الأغنية الوطنية.. روح جديدة

الفنان سميح شقير غنى للثورة السورية أغنيتين «يا حيف» و«قربنا». أرشيفية

من جديد؛ تعود «الأغنية الوطنية» إلى واجهة الساحة مرة أخرى، لتفرض نفسها بقوة على الشوارع والميادين والشاشات العربية، بعد أن فقدت عبر سنوات طويلة مضت الكثير من حضورها، لكنها مع ثورات «الربيع العربي» استعادت توهجها من جديد، واكتسبت ملامح روحها الجديدة.

كما كان «الربيع العربي» في بزوغه مختلفاً وغير متوقع، جاءت الأغاني الوطنية التي صاحبته مغايرة وفارقة في مجال صناعة الأغنية الوطنية في الوطن العربي. وقد مرت الأغنية الوطنية بمراحل متعددة، تمثل أغنيات الربيع العربي مرحلة فاصلة بينها.

مع انطلاق ثورتي تونس ومصر ظهرت على استحياء أغنيات شبابية من قلب الميادين والشوارع عبرت بكلمات بسيطة ومتداولة عن مطالبهم وأحلامهم وآلامهم وهم يضحون بأرواحهم وشبابهم من أجل حرية بلدانهم. وما ان نجحت الثورتان في إسقاط النظامين حتى انهمر سيل من الأغنيات التي تتغنى بالثورة والثوار والحرية، قام أصحابها بإعدادها على عجل، ليواكبوا الحدث، وجاء بعضها ضعيفاً ولم يصل إلى قوة التعبير عن الدم والغضب والتظاهرات في الشارع.

ورافق ذلك جدل حول من الأجدر بحمل لقب «صوت الثورة»، وتطرق الجدل إلى «قوائم عار» وضعت لفنانين معارضين للثورة في بدايتها، والذين أعلنوا مبكرا تأييدهم للانظمة المستبدة. ثم شاهدنا بعضهم يعود ليغني للثورة، وأيضاً حول التلون في مواقف فنانين أسهموا في السنوات الماضية في الاحتفالات الرسمية وغنوا للنظام، ثم عادوا ليعلنوا أنهم معارضون للنظام، لكن مع الوقت خفتت هذه الأصوات والجدل المصاحب لها، كما تراجعت موجة الأغاني الوطنية «التقليدية» ذات الصبغة الاحتفالية، واختفت سريعاً كما ظهرت سريعا، وانتهى الجدل حول «مطرب الثورة»، بعد أن انحازت الثورات إلى أبنائها الذين خرجوا من رحمها، وارتضت بهم نجومها ومطربيها.

أفرزت الثورة في تونس أغاني مثل «ريس البد» لحمادة بن عمور، و«شعبك احرار يا تونس» لنور التونسية، و«راجع يا بلادي»، وغيرها، كم أعادت الثورة في تونس أصواتاً موجودة منذ فترة إلى الواجهة مثل اولاد أبومخلوف بأغنياتها، مثل «الاوطان» و«تمطر تمطر»، وغيرهما. الأمر نفسه انطبق على الثورة المصرية التي أدارت ظهرها للأغاني التقليدية وقدمت تجارب شابة من قلب ميدان التحرير وأغنيات عرفت طريقها بسهولة إلى قلب الجمهور فاستقرت فيه وارتبطت بالثورة، مثل أغنية «يا بلادي يا بلادي»، لعزيز الشافعي ورامي جمال، و«صوت الحرية» لهاني عادل وامير عيد. وظهرت فرق مثل «كاريوكي» التي قدمت أغنية «مطلوب زعيم»، واغنية «يا الميدان» مع الفنانة عايدة الأيوبي التي عادت إلى الغناء من جديد مع الثورة المصرية بعد اعتزال استمر سنوات، وحديثاً اغنية «خراطيش» لفادي فريد. كما عادت أغنيات الشيخ إمام لتتصدر المشهد من جديد بعد ان توارت بفعل فاعل طويلاً.

وفي الثورة السورية، عبرت الأغاني عن الحلم بالحرية والحياة الكريمة والعدالة، كما عبرت عن روح الشهداء الذين قدموا أرواحهم فداء للحرية وغد أجمل لكل الشعب السوري. ومن بين الاغاني برزت أغنية «يا حيف» للفنان سميح شقير، التي استنكر فيها القتل الذي تعرض له أهالي مدينة درعا في بداية الثورة الشعبية، كما أنجز شقير أغنية ثانية بعنوان «قربنا» التي تعبر عن التفاؤل باقتراب موعد الشعب مع الحرية. ولاتزال أغاني وأهازيج الثورة السورية تتردد في المدن والارياف والبوادي، ويظهر اسم الشهيد إبراهيم قاشوس الذي انتزع «شبيحة» النظام حنجرته لأنه غنى للثورة.

من ناحية ثانية، وفي نظرة أكثر عمومية، تبرز العديد من نواحي الخلل التي اعترت الأغنية الوطنية العربية في السنوات الأخيرة، قبل الثورات، من أهمها ابتعاد بعضها عن صوت القومية العربية والوحدة، وتحول بعضها إلى «صنعة» أكثر منها أغنية مشاعر، وهو ما يرجع إلى ارتباط هذه الأغنيات بمناسبات رسمية.

هناك أيضاً انتقادات للأغنية الوطنية في منطقة الخليج بتخلفها عن واحدة من أهم الرسائل التي يجب ان تقوم بها، وهي تعزيز مشاعر المواطنة، بحسب الشاعر السعودي عبدالرحمن الشمري في الحلقة الماضية من برنامج «المغاني» الذي يقدمه الإعلامي عارف عمر، والتي ناقشت «الأغنية الوطنية.. الواقع والمأمول».

وأشار الشمري إلى توقف حدود الفخر في الأغنية الوطنية بماضيها عند بداية عصر الإسلام. وأضاف «مع العلم أن تاريخ العرب في شبه الجزيرة العربية قديم وعريق ويمتد إلى ما قبل الإسلام، ولاحقاً تم تفريغ العقل العربي من مفهوم القومية، ليملأه الأصوليون بأفكارهم المتطرفة، وفي ظل ذلك الفراغ نما الولاء للقبيلة أو للمنطقة أو للفئة، أي تم الانتقال من الولاء للدائرة الكبيرة المتمثلة بالدولة إلى الولاء لدوائر أصغر». ولفت إلى أن ارتباط الأغنية الوطنية بحدث أو قضية مهمة يزيد من تأثيرها، مثل الاغنيات التي تقدم خلال المعارك من شأنها أن تعزز وتقوي الانتماء لدى الإنسان، وترفع من درجة شعوره بوطنيته.

بينما أكدت عضو لجنة المحتوى بهيئة أبوظبي للثقافة والتراث، الدكتورة ميثاء الهاملي، خلال النقاش، أهمية ألا تستغل المناسبات الوطنية للتربح أو للكسب. وقالت «من يحب وطنه لا ينتظر منحة أو أعطية». وأشارت إلى أن أسماء كبيرة في ساحة الشعر وقعوا في هذا المأزق وكتبوا أغاني وطنية، لكن كلماتها لم تكن سوى حشو. كما أوضحت ان لجنة المحتوى في هيئة أبوظبي للثقافة لا تسمح بنشر أي قصيدة، أو بث أي أغنية، إلا إذا كانت في مستوى راقٍ، وكم من القصائد الوطنية المكتوبة والمغناة التي ترفضها اللجنة لعدم ارتقائها إلى مستوى الوطن، كلمات وألحاناً.

تويتر