سفاري جنوب إفريقيا.. أُسود زاهـدة في لحم زوّارها

تمثل الحياة البرية في الغابات المفتوحة حجر الزاوية في عوامل الجذب السياحي لجنوب إفريقيا، فبوسع زائريها تحقيق الحلم والعودة بالزمن إلى الوراء لمعايشة حياة الإنسان الأول، من خلال الاقتراب بشدة من الأسود والنمور والأفيال والجاموس الوحشي ووحيد القرن، حتى إن عشاق السفاري من نزلاء فنادق منتجع «سابي ساند جيم ريزيرف» يقفون أمام هذه الحيوانات التي تُسمى بالخمسة الكبار وجهاً لوجه، ويقع هذا المنتجع داخل حديقة كروغر الوطنية، وهي أكبر وأشهر حديقة عامة في جنوب إفريقيا. وربما كانت مظاهر الخطر تمثل في الوقت نفسه مبعثاً للتشويق والإحساس بروح المغامرة بالنسبة للقادم إلى السفاري في جنوب إفريقيا، الذي عليه أن يلزم الحذر الشديد في هذه المناطق، فربما كانت رحلة السفاري هذه هي الأولى والأخيرة بالنسبة له جراء انقضاض بالقدمين الأماميتين أو عضة في العنق من أنياب هذه الوحوش الضارية التي لا يفصلها عن الزوّار سوى بضعة أمتار.

وعندما تستقل سيارة «اللاندروفر» مكشوفة لتستطلع المكان المبهر، تبدو كأنك وجبة طعام موضوعة على متن السيارة، لكن لحسن الحظ فإن ملك الحيوانات ليس لديه شهية، إذ تراه مستلقياً في هدوء وسكينة أسفل إحدى شجرات منتجع سابي ساند جيم ريزيرف، الذي شهد تطور سياحة السفاري في جنوب إفريقيا منذ ما يزيد على 60 عاماً.

في ذلك الحين كان هناك 14 من ملاك الأراضي والضيعات في جنوب افريقيا يعتمدون على رحلات السفاري بغرض التصوير بدلاً من رحلات السفاري بغرض الصيد، وكان من بين رواد رحلات السفاري وليم كامبل المعروف ببارون السكر، الذي يُعدّ معسكره المعروف باسم «مالا مالا» أول محمية طبيعية خاصة للحيوانات في جنوب افريقيا، وكذا عائلة «لوندولوزي والبايلس»، التي تمتلك فندق «سينغيتا لودجس».

ويقول مدير الفندق مارك ويتني «في البداية كان يجب على الزائر أن يبدي امتنانه لوجود سرير رديء وطعام متوسط المستوى، لكن مع حلول عقد الثمانينات أصبحت الإقامة في تلك الفنادق مريحة بشكل أكبر».

نسور في الهواء

منذ عقد التسعينات يوجد في منتجع «سابي ساند جيم ريزيرف»، الواقع على الحافة الجنوب غربية لحديقة كروغر الوطنية التي أنشئت في عام ،1926 منازل تشبه الفنادق الفاخرة الصغيرة، وتقع الفنادق وسط الغابة، حيث كثيراً ما يرى نزلاؤها القرود وأفراس النهر والتماسيح والأفيال، غير أن مقدار الخطر يكون على أشده بالنسبة لنزيل هذه الفنادق داخل الغابة من دون مساعدة مرشدي الغابة والخبراء المختصين في تحليل أثر الحيوانات.

وأثناء جولة السفاري الأولى التي يقوم بها مجموعة من السياح، بعد مغيب الشمس بين المناظر الرائعة في محمية «سينغيتا» الطبيعية، وقعت عيونهم على نسور تحلق في الهواء، الأمر الذي أثار ذعر الزائرين، وهنا يطمئنهم المرشد المرافق الذي يحمل بندقية لأية طوارئ، بأن هذه النسور لا تنتظرنا، فلا داعي للخوف، كما أن محمية «سينغيت»ا لم يسجل بها أي حالة لقتل حيوان بإطلاق نار عليه.

تحليل سلوك الحيوانات

يتسم المرشدون في هذه الغابات بالقدرة على قراءة وتحليل سلوك وإشارات الحيوانات، وبسرعة بطيئة تسير سيارة «اللاند روفر» التي يقودها أحد المرشدين وتقل ستة من مبتدئي السفاري المبهورين، وتصل السيارة إلى قطيع من الأفيال ثم تسير على بعد أمتار قليلة من حيوان وحيد القرن، وتنطلق لتقترب من قطيع من الجاموس الوحشي، ثم تمر بمجموعة من أفراس النهر تسبح، وينعم زائرو المكان بالاقتراب من هذه الحيوانات على نحو لا يحدث في حدائق الحيوانات التقليدية.

وتتيح مثل هذه الجولات عبر الأدغال معايشة الجو الحقيقي لرحلات السفاري، كما تتيح لهم مشاهد نادرة ربما لن يرونها في أي مكان آخر كأن تقع أعينهم على اثنين من الأسود خلال عملية التزاوج، حتى إن مرشد الرحلة صارح مرافقيه، قائلاً «وأنا أيضاً أرى مثل هذا المشهد لأول مرة».

وتقترب السيارة من الأسدين أكثر حتى تقف على مسافة لا تتجاوز الخمسة الأمتار، ورغم هدير أصوات التقاط الصور عبر كاميرات التصوير للزوار الفضوليين، فإن الأسدين لم يدعا هذه الجلبة تفسد عليهما هذه اللحظات الحميمية.

وأوضح المرشد للزائرين أنه على الرغم من أن السيارة التي تقلهم مفتوحة إلا أنهم آمنون «فالحيوانات تشمّ رائحتنا وتسمعنا، وتدرك وجودنا داخل السيارة، بيد أن تلك الحيوانات لا تميزنا بوصفنا آدميين، لكنها ترانا مجرد صندوق كبير لا يشكل مصدر خطر عليها». ومع غروب الشمس توقف المرشد عند منطقة خالية من الأشجار، ومدد مائدة صغيرة على مقدمة «اللاند روفر» ودعا الحضور لمشاركته. ومع حلول الظلام تزداد أصوات الحيوانات علواً، ويسمع السياح بشكل أكثر وضوحاً زئير الأسود، وصراخ القرود والفيلة، وأصوات الطيور ما بين تغريد ونعيق، وفي هذا الجو يصبح كل حفيف مصدر فزع لأفراد المجموعة، لكن لحسن الحظ فإن جو الجماعة يضفي جواً من الهدوء على زائري الأدغال. ونظراً لأن الفندق الصغير غير محاط بأسوار حماية، فعلى المرء الحذر والتزام المرافقين، فالقطط الكبيرة والحيوانات الضخمة نادراً ما يكون مجيؤها للزيارة، وتقول مرشدة من فندق «ليبمبو لودج» بحديقة كروغر الواقع على حدود موزمبيق إن «حماراً وحشياً عندنا اقتحم الفندق ذات مرة خلال فراره من أسد سقط في حمام السباحة».

الأكثر مشاركة