سعد القرش.. عن الرحلات والموت
يتحدث الكاتب المصري سعد القرش في عمله الصادر أخيراً عن رحلات إلى بلدان عربية وأجنبية، بعد مقدمة مؤثرة عن الشعور بقرب الموت من الإنسان في حله وترحاله. كتاب سعد القرش الذي جاء في 179 صفحة متوسطة القطع، حمل عنوان «سبع سماوات.. رحلات في الجزائر والعراق والهند والمغرب وهولندا ومصر». والكتاب الذي نشر أخيراً والصادر عن دار السويدي للنشر والتوزيع في أبوظبي، حائز جائزة ابن بطوطة للرحلة المعاصرة 2008-.2009
يكتب سعد القرش عن البلدان وزياراته لها «من القلب»، قلبه هو وفكره، ومن قلب البلد الذي يتحدث عنه، ولا يكتفي بصور سطحية وتفاصيل متنوعة.. انه يريد أكثر من ذلك، وقد استطاع تحقيق هذا «الأكثر».
ولا يقل عن ذلك جمالاً وامتاعاً ما كتبه مدخلاً لكتابه، تقديم لكتاب حمل عنوان «نافذة على أرواح». وقد كتب قبل التغييرات التي شهدتها مصر منذ عام من الزمن حتى الآن. قال سعد القرش «لست مولعاً بالسفر. ليس خوفاً من خطر الموت المرتبط بالحوادث. ففي مصر اصبحت النجاة من موت متربص بمواطنين زائدين على حاجة النظام الحاكم اعجوبة نفوز بها كل مساء حين نعود الى بيوتنا سالمين».
«الطرق في مصر شباك لاصطياد الأرواح بيد ملاك الموت. وقد عودت نفسي كل يوم على توقع الموت. قبل النوم.. قبل الذهاب الى العمل.. قبل الانتقال من القاهرة إلى اي مدينة أخرى.. قبل السفر الى الخارج.. استعد للموت، وأنا في سلام مع النفس ومع الآخرين حتى الأعداء أو الذين يتصورون انهم كذلك. لا اكره اعدائي، وانما استبعدهم من مجال الرؤية كأنهم غير موجودين، لا محبة ولا كراهية».
وأضاف الكاتب الذي مازال في مرحلة من عمر الشباب يقول «لكنني قبل كل سفر أتمنى إلغاءه. اشعر بالانقباض. حدث مرتين ان عدت من المطار، وأنا في طريقي الى بلد خليجي وكنت سعيداً. لم يكن مصدر السعادة فوزاً بحياة أو استبقاء لبعضها أو رهبة من الموت، لكنه احساس غامض لا اعرف له تفسيراً.
«قبل ثلاثة أيام من سفري إلى الهند للمرة الثانية (2008)، اشتريت لأولادي سيارة، فاجأت أولادي بالسيارة يقودها أخي ايوب. لم اخبرهم حتى بعد رجوعي من نيودلهي انني شعرت بملاك الموت ينتظرني في بلاد غاندي، وأردت اعفاءهم من عناء شوارع القاهرة. في تلك المرة أخطأني الملاك».
وتحدث عن أدب الرحلة، فقال «أدب الرحلة هو فائض محبة. لم أضبط نفسي مضطراً لقول ما لا أريد. استبق الزمن ناظراً الى الامام 100 عام، وأضع نفسي مكان قارئ لم يولد بعد. سيكون قاسياً في حكمه وأتفادى ان يصفني بالكذب حين يقرأ لي شيئا عن بلد لم احبه بقدر كاف يحملني الى الكتابة عنه. «زرت بلاداً جميلة او تبدو كذلك، ولم تلتقط نفسي الإشارة، تلك الذبذبة الخاصة بروح المكان وتأجلت الكتابة إلى حين أو إلى الأبد. كما تكررت زيارتي لبلاد لم تتجاوز العين الى قلب يجب ان يفيض بمحبتها أولاً. أكرر إذن ان هذه الفصول كتبت بتلقائية عقب كل رحلة. فكرت في اعادة كتابتها تمهيدا لنشرها في هذا الكتاب ثم تراجعت، ففي اعادة النظر في الكتابة الطازجة لا تكون الرحلة هي الرحلة ولا أنا أنا، بل شخص آخر يكتب عن رحلة الرحلة، والذات بعقل منهجي بارد وبطبعي لا احب البرود في البشر او الكتابة التي احبها متوهجة حية نابضة بالدماء. لن اعيد كتابة الفصول حتى لا احذف منها الكثير او أنسف فكرة الكتاب أصلاً. وحسبي ما ذكره العماد الأصفهاني (اني رأيت انه لا يكتب انسان كتابا في يومه إلا قال في غده لو غير هذا لكان احسن، ولو زيد كذا لكان يستحسن، ولو قدم هذا لكان افضل، ولو ترك هذا لكان اجمل. وهذا من اعظم العبر وهو دليل على استيلاء النقص على جملة البشر».
ونقرأ بعض ما كتبه عن الجزائر حيث يقول «الجزائر تمتد كلوحة تلخص التاريخ ضد فكرة الاستقامة والبعد الاحادي. شيء من التعقيد يمنحها غموضا يجعلها اقرب الى فكرة العناد والاستعصاء. فما الذي اوقعها تحت الاحتلال لأكثر من 130 عاماً، افكر وأنا اتطلع الى الشوارع والأزقة والجبال والاشجار. أتساءل كيف ينام مستعمر قرير العين في مثل هذه الجغرافيا».
ويتحدث عن الهند في غور الى داخل النفس الهندية، فيقول « يتشابه الهنود في قيم عليا، الذوق الرفيع، والابتسام غير المصطنع، وقلة الكلام، وانخفاض الصوت، والصبر، وعدم العجلة، رغم عدم انتمائهم ولا معرفتهم بثقافتنا العنيفة التي تقول ان العجلة من الشيطان، يتقاطع الثراء والفقر في اكثر من مساحة، اعمقها الفنون وحب الحياة. فمن لا يحبون الحياة ستظل عيونهم مغلقة باتساع الجحيم».