رسول عرض نصوص العراقي حميد المختار
ملتقى الإمارات للإبداع يقرأ السرد والواقع
من خلال «أصوات عالية» و«خان الدراويش» جسّد القاص والروائي العراقي حميد المختار، صورة الانسان المهزوم في تجاربه الروائية والقصصية وفق الناقد العراقي دكتور رسول محمد رسول، الذي عرض تجربة المختار في ورقة عمل ضمن ملتقى الإمارات للإبداع الخليجي، تناولت، أول من أمس، محور «مستوى الرؤى والعلاقة بالواقع وبناء المستقبل ضمن السرد إزاء الواقع».
وقال رسول إن «كتّاب القصة القصيرة العراقيين جربوا في عقود طويلة كثيراً من أساليب التعبير الابداعية في كتابة نصوصهم السردية بالانطلاق من حافزين، الأول ما يوحي به الواقع من مشاهدات وأفكار ورؤى، والثاني ما تطلبه صناعة الأداء السردي من تقنيات تعبير وتوصيل»، لافتاً إلى أنه «من خلال قراءة سريعة على الحافزين في النصوص العراقية نجد أن القاص العراقي احتفل بالتنوع ليس لذاته إنما من اجل دفع تجاربه القصصية إلى مصاف التجارب الواعية لمجمل شروط وتحولات الابداع القصصي».
وتابع في عرضه لتجربة القاص حميد المختار، الذي اعتقل لمدة ثماني سنوات وأشيع أنه أعدم في السجون العراقية، أنه «استغل فترة وجوده في الحبس ليتابع عطاءه الابداعي على الرغم من كل ما تعرض له قبل نجاته وخروجه من السجن»، وقالً إن «النصوص القصصية القصيرة التي كتبها المختار كثيرة، فمنها ما كان يخفيه ومنها ما يشهره في مجامع قصصية منها المجموعة المشتركة (أصوات عالية)، التي نشرت في زمن لا صوت كان يعلو على صوت السلطة في بغداد، وتضمنت ثلاث قصص هي (حكاية المدعو جمعة، ورجل في علبة سردين، ويوتوبيا في الظلام)».
وذكر رسول أن «المختار كان يكتب قصصه على وريقات ضاع منها الكثير، اثناء مطاردته ومن ثم اعتقاله، وما تبقى له من تلك الوريقات سوى مجموعته (خان الدراويش) التي لملمها ونشرها لتصل حاضر التجربة بماضيها في المجموعة السابقة وغيرها من نصوصه التي كتبها قبل سنوات السجن وبعده».
موضحاً أن «هدير تجربة القاص ظلت مستمرة زمانيةً إبداعيةً تمثل المكان بكل ما فيه من أشكال الوجود والعدم، والأمل واليأس، والعذاب والتعذيب، والبكاء والضحك، والجوع الشبع، والخوف والتردد، وكل من ظهوريات الأهواء والأفعال والمصائر».
وتبدو مجموعة «خان الدراويش» الأكثر تمثيلاً لفضاءي الزمان والمكان بكل معطياتهما التي تسربت إلى الخيال الابداعي، وتناولت السرد القصصي في الحالات والأفعال، وصوبت الخطاب نحو فضاءات القارئ نفسه، وفق الناقد رسول، الذي أكد أن «المجموعة تتضمن النصوص ذات التكثيف الدلالي الذي يكشف علاقة الخطاب بالواقع وتمثيله الابداعي».
واستعرض رسول نصين من المجموعة، هما «أسطورة قبائل الماء» و«طبل»، ووجد أن في كلا النصين توظيفاً سردياً للتحفيز الفنتازي والتحفيز الأسطوري، ويظهر ذلك عند استخدام ملفوظة «أسطورة» وارتقائها إلى صدر عنوان القصة لكي يخلق عنونة تخدم الكون الدلالي لخطاب النص، أما في «طبل» فاندفع القاص إلى عوالم الفانتازيا من خلال تحوله إلى مجرد طبل، أي إلى مجرد كائن شيئي.
وتنوع الراوي في كتابات المختار، سواء بضمير المتكلم أو الجمع، هو بنية متعاضدة امد أواصر الصلة بين الواقعين (الواقعي والمتخيل)، وفي كلا النصين بحسب رسول تعاضدت الذات الفردية مع الذات الجماعية لخلق لحظة الحدث المسرود بالاستناد إلى لحظته ذاتها وقبل التمثيل الابداعي، كما حافظ النص على تمثيل التحول المصيري الجمعي في مجتمع الحالة.
ولفت رسول إلى أن «الباعث للتحول في (أسطورة قبائل الماء) كان سياسياً، بينما في (طبل) كان الباعث اقتصاديا، ولذلك انطلق الخط السردي لأحداث النصين، وفق علاقة صراعية بين ذوات وموضوعات الحالة، منها سلطة الحاكم وسلطة الجوع اللتان دفعتا ذوات الحالة إلى التكيف مع فضاءات المكان والزمان».
موضحاً أن «كل الصور في ذلك التكيف المسرودة واجهت تحديات وعوامل عدة شاركت في الحدث، وحرص القاص على تسريدها في مدارات مصغرة في كل قصة إلا انها شديدة الأثر في نسج تحولات الخط السردي».
وكانت قصة «رجل في علبة سردين» قد قدمت صورة الانسان المقهور الذي ترك كل الدنيا ليختبئ في علبة سردين مظلمة، الأمر الذي اعتبره رسول أن «هروب الانسان من جحيم النور إلى جحيم الظلمة، كمن استبدل الرمضاء بالنار أملا في تلمس طريق الخروج من آلام الحياة، إلا أن اليأس عاد بكل جبروته لتنتقل الذات البشرية مرة أخرى إلى عالم يصبح فيه النور والظلام بالدرجة الصفر من الوجود، مثلما يتنازل الكاتب في القصة عن ادميته ليتحول إلى طبل سرعان ما يرمى في قمامة الخردة».
وأفاد رسول بأن «العلاقة مع الواقع في تجربة المختار، من خلال النصوص السردية، تتخذ سبيل الانصات والإصغاء إلى صوت الذات البشرية المخنوقة بحبل السلطة وبسيف المجتمع، وهو الذي يستعذب تدمير ذاته، من خلال تدمير غيره».
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news