عبدالحميد أحمد: الفنون الموسيقية أكثر قدرة على اجتــــذاب شرائح متباينة من الجمهور

«أوبرا بكين».. تختـزل تاريخها في دبي

«أوبرا بكين» عزفت مقطوعات موسيقية شديدة التنوع بعيداً عن الإفراط التقليدي للفنون الأوبرالية. تصوير: دينيس مالاري

كل شيء كان أشبه بالنتائج المختزلة في الحفل الموسيقي الذي أحيته الفرقة السيمفونية لأوبرا بكين الوطنية، أول من أمس، في مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية. 90 دقيقة اختزلت تراثاً موسيقياً مرتبطاً بالفرقة العريقة الذي يزيد عمرها على 60 عاماً، فضلاً عن عراقة الفنون الأوبرالية الصينية وتنوعها، مروراً وليس انتهاء بطفلة سورية في عامها الخامس تدعى (شام)، خطت بخطوات الكبار الواثقة على خشبة المسرح، لتقدم باقات ورود حمراء إلى العازفين المهرة، عقب انتهاء الحفل.

الفرقة الموسيقية التي توقع الحضور أن يطول عزفها لساعات أطول بدت شاغلة لخشبة المسرح كاملة، رغم أنها اختزلت حضورها لتقتصر على عازفي الآلات الوترية، مستغنية بشكل استثنائي عن ضاربي الطبول، ونافخي الأبواق النحاسية، التي تشتهر بها الفنون الموسيقية الصينية. تقليص عدد أفراد الفرقة لم يقف عائقاً أمام تقديمها لمقطوعات على درجة كبيرة من التميز، وبدت المعزوفات كسرديات تنسج تواصلها مع متلقين، استثمروا الفواصل الزمنية البسيطة بين كل مقطوعة وأخرى للتعبير عن تماهيهم معها بتصفيق تناغمت تقاطعاته مع ختام كل منها.

نقد الذات

يوم واحد هو الفاصل الزمني بين الاحتفال الذي أحيته فرقة أوبرا بكين، أول من أمس، في دبي، واحتفال آخر مماثل ستحييه الفرقة ذاتها في أبوظبي اليوم بالتعاون مع مركز سلطان بن زايد للثقافة والإعلام، ليبدو الحدث بمثابة توثيق لسعي مؤسسة «العويس» إلى إقامة جسور ثقافية تربط جمهور فعالياتها بثقافات مختلفة عبر لغة الفنون، فقد استضافت المؤسسة منذ فترة وجيزة عدداً من الفنانين التشكيليين وصانعي الخزف، والمطربين ومؤدي الرقصات الشعبية والأفلام وغيرها، عبر أسبوع أطلقت عليه «أسبوع الثقافة الصينية».

في المقابل طغى الوجه الصيني بملامحه المميزة على حضور الحفل، ولفت تواصل عدد لا بأس به منهم مع مثقفين ووسائل إعلام عربية باللغة العربية، كل حسب لهجة تعلمها في بلدها، فقد أشار شاب صيني في سياق حديثه لـ«الإمارت اليوم» باللهجة الشامية إلى أنه قدم إلى الدولة فقط منذ شهرين للعمل في قسم المسلمين الجدد بوزارة الأوقاف، قبل أن يدافع عن وجهة نظره التي ترى تقارباً ملحوظاً بين الموسيقى الأوبرالية في الصين وطابعها العربي، راداً ذلك إلى تأثير قومية الهوغو، التي تشبعت بالتقاليد الموسيقية الشائعة في تركيا، وتأثير الأخيرة في الموسيقى العربية.

وتزامناً مع احتفالات «العويس» باليوبيل الفضي لتأسيسها، كشف الأمين العام للمؤسسة عبدالحميد أحمد، أن هناك جملة من الفعاليات المرتبطة بالمناسبة، لكنه لم يقر فكرة أن المؤسسة العريقة بصدد مرحلة جديدة في سجل مشاركتها الفاعلة في الشأن الثقافي، مضيفاً: «تضاعفت الفعاليات الثقافية التي تحتضنها المؤسسة بشكل لافت في السنوات الأخيرة، وأصبحت تجمع ما بين معياري الكم والكيف، وهي نتائج من ثمار سياسة نقد الذات التي تمثل نهجاً ثابتاً في سياق التعاطي مع ما يتحقق وما لا يتحقق، وهي سياسة سنحافظ عليها من أجل مزيد من المكتسبات في المرحلة المقبلة».

الأمين العام لمؤسسة «العويس الثقافية» عبدالحميد أحمد برر لـ«الإمارات اليوم» الاهتمام بالتراث الموسيقي العالمي، بأن «الموسيقى أبعد أثراً وأوسع قدرة على اجتذاب شرائح متباينة من الجمهور، فضلاً عن قدرتها الهائلة على مد جسور من التواصل بين الثقافات المختلفة، من خلال لغة عالمية مفهومة للجميع يقودها الإيقاع، وليس الحرف».

وعلى الرغم من أن الإقبال الجماهيري على الحدث كاد أن يمتلئ معه تماماً مسرح «العويس» إلا أن الأمين العام للمؤسسة أكد أن «الفعاليات المرتبطة بالجاليات المختلفة لاتزال تلقى زهداً غير متوائم مع أهميتها من قبل أبناء تلك الجاليات أنفسهم». واعتبر عبدالحميد أحمد أن نجاح المؤسسة في أداء دورها يتعلق من وجهة نظره بشقين أحدهما هو القدرة على استضافة فعاليات مهمة، ليس على الصعيدين المحلي والعربي فقط، بل على المستوى العالمي أيضاً، فضلاً عن مدى قدرة تلك الفعاليات على اجتذاب الجمهور، الذي يبقى الضلع الأهم في سياق العمل الثقافي عموماً والإبداعي بشكل خاص.

وصلات وترية

مستعينة بمجموعة «الكونترباص»، و«التشيلو» لتعويض غياب الطبول والأبواق النحاسية التي تم الاستغناء عنها من أجل ترشيد أعداد القادمين من بكين إلى دبي، قدمت الفرقة مجموعة مقطوعات وترية كانت على التوالي: «أجواء ورقصات قديمة: وصلة موسيقية للوتريات» لربسبيجي، ومقطوعة «أغنية الصين القديمة: الليلة العظيمة» لليو تيان هوا، ومقطوعة «ساربها السعيدة» لزانج شوشينج، ومقطوعة «ربيع إقليم كيسنج جيان» لماياوهوي لي زونجهان، ومقطوعة «تنويرات رقم 18» للسوبرانو لبريتن. وقدمت عازفة السوبرانو مقطوعة وطني جميل» لزينج كيوفينج، ومقطوعة أغنية فولكلورية من إقليم كسينج جيان بعنوان «كأس من النبيذ» لوانج لوبين. وقدم التينور لي شوانغ مقطوعة «آه يا شمسي» لإدواردو دي كابوا ، ومقطوعة «لن ينام أحد» لجياكومو ا بو تشيني . ثم قدم الثنائي قوه شانغ و لي شوانغ (دويتو) مقطوعة «هذا أنا» لزياو جوانج وجو جيافنفين، ومقطوعة «دعوة للشراب» لفيردي.

تعاون

تعد أوبرا بكين المركزية التي تأسست عام 1952 وهي دار الأوبرا الوطنية التابعة لوزارة الثقافة الصينية، إحدى أهم دور الأوبرا في الصين التي تمتاز بنتاج فني مثمر ومهارة فنية بارزة يذيع صيتها حتى منطقة آسيا - الباسيفيك. وتتكون دار الأوبرا المركزية من فرقة الأوبرا وفرقة الكورس والأوركسترا السيمفونية ومركز تصميم وإنتاج ديكور المسرح. وبفضل الجهود الدؤوبة التي تبذلها أجيال من الفنانين على مدى أكثر من نصف قرن قامت دار الأوبرا المركزية بأداء سلسلة من الأوبرات العالمية الشهيرة التي تجوب العالم.

ويعد هذا الحفل واحدة من ثمار مسيرة التعاون الثقافي المشترك بين مؤسسة العويس الثقافية ووزارة الثقافة في جمهورية الصين الشعبية، إذ نظمت مؤسسة العويس في بكين خلال النصف الثاني من عام 2011 جولات ميدانية في عدد من المؤسسات الصينية تم خلالها التعريف بنماذج من الثقافة العربية والتعريف ببعض جوانب الثقافة الإماراتية، كما نظمت جملة أنشطة صينية في دبي كان أبرزها أسبوع ثقافي صيني اشتمل على التشكيل والندوات الفكرية والعروض الموسيقية والغنائية والسينمائية، وغيرها من فنون المنمنمات والطهي والمشغولات اليدوية.

تويتر