مسرحية تقدم خلال «أيام الشارقة» المقبلة

«زهـرة مهرة».. جرأة تتجاوز «الواسطة»

مروان عبدالله يؤدي دور «كعبوس» في المسرحية. تصوير: أسامة أبوغانم

بثلاث شخصيات فقط، تثير مسرحية «زهرة مهرة» الكثير من القضايا الاجتماعية، وتلج مناطق، ربما يراها البعض «كشفاً للمستور» وتجاوزاً لخطوط حمراء، إذ تتصارع في العمل «أرملتان» على الفوز بمنحة بيت شعبي حكومية، والمنحة يفترض أن تصرف لمن تنطبق عليهم الشروط، ما لم تتدخل «الواسطة» في تحديد مسار تلك الهبة، لذا تحاول «الأرملتان» «زهرة» و«مهرة» كسب ودّ الموظف المسؤول «كعبوس» بكل السبل، وتحمل نهاية المسرحية مفاجآت غير متوقعة.

تدور أحداث المسرحية التي تجري بروفاتها حالياً على خشبة معهد الشارقة للفنون المسرحية، وتعرض بشكل رسمي في مهرجان أيام الشارقة المسرحية، التي تنطلق في 18 من الشهر الجاري، تدور في أحد المجتمعات الخليجية، وفضل مخرج العمل أحمد الأنصاري عدم تحديده، فيما حافظ على اللهجة الإماراتية حواراً للشخصيات، ما دفع كثيرين ممن شاهدوا البروفات التي حضرتها أيضا لجنة اختيار الأعمال المشاركة في المسابقة المصاحبة لـ«أيام الشارقة المسرحية»، إلى رد تفاصيل أحداث المسرحية إلى المجتمعات الخليجية، وتحديداً الإماراتي، لاسيما في وجود منح كثيرة تقدمها الحكومة، خصوصاً للفئات المحتاجة والمتعسرة.

انعدام ثقة

قال الفنان الإماراتي مخرج مسرحية «زهرة مهرة»، أحمد الأنصاري، إن «المسرح يعاني بشدة، في ظل غياب الدعم المالي والمعنوي، إذ إن الفرق المسرحية فقيرة مالياً، ولا يوجد رعاة يسدون احتياجاتها، خصوصاً في ظل اشكالية عدم وجود مواسم مسرحية، وارتباط العروض بالأعياد والمهرجانات والمناسبات فقط»، مشيراً إلى انعدام ثقة بعض المسؤولين بالمسرح المحلي «لذا لا يوجد دعم او حتى ترويج للمسرحيات المحلية، حتى إن كان لديها جمهورها ومحبوها، بينما العمل المقبل من خارج الدولة يلاقي الترحيب والترويج والدعم اللامحدود». وشدد الأنصاري على أهمية استرجاع ثقة المسؤولين بالمسرح والترويج لهم بشكل جيد، إضافة إلى اخراج التوصيات والمقترحات من الأدراج والعمل بها، بهدف النهوض بالمسرح الإماراتي الذي بات ينافس في المهرجانات العربية، ويفوز بالجوائز.

مفارقات

مخرج المسرحية أحمد الأنصاري رأى أن الواقع المكاني لـ«زهرة مهرة» لم يحدد، لأن أحداث العمل لا تمس المجتمع الإماراتي، ولا تدور في محيطه، وإن كانت ظروف وتفاصيل العمل ترجح ذلك، إلا أن السينوغرافيا المستخدمة في المسرحية وأزياء الفنانين الثلاثة كانت مبهمة وبعيده كل البعد عن المجتمع الإماراتي، مضيفاً لـ«الإمارات اليوم» أن «اللهجة الإماراتية التي قد تدل على أن مكان العمل هو المجتمع المحلي، يمكن تبريرها بأنها لهجة الفنانين الأصلية، على اعتبار أنهم ممثلون إماراتيون، ومن المستحيل الاستعانة بلهجة أخرى، فالممثل المغربي يتكلم لهجته أثناء أداء دوره، وإن كانت المسرحية التي يشارك فيها تتحدث عن مجتمع آخر، وينطبق الأمر كذلك على مسرحية (زهرة مهرة)».

ووصف الأنصاري طرح المسرحية بأنه «مختلف من الناحية الفنية، والنص مكتوب بطريقة جيدة، ويمكن من خلالهما استفزاز أي مجتمع تنتشر فيه القضايا التي أثيرت في المسرحية، منها الواسطة، والعزاب، وضياع الحقوق، والجديد في العمل هو اختزال وتكثيف الشخصيات بحيث تمت الاستعانة بثلاثة ممثلين فقط ليؤدوا أدوار المسرحية، على اعتبار أن العمل هو ممثل جيد وليس فقط مخرجاً، و50٪ من العمل كان يعتمد على أداء الممثل، لذلك تم اختيار أسماء متميزة في المجال المسرحي».

وتابع أن «المسرحية تعد كوميديا سوداء، تعتمد على مبدأ المضحك المبكي في الوقت نفسه، إذ يقدم الفنانون الثلاثة مفارقات لا نستطيع أن نكشفها حالياً لأن العمل سيعرض في مهرجان أيام الشارقة المسرحية، وقد تمس تلك المفارقات المشاعر الإنسانية لدى المتفرج».

وحول التجاوزات قال الأنصاري إن «البروفات شهدت خروجاً عن النص، واسترسالاً في الحديث، وتحديداً في مشاهد تبادل السباب والشتائم ومحاولات الإغراء، إلا أنها لم تصل إلى خدش الحياء أو الفجاجة، إلا أن العمل سيتدارك تلك الهفوات والحماسة الزائدة التي ظهرت على الممثلين، خصوصاً أنهم يقدمون عملاً وأحاسيس تفوق عمل 60 ممثلاً».

حرب قدور

تبدأ المسرحية بمشهد شبيه بحرب القدور المنزلية المتطايرة، وصراع نساء لا يخلو من السباب والشتائم المتبادلة بين الأطراف المتعاركة، ليجد المتفرج نفسه حائراً في تحديد هوية الأصوات النسائية، وماهية العلاقة التي تربط صاحباتها، خصوصاً في وجود بقعة ضوء مسلطة على رجل مستلقٍ بهدوء وسط القدور والأواني المتناثرة والمتطايرة على مقربة منه، وكأنه اعتاد المشهد.

وما أن يضاء المسرح حتى تتبين للمتفرج شخصيتا السيدتين اللتين كانتا تتبادلان الشتائم بلهجة إماراتية، إذ يظهر الفنان ابراهيم سالم في دور الأرملة المسنة مهرة، والفنان جمال السميطي في دور الأرملة الشابة زهرة، والفنان الشاب مروان عبدالله صالح في دور كعبوس مندوب الحكومة، الذي يفترض أن يقدم تقريراً حقيقياً عن منزل كل من الأرملتين، وبيان مدى استحقاقهما لمنح البيوت الشعبية.

طرح مختلف

العمل لا يخلو من جرأة الفكرة والطرح، لاسيما في وجود مشاهد وألفاظ وإيحاءات تجاوزت، ما يعتبره البعض خطوطاً حمراء، من خلال محاولة الأرملتين كسب ود مندوب الحكومة (كعبوس) على اعتبار أن مصيرهما بيده، وفي التقرير الذي يفترض أن يكتبه من دون تدخل ميوله ورغباته فيه، إلا ان المندوب يعمل على ابتزاز الأرملتين وإقحام التقرير في مسائل شخصية تربطهما ببعضهما البعض، فالأرملة الشابة تسعى إلى إغرائه بشبابها لدرجة أنها تعتزم الزواج به بمجرد حصولها على منحة بيت الحكومة، أما الثانية فكونها مسنة تستغل ضعفها، وقلة حيلتها فتحرص على استعطافه بالبكاء والنواح.

ولأن موظف الحكومة استغل طبيعة عمله ونسي المهام التي كان من الواجب ان يؤديها، صار يوزع بيوت الحكومة على كل من هب ودب، وليس للمحتاجين، إنما لمن يلبون له رغباته، ويسدون احتياجاته، باختلاف انواعها، وتحديداً النساء، فلم يتبقّ سوى منزل حكومي واحد طلب من المندوب أن يوقع على الأكثر استحقاقاً من الأرملتين المتبقيتين (زهرة ومهرة)، اللتين طرقتا جميع الأبواب من أجل الحصول على سكن حكومي.

وتكشف مشاهد المسرحية عن قضايا اجتماعية خطيرة، منها هجران عائلات لمنازلها بعد حصولها على المنح السكنية، وتأجيرها للعزاب، وما يمكن أن يتبع ذلك من انتشار الجرائم، وأهمها الاغتصاب والسرقة، إضافة إلى قضية الواسطة التي تلعب دورا كبيرا في تحديد مصائر المحتاجين، خصوصاً عندما تمنح صلاحيات لموظفين غير كفوئين، فيستغلونها ويقفون حاجزاً أمام مصالح الناس.

تويتر