2011 عـــام «نجــوم الــــواقع»
كثيرة هي استطلاعات الرأي أو عمليات الرصد التي قامت بها وسائل الإعلام المسموعة والمقروءة والمرئية حول أهم أحداث وشخصيات ،2011 لكن من بين كل هذه الاستطلاعات برز الاستطلاع الذي قامت به مجلة «لو فيغارو» الفرنسية، فرغم ان المجلة اتفقت مع وسائل إعلام اخرى في مختلف انحاء العالم في اختيار «الثائر» أو «المتظاهر العربي» شخصية عام ،2011 إلا أنها اختلفت في اختيارها الشخصيات التي وصفتها بالمجهولة في عام ،2010 قبل أن تصنع الحدث في ،2011 وتغيّر الكثير من تطورات المشهد السياسي والثقافي والاقتصادي والرياضي في مختلف البلدان، لتكون هذه الشخصيات هي موضوع استطلاعها، وقد كانت المجلة الفرنسية العريقة موفقة إلى أقصى حد في هذا الاختيار الذي يعبر عن جوهر أحداث ،2011 فقد يكون «الربيع العربي» أو «البحث عن الحرية» هو العنوان العريض الذي خطف أنظار العالم واهتمامه، ولكن من المؤكد انه ينطوي على قيمة أخرى أحيتها أحداث العام المنصرم وهي إحياء قيمة الانسان العادي باعتباره كياناً فاعلاً قادراً على إحداث التغيير في مجتمعه وبمحيطه الاقليمي والعالمي أيضا، واسترداد الفرد لقيمته وثقته في نفسه بعد أن ظل سنوات طويلة في العالم العربي، ومناطق أخرى من العالم، يعامل باعتباره رقماً بين أرقام أخرى. ففي 2011 نجح هذا الرقم في أن يقلب المعادلة على أنظمة ظنت وظن معها كثيرون أنها أكثر قوة وثباتاً من الشعب بأكمله، نجح شاب تونسي مجهول هو محمد البوعزيزي، بائع الخضار الذي قدم من أعماق الفقر من مدينة سيدي بوزيد، في أن يتحول إلى محرك للثورات العربية، بعدما تسببت حادثة انتحاره حرقاً في خروج التونسيين للشارع، وإطاحتهم بنظام زين العابدين بن علي، ثم انتقال عدوى الربيع العربي لبلدان أخرى، تمت فيها الإطاحة بأنظمة دكتاتورية، على غرار مبارك والقذافي، وتهديد عروش آخرين، ويحتل صدارة قائمة «لو فيغارو» لأبرز الشخصيات القادمة من المجهول لتحتل صدارة المشهد.
لم تنحصر القائمة في السياسة فقط، فتتبعت «جنود الظل» في مختلف المجالات لتبرز مساهماتهم التي أثرت في مجتمعهم، فضمت القائمة 50 شخصا يابانيا تمت تسميتهم بانتحاريي النووي، وهم الذين قاموا بمواجهة الإشعاعات الخطرة عقب التسونامي الذي ضرب اليابان، وتسبب في تسرّب مواد نووية خطرة، معرضين بذلك أنفسهم وحياتهم للخطر، في نموذج للتضحية والشجاعة يستحق الاحتفاء به، وتسليط الأضواء عليه وهو ما لم يحدث إلا قليلاً.
ولم تخل القائمة من طرافة تعكس ما قد يشهده الواقع من أحداث غريبة تفوق في بعض الأحيان ما يقدم في الأعمال الدرامية، وهو ما قد ينطبق على قصة نافيساتو ديالو، عاملة النظافة بفندق السوفيتال في نيويورك، والتي أطاحت بمدير صندوق النقد الدولي، دومنيك ستروس كان، المرشح سابقاً لخلافة ساركوزي في قصر الإليزيه، والذي انتهت أحلامه على يد هذه المرأة المجهولة في بداية شهر مايو ،2011 فسجلت اسمها ضمن أشهر شخصيات العام.
وعلى خلاف جميع وسائل الاعلام التي سلطت الضوء على الأمير وليام وعروسه كيت ميدلتون وعرسهما الذي أطلق عليه «زفاف القرن»، اختارت «لو فيغارو» في قائمتها فيليبا ميدلتون، شقيقة العروس كيت، لتضمها إلى قائمة الأشخاص المجهولين الذين خرجوا للضوء في ،2011 حيث استطاعت فيليبا ان تلفت أنظار المتابعين لمراسم الزفاف بأناقتها التي ابتعدت عن المغالاة، وجمالها وتناسق قوامها.
ولم تقف القائمة على أصحاب التأثير الإيجابي فقط، فضمت كذلك مرتكب مجزرة أوسلو، وهو من اليمين المتطرف، والذي قتل 77 شخصاً يوم 22 يوليو الماضي.
ومن الشخصيات التي أثارت جدلاً، اختارت المدونة المصرية علياء مهدي، التي نشرت صوراً عارية لها على الإنترنت كوسيلة للمطالبة بحرية المرأة العربية. ومن عالم الرياضة جاءت لاعبة كرة التنس الصينية لي نا، (29 سنة)، التي فازت بدورة رولاند غاروس، كأول آسيوية تحقق هذا الانجاز الذي تابعه 95 مليون صيني على الهواء مباشرة.
هذه القائمة قد تكون مبرراً لوسائل الاعلام العربية، خصوصاً الفضائيات لتدرك أن النجوم والنخب ليسوا دائماً صناع الأحداث ومحركيها، قد يكون لهم دور كبير في ذلك، لكنه ليس حكراً عليهم، وان الظل كثيراً ما يخفي جواهر إنسانية لابد لها أن تخرج للنور، وأن أضواء الكاميرات كثيراً ما تضفي بريقاً زائفاً على ما يتم تسليطها عليه، بينما يظل الجوهر خالياً مظلماً.