الشارقة توثق المسرح العربي
غياب التوثيق وأرشفة الأعمال المسرحية في الوطن العربي، أدى إلى ندوة المصادر والمراجع التي يمكن للباحث أو حتى الطالب المسرحي الرجوع إليها للتأكد من المعلومات، كما تسبب في سقوط تجارب وأعمال فنية مهمة، تعود إلى فنانين ومسرحيين أسهموا في إثراء الساحة الفنية، وأضافوا إلى الحراك الثقافي، وتحديداً الفن المسرحي، لذلك أطلقت مجموعة مسارح الشارقة موسوعة المسرح العربي، التي تعد الموسوعة الأولى والأشمل.
وتناولت موسوعة المسرح العربي التي أسهم في إعدادها 13 باحثاً من معظم أقطار الوطن العربي، جميع التجارب المسرحية في بلاد الشام والعراق والمسرح المصري والسوداني وتجارب دول الخليج العربي ودول المغرب العربي، وسيكون العمل الموسوعي رافداً معرفياً مهماً للمكتبة المسرحية العربية، ومرجعاً لكثير من الباحثين والدارسين والأكاديميين والمهتمين، خصوصاً أنها تسهم في دعم الحركة المسرحية العربية وتطويرها والمحافظة على مكانة المسرح والارتقاء بشروطه الموضوعية.
وقال مدير عام مجموعة مسارح الشارقة محمد حمدان بن جرش، إن «موسوعة المسرح العربي، خطوة أخرى من خطوات المجموعة في سبيل دعم المسرح، وتحديداً في جانبه التوثيقي، وتضع الموسوعة تاريخ المسرح في الوطن العربي بين يدي الباحثين والمسرحيين والطلبة والمهتمين، لاسيما أن لقاءنا مع الباحثين والمسرحيين الاماراتيين والعرب أكد أن التواصل بين المسرحيين مفقود، كما أن الشباب المسرحيين الجدد تنقصهم معرفة تاريخ المسرح العربي، والشخصيات الفنية التي أثرت في الحركة المسرحية في بلدانها بشكل خاص والوطن العربي بشكل عام».
ولفت بن جرش إلى أن «العمل الموسوعي عمل كبير، ويحتاج إلى تضافر الجهود لاسيما في غياب المعلومات والمراجع والمصادر، إلا أن المشروع يعد فعلاً حضارياً يحفظ المعلومات الفنية من الضياع، ويقدم للأجيال ثروة من المعارف والتجارب والخبرات، وهو مفتاح للراغبين في البحث عن التفاصيل وراء المعلومة والوصول إلى استنتاجات ضرورية في سياق التطور المعرفي لفن المسرح».
وأكد بن جرش أن «مسارح الشارقة لديها قناعة راسخة بأن الدور المعرفي في المسرح لا يقل أهمية عن العمل الإبداعي، إذ إن من الطبيعي أن يتم التطور على اساس تراكم التجارب، لاسيما أن أي فعل جديد، مهما كان بعيداً عن القديم أو بدا منفصلاً عنه، إلا أنه لا يمكن أن ينشق عنه أو لا ينطلق من قاعدته، لذلك فإن موسوعة المسرح العربي تمكن الباحثين والمهتمين من التزود بالمعرفة المسرحية».
رجل المسرح بكل المقاييس خصصت موسوعة المسرح العربي ملحقاً عن تجربة صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، وعلاقته بالمسرح، يرويها سموه بنفسه، قائلاً: «في نهاية ،1963 وبينما كنت طالباً في مدرسة دبي الثانوية، كنت أدير نادي الشعب الثقافي الرياضي في الشارقة، وكانت هناك خشبة مسرح أقيمت عليها أول مسرحية في أغسطس من العام ذاته، كما ألفت مسرحية (وكلاء صهيون) وأخرجتها، ولعبت فيها دورين رئيسين، وعرضت المسرحية في نهاية العام». ولخصت الموسوعة تجربة سموه في أربع نقاط، هي أنه كان من رواد المسرح في الامارات وقد مارس سموه فن المسرح بجميع مستوياته من تأليف وإخراج وتمثيل، إذ يمكن اعتباره رجل مسرح بكل المقاييس، كما أنه تناول قضايا أمته المصيرية في مسرحياته، ورغم إنه تولى مناصب كثيره إلا أنه لم ينشغل عن ممارسته للمسرح. |
موسوعة شاملة
في ضوء معاناة المسرح العربي، الذي تجاوز عمره 150 عاماً، من نقص شديد في المعلومات التي تتعلق بنشأته وتطوره ومفرداته كافة، سواء الكتاب أو الممثلين أو المخرجين أو حتى الفرق المسرحية والمهرجانات والأنشطة، انعكس ذلك على معرفة المسرح العربي الآخر، والاطلاع على دوره وحياته والذين أسسوا وأسهموا في تطويره، لذلك يمكن لقارئ الموسوعة الاطلاع على التجارب كافة وتوظيفها والاستفادة منها، إذ تقوم الموسوعة بعمل جسر يصل بين جميع التجارب المسرحية العربية.
ورصدت الموسوعة كل صغيرة وكبيرة في تاريخ المسرح في الوطن العربي، الذي ينمو ويتطور ويتجدد ويفاجئ المتابعين كل يوم بما هو مبدع وجديد، واعتمدت آلية الموسوعة على منهج تاريخي تسلسلي مع التأكيد على التفاصيل، والتركيز على المحطات المفصلية في تاريخ المسرح في كل الدول العربية، وذلك لتسهيل وصول المعلومة إلى أبعد حد، كما تجنبت الموسوعة كل تدخل نقدي، لاسيما أن مهمة العمل الموسوعي وضع المعطيات وعرضها كما حصلت في الواقع، وترك مهمة التحليل والنقد والتفسير للقارئ أو الناقد أو الباحث.
وحول ترتيب الدول في الموسوعة، قال بن جرش إن «العاملين في الموسوعة ارتأوا أن يكون تسلسل البلدان العربية تبعاً لأقدمية الفترة التي نشأ فيها المسرح، ثم حركة انتقاله إلى بلدان أخرى مجاورة له، وليس بحسب أهمية تجربة الدولة في المسرح أو حتى تطوره».
المسرح العربي
قال الباحث السوري الدكتور أكرم اليوسف، إن «الموسوعة رغم أنها خرجت بشكل صامت، إلا أنها بحسب وجهة نظري أحد أهم الانجازات التي حصلت في الحراك الثقافي منذ قرن ونصف، وذلك بعد جيل مسرح الرواد، إذ تعد الموسوعة رواية مسرحية ورحلة ممتعة في أدق تفاصيل المسرح، وهي ترسيخ لمفهوم التوثيق، وتحفظ ذكرى من قدموا حياتهم للمسرح من الضياع، وهي ستكون المرجع العربي الأول في مجال المسرح بالنسبة للأكاديميين والباحثين والطلاب العرب والأجانب في المعاهد المسرحية وكليات الآداب».
وأكد اليوسف أهمية الموسوعة، إذ إن «مجهود كثيرين من الذين أسهموا في المسرح ضاعت نتيجة قلة وندرة التوثيق، الأمر الذي أدى إلى قلة المعلومات، لاسيما أن الأرشفة والتوثيق غير متوافرين في كثير من الدول العربية، ومنها سورية التي تعد رائدة في مجال المسرح».
واقترح اليوسف أن تتحول الموسوعة إلى مؤسسة تنمو وتتكاثر لتحتوي كل مجالات المسرح، كما يجب أن تأخذ إدارة المسارح على عاتقها مسألة ترجمة الموسوعة إلى لغات عالمية، منها الفرنسية والروسية والانجليزية، وشدد على ضرورة إطلاق موقع إلكتروني خاص للموسوعة يكون باللغتين العربية والإنجليزية.
مرجع مهم
ذكر المخرج العراقي محمود أبوالعباس، أن «مجموعة مسارح الشارقة أتاحت الفرصة لي للمشاركة في هذا الجهد الأكاديمي المتميز، وستشكل هذه الموسوعة مرجعاً مهماً لمن يريد البحث في تاريخ المسرح العربي، وهي فكرة خلاقة سيكون لها أثرها في المستوى الأكاديمي العربي، لاسيما أنها واحدة من الخدمات الجليلة التي تقدم ليس للمسرح العربي وحده، وإنما أيضاً للمسرح العالمي، فهي تشكل بما تتوافر عليه من معلومات أرضية مهمة للتعرف إلى أبرز المحطات المسرحية وأبرز الرواد، وهي تسد النقص الحاصل في مجال المعلومة».
وقال أبوالعباس إن «هناك مشكلة واضحة قد تواجه كثيراً من الباحثين كما واجهتني شخصياً، تكمن في البحث عن المصادر والمراجع أثناء كتابتي الفصل الخاص بالعراق، فكل الأبحاث السابقة كانت تعطي الأولوية لأعمال المسرح العراقي، ولا تضيء بما يكفي على التجارب الأخرى، أو على ما أنجزته الفرق المسرحية».
وأيد الباحث السعودي عباس الحايك، زملاءه الباحثين في أن تاريخ المسرح عانى مشكلة قلة التوثيق والتأريخ وندرة الحصول على المعلومات، وقال: «من خلال كتابتي في تاريخ المسرح السعودي للموسوعة تعرفت إلى حجم مشكلة التوثيق في المملكة، إذ لا توجد مؤسسات معنية بالتوثيق، ولا يوجد أرشيف يمكن الرجوع إليه عند الحاجة، والركون عليه في التحقق من دقة المعلومات».
وتابع أن «هناك بعض الأشخاص الذين اهتموا بشكل فردي بهذه العملية، ويوجد لديهم أرشيف جيد عن المسرح السعودي، لاسيما في غياب الأرشيف الذي حرم كثيراً من الرواد والمسرحيين من عرض تجاربهم وتقدير أهميتها في الساحة الفنية وإثراء الحراك المسرحي».