«دبي للشعر الشعبي».. في حضـــــرة القصيدة
شهد سمو الشيخ أحمد بن محمد بن راشد آل مكتوم، أول من أمس، الأمسية الأولى لملتقى دبي للشعر الشعبي في دورته الـ ،11 التي تقام برعاية سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي رئيس المجلس التنفيذي، في قاعة راشد بمركز دبي التجاري العالمي، وأحياها الشعراء علي بن سالم الكعبي وسعد علوش ولافي الغيداني.
وقام سموه في ختام الأمسية بتكريم الشعراء الثلاثة المشاركين، مشيداً بتنوع تجاربهم الشعرية، على نحو جعل الأمسية الافتتاحية بمثابة انطلاقة مثالية لملتقى دبي للشعر الشعبي، الذي يمتد حتى الرابع من شهر فبراير الجاري. وقبيل بدء الأمسية بدت قاعة راشد بمثابة منصة مثالية للأمسية الافتتاحية، من خلال مسرح تم إعداده خصيصاً ليواكب هذا الحدث الذي تعول عليه الأوساط الشعرية الشغوفة بالقصيدة النبطية، في الكشف عن نخبة من القصائد التي تنسجم مع الحراك الدائم للقصيدة النبطية، منذ انطلاق الملتقى قبل أكثر من عقد من الزمان، حيث شكل المسرح لوحة مرئية جمالية، مقدمةً بصريةً لجماليات إيقاع الشعر الشعبي، حيث احتفى الديكور بإبراز خصائص التراث المعماري الإماراتي من خلال محاكاة القيم الجمالية التي تزخر بها القلاع والحصون والمعمار التقليدي.
وجاءت مشاركات الشعراء بمثابة بانوراما متنوعة من حيث المبنى والمعنى الشعريين، سواء من خلال التنقل بين العديد من الأغراض الشعرية التي تلونت من الوصف إلى المدح والفخر والغزل، من خلال صور جاء الكثير منها زاخراً بروح الحداثة والجدة، أو من خلال الأوزان والقوالب الشعرية التي أضفت مزيداً من التنوع، تجاوز اللون الشعري الذاتي لكل شاعر، لنجد تنويعات جاءت كشفاً آنياً لكل قصيدة على حدة، بل إن هذا التنويع تجاوز أحياناً وحدة القصيدة، التي شهدت مزجاً نادراً بين موضوعات مختلفة، وتنقلاً سلساً بين المغرق في الذاتية، إلى الأكثر عمومية على صعيد تجارب الشعراء.
وأجاد مقدم الحفل تشويق الحضور لفارس الأمسية الأول، عندما أشار إلى أن الشاعر المنتظر هو «من الرجال الذين رافقوا المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، متحلياً بمَلَكة شعرية تجمع ما بين الإبداع، والثقة، والأصالة، والجزالة»، فردد الجمهور: إنه الشاعر الإماراتي علي بن سالم الكعبي. استلام الكعبي لميكروفون الشعر جاء مصحوباً بتصفيق جعله يرتجل الشعر ناقلاً تحية شعراء الأمسية الثلاثة لراعي الملتقى سمو الشيخ حمدان بن محمد، وأخيه سمو الشيخ أحمد بن محمد، الذي حرص على حضور الأمسية الافتتاحية، قبل أن يضم في تحيته الشعرية الارتجالية كل الحضور.
«هذاك هو حمدان»
استهل الكعبي رحلة البوح الشعري من على منصة «الملتقى» بقصيدة أهداها إلى سمو الشيخ حمدان بن محمد، بعنوان «هذاك هو حمدان» جاء في مطلعها :
للقاف بفرش من كفوفي مناديل
وابني قصيدة جاتني في وعدها
لعيون بوراشد وحمدان بالحيل
اشيوخ عز والكرامة مددها
ومني استمع يا سامع الجيل تفصيل
وانظر بروق الساريات ورعدها
واحسب غبار الخيل من مولد الخيل
لين الخيول اللي نبيك صعدها
واتبع مواطئ الخيل ميل ورى ميل
للروم لارض الاندلس واعتمدها
ثم وجه المنظار وستكشف الليل
شوف النيازك يوم ربك وقدها
ثم ينصح الشاعر بأن يتم دمج مقدار هذه النجوم، وقدرتها الاستثنائية على نشر الضياء، فضلاً عن سمو مقامها، وتفردها، ليصل إلى النتيجة الشعرية التي أرادها في أبيات حملت عنوان القصيد :
هذاك هو حمدان غيث المخاييل
رمز المراجل والمكارم حصدها
عانق سحاب الجو وأصبح هماليل
وكفه كما سيل السحايب هددها
عدى على الجوزاء ونال المحاصيل
أعلى مقامات الكرامة وجدها
تجاوب الجمهور مع القصيد كان حاضراً وملموساً، لاسيما عندما يتعلق الأمر بإحدى الجماليات اللفظية، أو الصور الشعرية المبتكرة، وهو ما تجلى عندما ألقى :
الـ«حم» والـ«دان» اللتقت به حلاحيل
توحدت باسمه وجهده جهدها
التطرق السلس من أمجاد ولي عهد دبي، إلى الأصل القريب لتلك الأمجاد، من خلال والده صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، جاء تلقائياً وغير متكلف، بفضل التضمين الشعري لأشهر أبيات أبي الطيب المتنبي، حيث استكمل الكعبي:
محمد المكتوم يا قصر زعبيل
ننشدك من شيد صروح وعمدها
للناس انجازات ما هو بتقليل
وأمجاد ابو راشد وحدها وحدها
أسس حضارة وتضوي الكون قنديل
والغرب عنه ما تخفى حسدها
«السيف والقرطاس والخيل والليل»
له شاهده.. والبيد تشهد بعدها
وعلى الرغم من أن ترتيب الإلقاء قد جاء من خلال إلقاء كل شاعر لقصيدة وحيدة، يُسمح بعدها للشاعرين الآخرين لإلقاء قصيدة مماثلة لكل منهما، إلا أن الكعبي حافظ على ترابط موضوعي بين القصائد الملقاة، لينتقل بعد أن تطرق إلى بعض خصال حاكم دبي وولي عهد دبي، إلى دبي ذاتها، من خلال قصيدة «بنت البحر»، التي قارب فيها بين أمجاد الإمارة وأمجاد حاكمها:
يا دبي يا بنت البحر والقصايد
يا شامخة وقفت على الساحل ابراج
كن النجوم بصدر ليلك قلايد
كن القمر متعلق بهامتك تاج
لك مجد ماضي ومجد حاضر وعايد
ولك مجد تحكيه المراكب للامواج
الكعبي الذي استطرد في نخبة متنوعة من جديد إبداعه، شهد إلقاؤه تفاعلاً واضحاً مع الجمهور بشكل خاص في ما يتعلق بقصيدة «قصايده تشبهه»، حيث أجاد في اجتذاب المتلقي في إبحارها منذ مطلعها، من خلال بدئها بشهادة ذاتية من خلال ضمير المتكلم:
انا اشهد أن القصيد الجزل رجال
له شوفته وقفته وصيته وسيره
قبل أن يتطرق لموازنة بين خصال سمو الشيخ حمدان بن محمد الكريمة، وخصال قصائده العذبة ذات المعاني الثرية، وفي حين لبّى الكعبي رغبات الجمهور الملحة دائماً بالوقوف عند بعض جديد غزلياته، صار الشاعر الكويتي، سعد علوش على المنوال نفسه، حيث جمعت أمسيات ملتقى دبي للشعر الشعبي بينه وبين الشاعر محمد بن الذيب، في أمسيات لاتزال حاضرة في أذهان جمهور الملتقى، ما جعله يبدأ مشاركته بلمسة وفاء أحالت إلى بن الذيب، قبل أن ينتقل علوش إلى الكشف عن جديده، من خلال أبيات جاءت صادمة لجمهور ظل مترقباً لثوانٍ، لجماليات التفسير والاستدراك، في ما تلاها من أبيات، ليكشف عن خصوبة في المخيلة، وتجديد في استهلال القصيدة النبطية، وقدرة على إثارة مخيلة الحضور:
محمد بن راشد اكبر مشكلة
دخّل شعوب المنطقة في مقارنات
المسألة ما هي شعار، المسألة
زرع الريادة في النفوس وفي الذوات
والمرجلة ما هي شعار، المرجلة
تفكر الحاكم في اصغر الامنيات
ليشرح علوش في قصيدة تالية مذهبه الشعري في أنه لا يوالي القادة وأصحابالهمم العالية حينما يمدحهم، بل انه ينتصر بشعره لأولئك الذين يستحقون المديح، بل ربما يتطرق إلى هجاء من يستحق الهجاء، ضارباً مثالاً شعرياً بهجائه للاعب كرة شهير، وصفه بالمغرور الذي غيّره بريق الشهرة:
يا أظلم الناس ما نقصت تقديري
أنا لو تهين نفسك معاي.. ما اهينك
لكن المقارنة التي أثارت آهات الجمهور وإعجابهم ارتبطت بإلقائه:
أنا بيخلد التاريخ تفكيري
ولا انت بيخلد التاريخ وجولك
لكن علوش حقق وصالاً أكبر مع الجمهور بتطرقه إلى قصيدة غزلية ناشد فيها الحبيب هجرانه، والتخلي عن عذاباته بهدوء، بعد أن تحول إلى «رجل مصنوع من ذكريات» على حد تعبيره الشعري، ليتطرق بعدها إلى قصيدة اكتست ملامح الحداثة ونمط الشعر الحر في القصيدة الفصيحة، وهو تجديد بدا واضحاً في القصيدة النبطية، بعنوان «الصباح ورائحة مسحوق النظافة»:
أنا محتاج جداً للسخافة
ارهقت نفسي تفاصيلي الكليفة
أحفظ التاريخ واحلم بالخلافة
لا أنا بن ثاني ولا أنا بن خليفة
قبل أن يخاطب الجمهور بخفة ظل:
ابعدوا عني الصحافة
أصغر الشعراء أكبر من اكبر صحيفة
ذكر الصحافة كان حاضراً أيضاً عند الشاعر السعودي لافي الغيداني، الذي تطرق أيضاً لجانب من غزلياته، بعد أن عبر عن سعادته باستضافته الأولى في الأمسية، موجهاً الجمهور، بابتسامة، أن يستعد للتحليق في سماء الشعر، مستهلاً بقصيدة عبر فيها عن مشاعره تجاه تلك الإمارة التي تظلل القصيدة النبطية بملتقاها، إلى جانب الكثير من الدرر الفريدة:
يا دبي من الفؤاد اللي صفا النية اشعاره
يا سلام الله سلام منه ما لذ به بريه
لي منباعه من اقصى القلب وبشوق وحرارة
مثل ما يحتر دم الرجل في وجه الخطية
يا بلاد الخير وبلاد التطور والحضارة
والرضا والامن ومجاد التاريخ اليعربية
لك زاير وانا كلي فخر في ذا الزيارة
من بلاد الحرمين وعالية نجد العذية