمي إن «ابتعاد السرد الأنثوي عن الإقليمية الضيقة بلور ابداعية التركيز على مواجع المرأة ومناصرتها في زمن يزخم بلافتات مستوردة بحقوق الانسان وحرية الفرد التي تمسخ الهوية، وكذلك الحال بالنسبة للقصة التي هي جنس أدبي يحمل نسيجه جملة من المؤشرات التي تعكس واقعاً تعايشه الأنثى الكاتبة من جهة، وتترجم مستوى الفن لديها من جهة أخرى».

واختتمت السليمي حديثها قائلة إن «معظم الكتابات الأنثوية اشتركت في الهم الأنثوي العام في خطوطه العريضة، لكنها اختلفت في تفاصيل تعكس خصوصية المجتمعية الضيقة وملابسات الزمان والظروف المكانية، وهو ما يجعل الإبداع الانثوي يزين ببعض العبارات والمفردات العامية، كما هو الحال في كتابات القاصة هدى الجهوري».

القصة السعودية

إلى ذلك، استعرض الكاتب والأديب البحريني عبدالله خليفة، تحولات القصة القصيرة في السعودية، قائلاً إن «القصة القصيرة في المجتمع السعودي، تجسد التضادات بين الأفراد والواقع المتعدد، وهي أي القصة تعبر عن لحظة التضادات الأولى البسيطة، التي تتغلغل في الوعي الفني، فيشكل منها ومضات، فيما يذهب كتاب آخرون إلى ما هو أبد من ذلك فيسرحون في البحث الموسع عن الرواية».

واعتبر خليفة أن «القصة القصيرة هي لحظات تناقض بين الداخل والخارج، وبين الذات بؤرة القصة والعالم الخارجي، أما الرواية فهي جنس آخر من النوع القصصي، الذي يعتمد على لحظات واسعة من هذه التناقضات بين الذوات والعالم».

ولفت إلى أن «هناك كتاب قصة كثيرين في السعودية منهم سباعي عثمان ومحمد علوان وحسين علي وخديجة السقاف وزهرة موسى، إلا أن كثرة الأسماء يقابلها قلة المصادر المنشورة التي يصعب أن نصل لها، ما يصعب من الاحاطة بنتاجات هؤلاء الكتاب».

وتابع أن «البدايات القصصية العربية ركزت على القصة القصيرة في ظهورها بالمملكة على التعليمية وبغرض توعية القارئ، وأن القصة انخرطت في منظومة الأدب الهادف وسخرت امكاناتها الفنية للتنبيه والوعظ، لاسيما أن العديد من القصاصين من جذور فلاحية وبدوية ينضمون للفئات الوسطى وهم يعبرون عن تجاربهم من خلال شخصيات وحبكات معينة، لذلك تحولت القصة بتحولات المجتمع البدوي المحافظ في إطار التطور الرأسمالي الحديث».

الأكثر مشاركة