«الشعب يريد».. «الربيــع العربي» يفرز فنّه
لله درك يا بوعزيزي..
حس إبداعي جديد فرض نفسه هذا العام منذ انطلاقة شرارة «الربيع العربي» ضد الأنظمة الديكتاتورية التي بدأت في تونس. فن جديد أخذ طابعاً شعبياً صناعه أناس فطريون لا علاقة لهم بالساحة الفنية. هذا النوع من الفنون نتاج تراكم في التجربة ولا يبحث عن قيمة يقف امامها النقاد كي يصنفوها. الحديث هنا ليس عن اغنية «أنا الشعب» لأم كلثوم، أو «وطني حبيبي الوطن الأكبر» لمحمد عبدالوهاب، و«لا يا مصر قومي وشدي الحيل» للشيخ إمام، فهؤلاء صدحت أغنياتهم في ميدان التحرير في القاهرة، وصدحت إلى جانبها اغنيات وليدة اللحظة أيضا، فحينما تساوي الكرامة الحياة وحينما تمتزج الدماء بأرض الوطن، لابد ان يخرج انين القلوب منتفضاً معبراً عن نشوة الخروج من الصمت إلى الحرية. والفن والموسيقى كانا من أحد الوسائل السلمية التي اعتمدها الأحرار وبدأت بثيمة «الشعب يريد».
قريباً من المكان
مصر أم الفنون الحديث عن نوعية الفنون التي انتجتها مصر يحتاج الى مجلدات وليس مساحة في صحيفة، لكن التطرق الى الأبرز انتشارا وليس قيمة يعالج الموقف، فحسب كاتبة السيناريو نادين شمس، فإن الفن خلال السنوات الماضية تم عزله في منصة وجمهور، وما يخلقه «الفن ميدان» هو «إعادة الاعتبار لدائرة التفاعل بين الجمهور الحقيقي وفنانيه، العزلة جعلت من الفن تعالياً واحتقاراً، والثورة أعادت للفنانين الأرض والفضاء»، وكان نموذج فرقة «كورال مشروع.. مشروع كورال» ، التي يقدم الى اللحظة شكاوى وأصوات المدينة الغائبة بشكل فني خلاق تفاعل معه الجمهور بشكل كبير كما أن رمزية ميدان عابدين، الذي يقع فيه القصر الجمهوري بها كثير من التحدي، فميدان التحرير شكل الميدان دعوة لخروج الناس مرة أخرى من البيوت وعدم متابعة الثورة عبر نقاشات النخب في برامج «التوك شو»، فالمدخل لتحريك الناس يحتاج إلى لغة ثانية غير الطريقة المباشرة، ومشاعر البسطاء قد يحركها مسرح الشارع أكثر من كلام السياسة، وبإلحاح التجربة والتسويق لها مثلاً عبر ميكرفون يمر في الحي حول فيه الثائرون ميدان التحرير وميادين مطالبة التغيير الى مولد شعبي الاحتفالية إلى مولد شعبي. ولن ينسى المصريون أيضا الفنان الذي اصبح الآن شعبيا من صعيد مصر اسمه حجازى متقال، الذى أتى إلى القاهرة مرددا أغنياته ومواويله فى قلب ميدان التحرير، عبرت فى الكثير من معانيها عن معاناة الشعب وحلمه فى التغيير، وعاد الطرب الأصيل يلف ويصح أروقة الدكاكين والمحال، ولعل الأشهر حاليا فرقة اسكندريلا التي تنتهج الصوفية في الأداء، وقدمت العديد، ومازالت، من الاغنيات التي تحمل طابعاً ليس الحلم بل تحقيقه. |
الطابع الفطري هو الذي يخيم على شكل الفنون الغنائية التي انتشرت عبر الإنترنت خصوصاً، ولكل ثورة طابعها الذي يتواكب مع المعطيات الموجودة، فالحناجر التي خرجت لطلب نظام معين بالرحيل هي نفسها الحناجر التي ارتأت الغناء وسيلة لنشر صوتها الى العالم، فهو إبداع وليد اللحظة يكتسب إيقاعه من نبض الحشود الثائرة، ومع ذلك هو أقرب الأشكال الإبداعية وصولاً إلي الوجدان، لأن ما ينبع من القلب يصل إلي القلب بسهولة.
ففي اليمن فرض الغناء نفسه على ساحات المدن اليمنية التي اصبحت منبرا للتعبير عن الرأي بأي شكل ولعل حضور الفن في الساحات كان في حدّ ذاته حدثاً «ثورياً» في بلد لا يتعامل مع الفن باعتباره جزءاً من حياته اليومية. منذ اندلاع الحركة الاحتجاجية في «فبراير» الماضي، تحولت ساحات الاعتصام فضاءً يزخر بمختلف الأنشطة الفنية. ومع حيادية مواقف المطربين المعروفين في اليمن تجاه الثورة ، انتقل هذا النوع من الفنون إلى خيم المعتصمين التي انتجت مواهب فنية كانت دفينة فيهم فظهرت فرق موسيقية جديدة فرضتها الثورة. كما شاركت فرق شهيرة، مثل «فرقة عدن المسرحية» بأعمال ناقدة، من قبيل «العجائز يشتوا يسقطوا النظام». وفي صنعاء برزت للمرة الأولى وجوه شابة، قدمت «اسكتشات» كوميدية وغنائية تنتقد النظام وتتهكم على رموزه. وضمن فعاليات ساحة التغييرفي صنعاء وفي ثاني ايام عيد الأضحى، تحديداً قدم الفنان محمد الأضرعي لوحات فنية تعبر عن موقف الشعب الثائر تجاه النظام.
حناجر اقتلعت
في ساحات الربيع العربي أصبح الفن بشكل فطري وعفوي لسان الحال والأحوال. في سورية التي مازالت انتفاضتها الشعبية مستمرة على الرغم من حجم القمع والقتل اليومي، ظهر العدد الأكبر من الأغنيات الشعبية والعفوية اليومية مقارنة بثورتي تونس ومصر. وكانت صدمة إنسانية كبيرة عندما قام عدد من «الشبيحة» بقتل واقتلاع حنجرة ابراهيم قاشوش الذي حمل لقب «بلبل الثورة»، وهو الذي ردد خلفه عشرات الآلاف من المحتجين أغيته «يلا ارحل يا بشار» التي زاد عليها المحتجون الأحياء كلمات جديدة مع الحفاظ على اللحن الأساسي، وانتشرت الأغنية على نطاق عربي واسع حتى أن الموالين للنظام غنوها لكن مع تغيير الكلمات التي صارت « يلا ابقى يا بشار».
في جولة حول الفنون التي انتجتها الثورة في سورية لا يمكن المرور مرور الكرام عن أول ردة فعل لكن هذه المرة لفنان مشهور وهو سميح شقير، فما أن بدأت الآليات العسكرية السورية تدخل مدينة درعا حتى انتفض شقير وقام بتأليف اغنية أطلق عليها اسم «يا حيف» وصدحت هذه الأغنية حتى في مساجد عدد من المدن السورية. ومن كلماتها:
يا حيف آخ ويا حيف
زخ رصاص على الناس العزّل
يا حيف
وأطفال بعمر الورد تعتقلن كيف
وأنت ابن بلادي تقتل بولادي
وظهرك للعادي وعليي هاجم بالسيف
يا حيف يا حيف
هذا للي صاير يا حيف.
ومن أشكال فنون الثورة ايضا في سورية ما تبتكره فرقة «القاظان» السوري التي تقدم الغناء الساخر من النظام، إضافة إلى فرقة «جين» التي أصدرت فيديو كليب عنوانه «يا ولدي» اعادت فيه تلحين قصيدة الشاعر التونسي آدم فتحي التي غنّاها الشيخ إمام، وأهدتها إليه. فكرة الكليب جاء على شكل الولد الذي يصارع الوحوش ويهدم الأسوار، وقلبه كما شرايينه تنبض حياة وشجاعة.
وأطلق مجموعة من شباب الثورة أيضا اغنية أسموها «اوبريت زمن الحرية» التي انتشرت في جميع المواقع الالكترونية وكلماتها تقول:
خلص زمن الطغيان
وبلش زمن الأحرار
والوطن العربى بيتغير
والأرض تولع نار
والشعب العربى يتحدى الموت
حتى ينول الحرية
يكفى ذل
يكفى سكوت
ايدى فى ايدك يا خي
الأردن أيضاً
بهدف التعبير عن هموم الشارع الأردني، ومشكلات المهمشين بطرق غير تقليدية، وإيصالها إلى المسؤولين، انطلقت فكرة «كورال الشعب» في العاصمة الأردنية عمان، مجتذبة شباباً وشابات اعتبروا «الكورال» تجربة فنية تستحق الانضمام إليه، خصوصاً أنه لا يتطلب من أعضائه أن يكونوا ذوي مواهب صوتية أو موسيقية، «كورال الشعب الأردني» أتى على منوال نظير له في العاصمة المصرية «كورال شكاوى القاهرة» الذي حقق نجاحات عدة، ونظم حفلات موسيقية في أنحاء متفرقة من العالم، تقوم فكرة الكورال على جمع شباب وشابات من أي خلفيات مجتمعية في ورشة عمل ليكتبوا ويلحنوا أغاني الكورال معاً، إذ إن هدفنا هو إيجاد مساحة للتعبير عن هموم الشعب الأردني بطرق فنية وإبداعية، ونعتزم من خلال الكورال أن نترجم كل الهموم والإشكالات التي تحفل بها الساحة، ونتمنى أن ينجح المشروع، وينتقل بعروضه الفنية إلى مدن عدة حول العالم.