مهاجر سوري تعلّم القراءة والكتابة في بلجيكا
أحمد الحلبـي.. مسلم يبيع «عيد الميـلاد» للأوروبيين
بروج، مدينة بلجيكية - هولندية التاريخ والطابع، مدينة السياحة البلجيكية بامتياز، كونها «بندقية» الغرب الأوروبي، بقنواتها المائية العديدة، والتي تحيط المدينة كالسوار. وفي موسم أعياد الميلاد، تضيء المدينة أشجارها وتشعل بهجة سواقيها المائية بأفراح العيد، وسوقها الموسمية الشهيرة في كل عام، إذ تنتصب أكواخ الخشب في ساحتيها الرئيستين في وسط المدينة القديمة، وبين واجهات المباني الملونة والقديمة، لتصبح أكواخ الخشب الموزعة من قبل بلدية المدينة على التجار، محال للبيع كل حسب بضاعته، بين مأكولات وحلويات وقبعات فراء، ومحال متعددة متنوعة البضائع والأغراض، وفي منتصفها مرافق الترفيه للأطفال والكبار على حد سواء.
بين كل هذا الصخب وضجيج البهجة، وازدحام السياح المقبلين من كل مكان للمدينة الجميلة، يضيء كوخ من بين تلك الأكواخ بألوان العيد الصاخبة، كوخ يبيع متعلقات «الكريسماس» وعيد الميلاد، والشاب العشريني المسؤول عن كل هذا الترف اللوني المفرح في المدينة البلجيكية ـ الهولندية هو أحمد السيلم، القادم من حلب وقد تكثفت في جيناته براعة التاجر السوري المعتقة، وجاء إلى بروج، في سوق عيد الميلاد، لتتقطر الخبرة المتوارثة بضاعة عيد.
أحمد السيلم، حلبي عشريني، أتى بلجيكا أول مرة قبل ثلاثة أعوام تقريباً، وبذكاء فطري، ومن دون خلفية مسبقة، انضم إلى مدارس اللغة الهولندية، كونه يعيش في الشطر الهولندي من بلجيكا، وأتقنها بلهجة محببة تخلط بين إيقاع حلب في الحديث، واستعصاء المفردات الهولندية في النطق، فقربت الشاب المستجد في عالمه الجديد، من أهل البلد، ما لا يخفى على من يراقب علاقة «بائع العيد» الحلبي، بأقرانه تجار سوق العيد من بلجيكيين وهولنديين، رغم فارق السن أحيانا، ناهيك عن فارق الثقافات.
يقول أحمد «أنا مسلم، وهذه عقيدتي التي أؤمن بها، والتي تتقبل الآخر، لأن الله محبة»، مبررا تخصصه في بيع مستلزمات أعياد الميلاد، ويستطرد «أنا لا أتطلع إلى بضاعتي من زاوية دينية، ما دخل الدين؟ هي بضاعة فرح وبهجة»، يقول جملته الأخيرة ويحمل لعبة تجسم «بابا نويل» ناطق، يشغلها ويغني معها ويضحك.
وعن قدرته اللغوية في التواصل السهل مع أهل البلاد، يقول إنه لم يحظ بفرصة التعليم في سورية، بسبب الظروف الصعبة التي مر بها، وقد تيتم طفلاً، لكنه حمل حب التعلم الذي حرم منه في هجرته إلى بلجيكا، فانتهز فرص الدراسة التي تقدمها الدولة للقادمين الجدد، واستثمرها، ويعتبر أيام دراسته التي قطعها بسرعة وكفاءة أجمل أيامه، منوها بأنه أتى بلجيكا شبه أمي قراءة وكتابة باللغة العربية، لكنه يتقن قراءة وكتابة الهولندية، ناهيك عن التحدث بها، ويمزح في هذا الموضوع قائلا «لكنني لاأزال أحلم بالعربي، وبلهجة حلبية».
بائع العيد، أحمد، يملك من الصداقات التي تتميز بفارق العمر، ما يجعلنا نندهش أمام هذا الانفتاح مع غريب مقبل من الشرق الأوسط، خصوصا ان الفلامان، وهم سكان الشطر الهولندي من بلجيكا في العادة متحفظون ومحافظون أمام الأجانب، فتوجهنا الى روز فان ديري، وهي سيدة خمسينية من بلجيكا، لها محل ملابس مجاور لبائع العيد أحمد، وقد لاحظنا أنها تتعامل مع أحمد بود ودفء، وسألناها عن بائع العيد المقبل من الشرق، فضحكت للوصف، وقالت «على حد وصفك، فإن أحمد يمثل الجانب اللطيف من العولمة»، وتضيف «أحيانا كثيرة، يتأخر وقت الإغلاق في السوق، ولأن بيتي قريب من السوق، فإنني وعائلتي ندعو أحمد لتناول العشاء العائلي معنا، فهو محبب ولطيف، ندرك أنه لا يأكل بعض اللحوم، ولا يشرب الكحول، لكنه مهذب في امتناعه، ونحن نحبه». يتدخل «ميشيل»، وهو ممثل متقاعد من سكان بروج المحليين، ومن أصدقاء أحمد، رغم فارق السن الكبير، ليقول إنه شخصيا لا يرتاح للأجانب كثيراً، وهو في توجهاته السياسية «يميني»، لكنه ليس عنصريا، ويشير إلى أحمد ضاحكا، أن «هذا الشاب مثال لمن أرغب برؤيتهم من المهاجرين». في خضم الحديث، يكتظ السوق فجأة، وقد حل مساء العيد، لنجد بائع العيد الحلبي، يركض نحو دكانه الخشبي الصغير، وقد وقف أمامه زبائن أوروبيون، يبحثون عن العيد، فوجدوا بهجته البراقة في محل القادم من الشرق، يبيع العيد والبهجة.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news