«احتفالات الغائب».. حكايا بألوان حــزينة
مع أن عنوان معرضه «احتفالات الغائب» يحتمل الكثير من الفرح والطقوس الجاهزة لاستقباله، إلا أن مسحة حزن كانت واضحة على لوحات الفنان السوري زياد دلول، الذي افتتح معرضه أخيراً في جاليري «غرين آرت» في دبي ويستمر حتى نهاية ديسمبر الجاري. دلول كأنه عاد اليه حلم العودة وهو المقيم في باريس بعد أن شاهد ابناء شعبه ينتفضون لطلب الحرية، لوحاته عبرت عن هذا الحلم ولو لم يكن معلناً، فهو في لوحة تراه راسما طاولة عليها اشهى الفواكه منصوبة على قارعة طريق غير آبهة إلا بالهواء العليل، وتراه في لوحة أخرى يجسد الأشجار. يبدو في مواقع كثيرة كأنه يرسم وطنا أخضر وهو الغائب منذ 30 عاما من خلال الطبيعة والموائد العربية التي تتميز بلمة العائلة. يريد استرجاع وطنه بشرط اليوم الذي يتلخص بالحرية. هي طبيعة حاول دلول أن يجعلها ناطقة، على الرغم من الصمت الذي يملأ جميع لوحاته.
سيرة ولد في مدينة السويداء السورية في عام .1953 في عام 1977 تخرج في كلية الفنون الجميلة بدمشق / قسم الحفر. حصل على دبلوم المدرسة الوطنية للفنون الزخرفية ـ باريس. حصل على دبلوم الدراسات المعمقة في الفنون التشكيلية - جامعة باريس الثامنة. يعمل ويعيش في باريس منذ عام .1984 |
العائلة
جانب أساس من شخصية دلول مرتبط باجتماع العائلة، ينتفض في داخله اشتياقا لتلك الذكريات، خصوصاً الأم التي تحرص دائما على سلامة عائلتها من أي خطر. يريدها حاضرة من خلال يديها اللتين تضعان الأطباق على الموائد. وبشكل تجريدي عمد دلول إلى رصد واقع الانسان السري وحياته اليومية، استخدم فيها ألوانا بعيدة كل البعد عن المادة المرسومة أو الثيمة التي اختارها، فهو رسم الطعام والفواكه والأشجار بألوان لم تكن فرحة، بل حزينة وقاتمة وغامقة، ولولا أن البشر يعرفون كل أنواع الفواكه لاحتاروا في الرسم نفسه، كأنه قصد تأجيل تلوين الحياة، أو أنه ينتظر الفرح كي يطلق ألوانه على الملأ، ومن ناحية التكنيك فقد عمل على دمج أكثر من مادة بين مواد تقليدية كالحبر والورق اليدوي، وألوان الاكريليك، واعتمد تقنية ثلاثية الأبعاد أو الرسم المنظور الذي ينقل المشاهد بإحساس أنه داخل اللوحة.
قالوا عن أعماله
يقول الشاعر أدونيس عن اللون في أعمال دلول «وباللون يترحل زياد دَلّول نحو الأشياء وفيها. يتنقل بين مدارجها وطبقاتها، مستشرفاً مجهولاتها. لا تكتفي ألوانه بأن تحملَ أسئلَتها إلى الطبيعة، وإنما تحمل معها كذلك قلقَ البحث. وهو قلقٌ خاصٌ يبدو فيه كأن للحاسّةِ فكراً، وكأن للمادّةِ شعوراً. هكذا تبدو كأنها هي نفسها مسكونةٌ بأطيافٍ من طفولته، من الحقول التي كان يستسلم لأعشابها وروائحها وغيومها، من ذكرياته وآثارها، ومن محسوساتٍ أخرى متنوعة، إضافةً إلى مناخٍ يهيمن عليها وتحسّ كأنما يَنْسرِبُ منه الهواء والماء، النار والتراب. كأن لألوانه كينونةً مشخصة».
أما الناقد والمؤرخ الفني الفرنسي بيير كابان، فيقول حول تجربة دلول «يسعى دلول إلى أن يعطي لموضوعاته الأساسية - المنظر والطبيعة الصامتة وأحياناً الأشخاص، أي العالم الحي- ديمومة تطرد ما هو سردي للاحتفاظ بما هو بنيوي، ومن خلال التصاقه بالجزء يقترح سبر حيوية الكل. إن تصويره لا يروي حكاية، بل يحمل تخيلا آسرا، وهو غالبا يفتن أكثر مما يقلق. ويختصر الإنسان في ظهور عابر أو ظهور متوهم، والأمر سواء بالنسبة لمن ينظر إلى هذه الأعمال كما بالنسبة للمصور نفسه، فإن وجود اللوحة لا معنى له إلا إذا حضر الإنسان بصورة».