فنان لم يكشف عن هويته أبدع في التصميم والتوثيق
طوابع بريدية تمجّد الثورة السورية
في «الربيع العربي» منذ شرارة جسد البوعزيزي في تونس حتى دم طفل في سورية، مروراً بالثورات في مصر وليبيا واليمن، ظل الإبداع توأماً لصرخة الحرية، ومعبراً عن تضحيات الشعوب وإرادتها وصمودها، وراصداً لأحداث الثورة، ومعززاً للأمل بالتغيير في سبيل الحرية والكرامة والعدالة. وفي الثورة السورية، منذ انطلاقتها في 15 مارس من العام الماضي، برزت ظواهر فنية متعددة الأشكال، من بينها الاغنية والشعارات المغناة والكاريكاتير والشعر والكتابة على الجدران او ما يسمى فن «غرافيتي»، ولم تخلُ الثورة من إبداع طرائف ايضاً، على الرغم من القتل والتعذيب والتشريد والتجويع والحصار، وما يزيد على 6000 شهيد وآلاف الجرحى والمعتقلين.
واذا كانت صور الهواتف المتحركة، والتقارير المصورة لقنوات تلفزيونية، تمكن صحافيون فيها من التسلل الى سورية، توثق جوانب من حراك الدم والحرية، فإن الثورة لم تتوقف عن اجتراح اشكال جديدة، لم تظهر في الثورات التونسية والمصرية والليبية واليمنية، إذ اختار فنان سوري، لم يكشف عن هويته لدواع أمنية، تصميم طوابع بريدية تعد توثيقاً لأحداث الثورة، وتكريماً لأماكن وبلدات ومدن وشخصيات مؤثرة فيها. ففي الأول من يناير الماضي ظهرت على موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك» صفحة «طوابع من الثورة السورية» تضم حتى الآن 76 طابع بريد، كان أولها للشهيد الطفل حمزة الخطيب، أحد ايقونات الثورة، وهو من بلدة الجيزة في محافظة درعا، تعرض للتعذيب والقتل على أيدي قوات الأمن السورية في مايو من العام الماضي. وجاء أحدث طابع بريد للطالبة الجامعية بهراء حجازي التي لاتزال معتقلة لدى أمن النظام منذ الثاني من فبراير الجاري، وهي ابنة الروائي عبدالنبي حجازي، وتدرس في كلية الفنون الجميلة.
مصمم «طوابع الثورة» ومحرر الصفحة أكد أهمية رصد احداث الثورة وتوثيقها في طوابع صغيرة، يبلغ مقاس الواحد منها 1.5 سنتيمتر عرضاً، و2.5 سنتيمتر طولاً. وكتب الفنان على الصفحة توصيفا للطوابع البريدية التي يصممها، انها «أصغر الوثائق التي تكرم أشخاصا ومدناً أثّروا بشكل كبير ولافت في مجريات الثورة السورية»، إذ تضمنت مجموعة الطوابع أسماء وصور شخصيات في مختلف الميادين الحياتية والإبداعية، وكذلك صور أماكن وأحداث مؤثرة، من بينها مجزرة كرم الزيتون، واللاجئون السوريون في تركيا، والجيش السوري الحر، وجمعة معتقلي الثورة، وتلفزيون المشرق، والذكرى الثلاثون لمجزرة حماة، وتجمع فناني سورية من اجل الحرية، والفيتو المزدوج الروسي والصيني في مجلس الأمن، وجمعة الدولة المدنية، ووسائل الإعلام، إضافة إلى تحية إلى تونس الحرة.
ولم ينسَ الفنان «عيد الحب»، لكن بصيغة مختلفة، اذ كتب «عيد الحب يوم 14 (فبراير): لا للطائفية، لا للقتل، لا للاعتقال، لا للتشبيح، لا للحياد»، مضيفاً «قريباً سيسقط النظام رسمياً. سوريّة وردة حمراء مُخضبة بالدّم والنبض والحرية».
للإطلاع على الموضوع كاملا يرجى الضغط على هذا الرابط. |
كما كتب عن الثورة بوصفها بركاناً في جبل قاسيون «أُحيط بركان قاسيون بالاساطير والاماكن المقدسة، حيث تشير بعضها الى انه في سفحه الادنى كان يسكن آدم أبوالبشر، وفي أعلاه قتل قابيل أخاه هابيل، وبقي لون الدم على صفحة الصخرة التي قُتل عليها هابيل ظاهراً بادياً». وأضاف الفنان، الذي لم يكشف عن هويته، عن صبر الشعب السوري على حكم حزب البعث أربعة عقود من القهر والاضطهاد، الى ان هبت ثورة الحرية، «لقد بقي بركان قاسيون خامداً منذ 22 شباط (فبراير) ،1971 وفي شهر آذار (مارس) 2011 بدأت سلسلة من الانفجارات المتوسطة والضعيفة تحدث فيه. وبعد مرور 11 شهرا من هذه النشاطات، يتوقع ان يصل الانفجار ذروته».
وجاءت الطوابع البريدية للثورة مواكبة لمعاناة الشعب السوري ونضاله وإصراره على نيل حريته، وتضمنت الطوابع أسماء أماكن ومدن وصور ذات دلالات، من بينها حمص وكفرنبل والخالدية وجامع العمري في درعا وساحة العاصي في حماة وإدلب والزبداني وباب توما وعامودا.
واختار الفنان في هذه الطوابع صوراً من التظاهرات والشعارات التي تطالب بإسقاط النظام، وأخرى بمثابة صرخات استغاثة.
وفي طابع كتب عليه «يسوع المسيح» تضمن صورة لتظاهرة أطفال، أحدهم يرفع لافتة كتبت عليها مقولة المسيح «دعوا الأطفال يأتون إليّ، إني لمثل هؤلاء أتيت»، وتحت هذه العبارة كتبت على اللافتة صرخة من أطفال سورية «ونحن نذبح كل يوم».
وذكر الفنان السوري مصمم الطوابع ان «الطابع الثوري ضريبة تعود للخزينة العامة، وتحدد قيمتها من قبل الشعب السوري»، في إشارة الى ان هذه الطوابع التي أبدع الفنان في تصميمها جمالياً ومحتوى، ستكون مصدراً للتوثيق من جهة، ومصدراً لتعزيز بناء وطن جديد.
وكان الفنان أدخل في تصاميمه الأولى علم سورية الحالي، لكنه استبدله بعلم الاستقلال الذي يرفعه الثوار في التظاهرات، بعدما تحول إلى رمز لوطن حر.
وجاءت الطوابع تكريما لشخصيات ثقافية وسياسية وعسكرية وطلابية مؤثرة في مسار الثورة، منهم فنان الكاريكاتير علي فرزات الذي كسر «شبيحة» النظام السوري اصابعه، والمناضل مشعل تمو والفنانة فدوى سليمان والفنان سميح شقير والفنان ابراهيم قاشوش الذي انتزع رجال النظام حنجرته، وباولو ديل أوغيلو، والفنان جلال الطويل، والموسيقار مالك جندلي الذي ألّف سيمفونية عن الشهيد قاشوش، والطفلة عفاف سراقبي، والفنان محمد عمران، والكاتب ياسين الحاج صالح والفنان فارس الحلو، والمخرج عمر أميرالاي، والشاعر نزار قباني، والصحافي الفرنسي شهيد الحرية جيل جاكيه، والفنان التشكيلي اسماعيل الرفاعي الذي يكتب سلسلة من النصوص بعنوان «الطفل عند منعطف النعر»، يتناول فيها سيرة الثورة والأمكنة، وباسيليوس نصار، والشاعرة هالا محمد، والضابط حسين هرموش، والفنانة مي سكاف، والفنان الأخوان ملص، والمدونة طل الملوحي.
وتعد الطوابع البريدية للثورة السورية فكرة جديدة تضاف الى ابداعات «الربيع العربي»، وعلى الرغم من المقاس الصغير للطوابع، إلا أن أهميتها كبيرة في التوثيق، وفي تعزيز روح الثورة المبدعة.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news