الثورة السورية تُزهر إبـداعاً جديد
«الربيع العربي» وثوراته خلق حالة ابداعية خاصة به لا تقل ثورية على الساحة الفنية العربية؛ فيوما بعد يوم يكشف «الربيع» عن بعض ثماره الإبداعية المميزة، والتي تتسم بسمات واضحة، من بينها الروح الشبابية المسيطرة عليها تماما، وتمردها على الصيغ الابداعية الشائعة والمناخ الإبداعي العام الذي ساد مجتمعاتها قبل الثورة. إلى جانب التصاقها الشديد بالشوارع والميادين وبالشعب بكل فئاته؛ فهي قريبة من حيث لهجتها العامية وكلماتها المستمدة من هتافات الثوار وآمالهم وأحلامهم. كما انها قريبة بموسيقاها البسيطة العصرية، بالنسبة للغناء، وغالبا ما تعتمد هذه الاغنيات على صوت المغني فقط دون موسيقى مصاحبة، واحيانا تكتفي بآلة موسيقية واحدة غالبا ما تكون العود.
لم تقتصر فنون «الربيع العربي» على الغناء والكاريكاتير، فعلى صعيد مقابل، وفي فضاء افتراضي؛ كانت الثورات العربية محفزا لإنتاج كثير من الأعمال والمواد التي تتأرجح في تصنيفها بين التوثيق والتهكم وفضح حقائق اغفلها الاعلام التقليدي، الرسمي والخاص، الداخلي والخارجي.
ولعل الثورة المصرية كانت صاحبة السبق في المزج بين الثورة والابداع، واستخلاص الطرفة والاغنية والكاريكاتير، وغيرها من فنون الابداع، من قلب المعاناة والتحدي. كما ابدعت الثورة السورية؛ بعدما اتجه السوريون المشاركون في التظاهرات للفن بأشكاله المختلفة ليعبروا من خلاله عن أفكارهم وآرائهم، ولينقلوا للخارج بعضا من الحقيقة الضائعة بين النشرات الإخبارية والتقارير اليومية. وبالطبع كانت مواقع التواصل الاجتماعي وسيلة ثوار سورية لاختراق الحصار الإعلامي المفروض عليهم في الداخل. ايضاً تشابهت الثورة السورية مع سابقتيها التونسية والمصرية في اعلان «قوائم العار» من الفنانين والاعلاميين الذي خرجوا من البداية ليتهموا الثوار بالعمالة والخيانة والتخريب.
رغم الاعداد المتزايدة من الشهداء الذين يتساقطون، والجرحى والمعتقلين؛ ظل للثورة السورية صوتها الذي يتغنى بالحلم والأمل في مستقبل تعلو فيه قيم الحرية والعدالة والحياة الكريمة، وتولد فيه شمس جديدة. ومنذ بدايات الثورة ظهرت حناجر تعبر عنها، واغنيات وأهازيج وشعارات مغناة مازالت تتردد حتى بعدما اقتلع «شبيحة النظام» حنجرة مغني الثورة ابراهيم قاشوش.
هكذا هو الفن الصادق، يخلق ليبقى. وفي وسط تظاهرات المحتجين المطالبين بإسقاط النظام، كانت حلقات الغناء وسيلتهم لرفع روحهم المعنوية وتدفئة قلوبهم في الليل البارد، وتصبرهم على فقدان أعزاء لهم.
أيضاً في الفضاء الالكتروني كانت ابتكارات الثورة السورية، التي انطلقت في 15 مارس الماضي، حاضرة بقوة على «فيس بوك» و«يوتيوب»، فيوميا هناك الجديد الذي ينتشر سريعا بين رواد المواقع الالكترونية، وهي تحيي الثورة والثوار، وتوثق ليوميات الثورة وتظاهراتها وأيام الجمع ذات العناوين المختلفة، وتجمع على شعار اسقاط النظام، من اجل حياة تسودها الديمقراطية والحرية والعدالة، وليس القمع والمعتقلات والقتل والترهيب. وقد ابدع الفنان السوري سميح شقير اغنيتين للثورة، اولاهما «يا حيف» التي سجلها في منزل وبأدوات بسيطة، وانتشرت الاغنية سريعا عبر الانترنت، تلتها اغنية «قربنا» التي يبشر فيها باقتراب موعد الشعب السوري مع الحرية.
ومن مقاطع الفيديو المنتشرة على «فيس بوك»، مقطع افتراضي يصور الاعلامي جورج قرداحي، الذي اعلن مبكرا انحيازه للنظام السوري، فوضعه الثوار على قائمة اعداء الثورة، وهو يستضيف الرئيس بشار الاسد في برنامجه الأشهر «من سيربح المليون». كما اصبحت الانترنت تزود يوميا بكثير من الاشرطة المصورة للتظاهرات ويوميات الثورة، وتصور مشاهد قتل متظاهرين، من بينهم اطفال. ولعل صور الطفل الشهيد حمزة الخطيب لايزال يتردد صداها في وجدان الناس، علاوة على مشاهد من حصار المدن والبلدات وقصفها، ومن بينها ما ظهر اخيرا عن قصف بلدتي الزبداني ومضايا في ريف دمشق وحصارهما. وكذلك مشاهد ضرب متظاهرين واطلاق رصاص عليهم في مناطق متعددة من سورية.
ومن غرائب الامور ان قناة «الدنيا» الموالية للنظام تتهم احدى القنوات الاخبارية بتحويل النشرة الجوية ودرجات الحرارة التي تعرضها إلى شفرات ورموز ذات دلالة للمتظاهرين ضد النظام. أما الأمر الأكثر غرابة في تقرير للقناة تمثل في تفسيره لخطة اللعب التي استخدمها أحد الفرق الرياضية في مباراة لكرة القدم اذيعت على احدى القنوات، بانها خطة لتهريب السلاح إلى داخل سورية لاستخدامه في زعزعة الأوضاع داخل الدولة. وتعليق أكثر طرافة ساقه التقرير حول اللقاء الذي اعلنت قناة «أي بي سي» الاميركية انها اجرته مع الرئيس السوري بشار الأسد، حيث قال التقرير ان الشخص الذي ظهر في اللقاء ليس بشار الاسد، لكنه شبيه له. كما ان شركة «والت ديزني» لم يستثنها التقرير «الغرائبي»، اذ يتهمها التقرير بانها ضالعة في «المؤامرة»، حسب وصف التقرير.
لكن رغم هذا، لاتزال الثورة السورية حاضرة بقوة في الميدان وفي الانترنت، وهي تواصل جذوتها وابداعها، ولايزال «الربيع العربي» يزهر بإبداع مختلف.