جدل مسرحي حـول «الربيع العربي»
تباينت وجهات نظر وآراء باحثين ومسرحيين في جلسة الحوار المفتوح التي عقدت، أول من أمس، ضمن ملتقى الشارقة التاسع للمسرح العربي، حول محور «الربيع العربي»، والمسرح وأية علاقة تربط بينهم، إذ توقع كثيرون أن «المسرح سيتغير تلقائياً كونه مرتبطاً بالواقع المحيط، لاسيما أن الثورات العربية أحدث تغييراً في كل مناحي الحياة، والمسرح أحد تلك المجالات»، فيما أكد آخرون أن «المسرح لن يتغير، لأن حقيقة الحراك العربي لا يمكن وصفها وتجسيدها في المسرح».
وخالف الباحث المغربي الدكتور حسن المنيعي، فكرة التغيير الذي يفترض أن يطال المسرح بعد الربيع العربي، قائلاً إن «المسرح هو الفرجة قبل كل شيء، إذ إن حقيقة ذلك الحراك لا يمكن وصفها في المسرح، وأن الابداع المسرحي لن يظهر في الربيع العربي إلا في حال مجموعات مثل الجمعيات النسوية أو العمالية التي بإمكانها الالتزام في العمل مع المسرح»، موضحاً أن «التغيير في المجال المسرحي لن ينعكس بصورة صحيحة إلا إذا اندرج تحت فئة المسرح الفعلي الذي يمتزج فيه الممثلون مع المتفرجين واشراكهم في المسرح».
خطر المؤسسة
ولفت المنيعي إلى أن «الخطر الذي يهدد هذا الفعل المسرحي هو المؤسسة الحكومية التي طالما تدخلت في المسرح من خلال تجويد وتجميل الفعل السياسي بما يخدم الحكومة، مثل تلك التأثيرات ظهرت بصورة واضحة في أوروبا وروسيا، إذ إن الحركات السياسية التي توجهها المؤسسة الحكومية استخدمت المسرح والفرجة في التأثير في المتلقي عبر استخدام الوسائط والتقنيات في المسرح».
وأكد المنيعي أن «المسرح يظل قادراً على تغيير أشياء رمزية تطال ما هو سائد ومسموح في العامة، من دون القدرة على التأثير الفعلي وإحداث تغيير في الفعل السياسي».
في المقابل، قال المخرج المسرحي الرشيد أحمد عيسى، إن «مسرحيي الوطن العربي لم يقدموا شيئاً، إذ اننا نتحدث وننظر أكثر مما نفعل، خصوصاً أن الواقع العربي يحتاج أن يغير نظرية العرض المسرحي، إذ أننا لانزال مسجونين في المسرح الأرسطي، والمسرح الحالي لا يستوعب هذا التغيير الواقعي الذي لا مفر منه». وأكد أهمية «الاهتمام بمسرح المقهورين ومسرح النكتة السياسية، لذلك لابد للمسرح أن يتغير من خلال إشراك المتفرج ليكون فاعلا في العمل المسرحي وليس مفعولا به ومتلقياً فقط». ولفت إلى أن «الواقع العربي والثورات طورت ليس فقط السياسية واحدثت تغييراً جذرياً بها، إنما أثرت في المجالات الاجتماعية كذلك، إذ ان التغيير يبدأ من الذات».
المسرح والثورة
اعترضت المخرجة المسرحية المصرية نورا أمين، على استخدام مصطلح «الربيع العربي» في التعاطي مع الحدث، وأكدت ضرورة استخدام المصطلح الحقيقي وهو الثورة، كونها لم تتحقق من دون إراقة «دماء الشهداء والفدائيين». وأكدت أن «المسرح ليس منفصلااً عن المجتمع، على اعتبار أن العاملين في المسرح بشر والفنان هو مواطن قبل أن يكون فناناً مسرحياً، لذلك هو في إشارة إلى المسرح قادر على احداث تغيير ليس عادياً، وإنما يكون جذرياً بما يتناسب مع الثورات العربية».
ولفتت نورا إلى أن «التجربة المصرية عكست تماسك المسرحيين مع أفراد الشعب الذين نزلوا إلى ميادين التحرير، واعتصموا، وواجهوا الغاز السام والقنابل والرصاص الحي وخراطيم المياه مثل بقية المعتصمين، وهذا يدل على أن المسرح ليس متأثراً بالثورة إنما هو صانع للثورة، لذلك يجب الانفتاح على أفكار المسرح وتحديداً الفعل المسرحي».
وقالت نورا إن «التغيير في المسرح سيكون تلقائياً في وجود الوعي الذي تغير تماماً عن ما كان عليه في السابق ومن دون تنظير، إذ إن المشاهد التي كانت تحصل في أثناء الثورات، والتي بثتها وسائل الإعلام كان لها أكبر الأثر في التغيير، لاسيما أن ميادين التحرير في دول الثورات ما هي إلا مسارح للفرجة المأساوية، وليست الفرجة الجمالية».
المسرح والتغيير
قال الباحث والمسرحي دكتور حميد علاوي، إن «المسرح مهم في احداث التغيير، إذ إن التيار اليساري اعتمد على المسرح كثيراً في أهم الثورات التي قامت على أيدي اليساريين، لاسيما أن المسرح يحمل رسالة حقيقية، يجب أن يعيها المسرحي قبل المتفرج، ويركز عليها، ليتمكن من ايصالها بالطريقة الصحيحة في التوقيت المطلوب».
ولفت إلى أن «الثورات التي تجتاح الدول العربية، واجتاحت قبلها دولاً أوروبية في السابق، كانت مرتبطة بالطبقة الوسطى والشعبية، وبما ان المسرح فن شعبي في المقام الأول، يستهدف ويلامس هموم الشعب، فإن الأخير يتأثر بالمسرح من خلال العروض التي يذهب لمشاهدتها ويتفاعل معها».
وأكد المسرحي محمد سيد أحمد مصطفى، أن «الفن كان ولايزال في حال صدام مع السلطة، لكن في وجود التغيرات السياسية والثورات العربية يمكن أن يتوافر المناخ الديمقراطي الحر للمسرح، إذ انكسر حاجز الخوف من السلطة والحكومة التي كانت تمارس القمع ولا خط رجعة من التغيير الذي لا مفر منه». ولفت إلى أنه من خلال المسرح يمكن ايصال رساله حقيقية واضحة ومباشرة، وهذا هو المكسب الأساسي، وبالتالي سيكون هناك تأثير في جماليات المسرح.
محاور
تناولت جلسات ملتقى الشارقة التاسع للمسرح العربي محاور عدة، منها مسارح عربية متنوعة في أفق التغيير، التي أشار خلالها الباحث والمسرحي الدكتور حميد علاوي، إلى أن «المسرح فن ملتصق أشد الالتصاق بالإنسان ومهتم كل الاهتمام بقضاياه الاجتماعية والإنسانية، فالمسرحية الجيدة لا جنسية لها ولا حدود لتأثيرها، بل يجد كل إنسان أنها تعبر عنه كل التعبير، وتشير إلى واقعه بإلحاح، فتمس جوانب من حياته، وتشخّص مشكلاته، وقد تدفعه إلى إيجاد الحلول المناسبة للمعضلات القائمة». وقال إن «المسرح، لا تقنعه تلك البطولات الممجدة للبطل القومي الخارق، وصار الفكر الفلسفي يطرح أسئلة جوهرية حول الإنسان ومصيره، والعواقب التي تترتب على صلفه وغروره، والنتائج التي يجنيها من سلوكه المتعجرف، وكان كل ذلك لا يسقط عنه رداء البطولة، ما دام هذا الإنسان يتميز بفضائل كثيرة كالذكاء والعفة والكبرياء، وهو ما عكسته التراجيديا اليونانية بامتياز». ولفت إلى أن «طبيعة المسرح هي معالجة القضايا الراهنة والآنية، والنظر إلى المستقبل واستشراف الغد، فهو فن التكثيف وتعدد الأبعاد الزمنية، فحينما نشاهد عرضا مسرحيا يقوم على نص يعود إلى العصر الأليزابيتي مثل (عطيل) أو (هاملت)، فإننا نشاهد على الخشبة عطيل وهو يصارع عواطف الغيرة وكأن ذلك يقع الآن، ونتابع هاملت وهو يجابه التردد، ويطرح إرادة الفعل طرحا لا يرتبط بزمن، بل يظل ذلك قائما ما بقيت الحياة». وتطرقت الكاتبة المسرحية رشا عبدالمنعم، إلى حركة المسرح المستقل في مصر ومسارات التغيير، من خلال عرض التيارات الفنية في المسرح المستقل، قائلة إن «أكثر ما يميز المسرح المستقل هو الثراء والتعدد الفني في تياراته وتوجهاته الفنية، إلا أن رصدا سريعا للتيارات الفنية السائدة في المسرح المستقل يوضح بطريقة غير مباشرة أسباب وجوده، إذ ان معظمها ينتمى إلى أنواع فنية غير مرحب بها في خطط إنتاج مسرح المؤسسة الرسمية، إلا بشكل موسمي في مهرجان المسرح التجريبي، بل وغير مرحب من المؤسسة النقدية التقليدية التي لاتزال حبيسة مقولات نقدية قديمة، مثل مسرح الجريدة والمسرح السردي والكباريه السياسي وعروض المسرح الجسدي والمسرح النسوي والكوميدي الديلارتي». واستعرضت عبدالمنعم بعض فرق حركة المسرح المستقل، منها فرقة أتيليه المسرح التي تأسست في كلية فنون جميلة عبر مجموعة من الطلبة، وهي فرقة معنية بالأساس بإعادة قراءة التاريخ المعاصر، ونقد الواقع من خلال كشف التباسات وزيف المقولات التاريخية في صيغة فنية أقرب إلى المسرح التسجيلي، مستخدمة شهادات المهمشين عن التاريخ، وفرقة الحركة وهي فرقة أسسها مجموعة من الفنانين، معنية بالنقد السياسي، مستخدمة الشكل الفني المدعو الكباريه السياسي في سخريته، والكوميديا ديلارتى بشكلها الكرنفالي، وفرقة المسحراتي التي أسستها مخرجة الفرقة عبير علي، وهي معنية بالبحث الشعبي واستقراء التاريخ من مصادره الشعبية، مثل حكايات البيوت المصرية، محققة في هموم المواطن الصغيرة الناتجة عن الاضطرابات الاجتماعية والسياسية، وسوء الأوضاع الاقتصادية، وذلك في شكل فني يعتمد على دمج العديد من صيغ التعبير الشعبي من حكى وغناء ونكات، إضافة إلى عروض المسرح الجسدي ذلك الحضور القوي للجسد هو ما يميز عروض الفرق المستقلة فرقة «ستوديو منصور» لمحمد فوزي التي تعمل على تفعيل شفرة الجسد من خلال عكس الانفعالات الداخلية وصراع الإنسان مع ذاته في تعبيرات فيزيقية مشحونة بالمعنى الذي يسهم في إنتاجه الجسد مع مفردات العرض الأخرى. |