الأطفال العرب شاركوا في تظاهرات الربيع والتغيير. أ.ب

الأطفال يرددون وراء التلفزيون: الشعب يريد

فوجئت «أم يارا» التي تبلغ ابنتها العام الخامس من عمرها، بأنها تقول لها إن معلمتها في المدرسة غير منصفة بين الطالبات، وتحب الفتيات الشقراوات أكثر من السمراوات؛ لتختم قصتها بـ«الشعب يريد إسقاط أبلة (س)»، والحال ليست بعيدة عن محمد المهيري الذي فوجئ بابنه الذي يبلغ من العمر ثلاثة أعوام ونصف العام وهو يدق الباب لايقاظه قائلا «يلا اطلع يا بابا»، على لحن «يلا ارحل». قصص كثيرة رصدتها «الإمارات اليوم» في استطلاع عشوائي حول تأثير نشرات الأخبار في الاطفال، فالأحداث التي تمر بها المنطقة العربية اصبحت تأخذ الحيز الأكبر من مشاهدات العائلة العربية، التي تنسى أحيانا وجود أطفال بينها. وتعلق «أم مؤنس» بأن «هناك أطفالاً في عمر ابني يقتلون، وقد سألني يوماً انه يريد أن يرفع العلم ويذهب لمشاركة الأطفال التظاهرة في سورية، وهو لم يكمل عامه السابع»، واتفق معظم المستطلعين على أن عبارة «زنقة زنقة.. دار دار» كانت أكثر الجمل رسوخا في حديث ابنائهم، وأن الثورات العربية، رغم محاسنها الوطنية، إلا انها ألغت عاماً من طفولة ابنائهم وبناتهم.

شاركنا الرأي: هل تشاهد تفاعلاً بين أبنائك بمختلف أعمارهم والأحداث السياسية في المنطقة العربية؟ ما هي طبيعة هذه التفاعلات؟ وهل أصبح الأبناء أكثر اهتماماً بالأخبار السياسية ويتناقشون بشأنها؟

«دار دار»

لم تنكر شهابة محمد، يمنية، ولديها أربعة أطفال، أنها لا تراعي وجود اطفالها الى جانبها وهي وزوجها يشاهدان النشرات الاخبارية التي وصفتها بـ«النشرات الدموية»، واضافت «مع أنني لاحظت أن ابنائي بلا استثناء يتأثرون كثيرا بما يشاهدون، خصوصاً اذا ما تعلق الامر بمقتل طفل يقارب عمرهم»، مضيفة «تعودت على أخذ قيلولة بعد الغذاء، لكنني استيقظت يوماً على صوت ابنائي، فذهبت مفزوعة لأراهم يلعبون لعبة سموها تظاهرة»، مشيرة الى أن ابنها الاصغر وعمره خمس سنوات يردد عبارة «زنقة زنقة.. دار دار، ويعتبرها مضحكة جداً».

في المقابل، قالت ميسون الواوي، فلسطينية، إن ابنها الذي يبلغ من العمر خمس سنوات وضعها في مواقف محرجة جدا، فعندما يرى أي شخص لديه شعر مجعد يقول «هذا يشبه زنقة زنقة دار دار»، مؤكدة «اتحمل جزءاً من المسؤولية، فأنا اعتديت على فترات برامجهم الترفيهية لمتابعة الأخبار».

أثر التلفزيون في الأطفال

التلفزيون يؤثر في الأشخاص أكثر حين يصور أشياء واقعية تتسم بالعنف وليست من شطحات الخيال، هذا ما ذهبت اليه دراسة حديثة أجراها الدكتور النفسي برنارد مكسفيلد، من جامعة كامبردج في إنكلترا، التي بدأها ببعض الأسئلة التي تتناول موضوع العنف لدى الأطفال، وتأثير التلفزيون في سلوكهم

ومن ضمن الأسئلة التي طرحها في دراسته: هل تؤثر مشاهدة العنف التي يعرضها التلفزيون في العالم في سلوك المشاهدين؟ وهل تكون آثارها أشد في مرحلة الطفولة والمراهقة؟

ويجيب الدكتور برنارد: إن الأطفال بعد مشاهدتهم برامج عنيفة يتعاملون مع بعضهم بخشونة، كما أن هناك علاقة واضحة بين ما يشاهدون من المسلسلات وأفلام العنف والسلوك العدواني للأطفال والمراهقين، وقد ثبت أخيراً أن بعض العنف الذي يصدر عن المراهقين يكون مقتبساً من المشاهد التي عرضت عليهم على شاشة التلفزيون.

تساؤلات

تساءلت «أم ظاعن»، إماراتية، كيف لها أن تبرر لولدها ما يسمعه ويشاهده من أن في سورية وفي اليمن وغيرهما من المناطق العربية التي تشهد ثورة التغيير أطفالا يقتلون من قبل بني جلدتهم؟ وقالت «أطفالنا تربوا على أن الذي يقتل الأطفال هم الصهاينة فقط، وموقفي الآن اصبح صعبا، فأضطر إلى أن أكذب عليهم وأقول لهم إن من يقتل الأطفال في سورية هم صهاينة أيضا، فلن يستوعب عقل طفلي الصغير أبداً أن سوريين يقتلون سوريين».

في المقابل، قالت ميرفت أحمد، مصرية، «بناتي الى اللحظة يحاسبنني لأنني لم آخذهن الى مصر وقت ثورة 25 يناير»، وأضافت «قبل الثورات العربية كنت اتحدث معهن عن الالعاب والحكايات والملابس، ومنذ اندلاع الثورة في مصر تحديدا اصبحن يتابعن الأخبار، رغم من ان ابنتي الكبرى عمرها 11 عاما والصغرى تسع سنوات»، وأضافت «الثورات العربية بكل جماليـتها ألغت سنة من طفولة بناتي التي كنت استمتع بها».

يريدون ويرددون

«اليوم نريد الغذاء خارجا، أو اليوم نريد ملوخية، أو العائلة بدها حرية» عبارات تتكرر في منزل فاتن البيك، سورية، حيث تأثير الاخبار صار واضحاً في سلوك ابنائها وفي مفرداتهم، «يشاهدونني ووالدهم نبكي كل يوم، ونحن نراقب ما يحدث في بلدنا، وننسى كثيراً ان اطفالنا يجلسون بيننا أو نتناسى كي يعرفوا الحقيقة مبكرا»، وأضافت «أصبحت الشعارات التي غناها القاشوش من الاغنيات المفضلة لديهـم، وتتساءل «لا اعرف ما إذا كان من الصـواب أن يجلسوا معنا، لكننا صدقاً لا نغير محــــطات الاخبار التي تنـــقل لنا المجريات أولاً بأول».

بدورها لفتت المعلمة «أم زايد»، اماراتية، تعمل في مدرسة بأبوظبي، إلى أن الاطفال مرآة لميول ذويهم السياسية، موضحة «الوضع في سورية مثلا جعلني اراقب ردات فعل الطلاب السوريين الذين ينقسمون بين مردد لشعارات ضد الرئيس بشار الأسد ومؤيد له»، واضافت «الشيء الحقيقي أن الاطفال بريئون من كل هذا، إذ يأتي طفل ما فيقول (يلا ارحل يا بشار) ويرد عليه آخر (الله سورية وبشار وبس)، وفي النهاية هم لا يتشاجرون، بل ينتظرون موعد الاستراحة ليلعب بعضهم مع بعض». وقالت «هذا المشهد كفيل بأن يتعظ منه من يعتقد نفسه رئيساً إلى الأبد».

أما منى خالد، ففوجئت بابنتها هديل التي لم تبلغ عامها السابع وهي تجهش بالبكاء شاكية من صديقاتها في الحديقة «أمي انهم يكرهون حمزة الخطيب»، فتسمرت منى في مكانها، وقالت لها: من أين عرفت حمزة؟ لتجيب الصغيرة «من التلفزيون»، مؤكدة «بات مُلحاً اليوم أن نراقب ما يعرض في النشرات الإخبارية، لما أصبحت تحويه من كمية عنف كبيرة على صغارنا، مع الحفاظ على ساعات مشاهدة أبنائنا لرسومهم الكرتونية المصورة، ولبرامجهم الخاصة».

الأكثر مشاركة