جمهور كبير ازدحم في أمسيته ضمن « طـــيران الإمارات للآداب»
البرغوثي: أنا أكبر مـن إسرائيل بـ 4 سنوات
![](https://www.emaratalyoum.com/polopoly_fs/1.466910.1462560118!/image/image.jpg)
البرغوثي في أمسية جمعت بين الشعر والحوار الإنساني. تصوير: باتريك كاستيلو
لا يمكن اختزال الأمسية الشعرية والجلسة الحوارية التي استضاف فيها مهرجان طيران الإمارات للآداب الشاعر الفلسطيني مريد البرغوثي، في المنطقة التراثية في فندق «انتركونتننتال» أول من أمس، كل شيء كان مهيأ ليتجاوز الحدث إطاريه المكاني والزماني، والذي امتد نحو 90 دقيقة، لمصلحة الانفتاح على عوالم كثيرة يحملها الشاعر في داخله خارج حدود وطنه السليب.
طابور من البشر يصطفون لحضور أمسيته، وحرارة جو دبي تنخفض على نحو يبعث إلى الاحتماء بعيداً عن المنطقة المكشوفة التي استضافت الحدث، لكن الحضور الكثيف على غير المعتاد في المناسبات الشعرية تمسك بقرار الحضور، ليبدأ مدير الجلسة، الإعلامي والكاتب المصري ناصر عراق، بسرد محادثة دارت بينه وبين البرغوثي الذي أجابه عن سؤال حول عمره، قائلاً: «أنا أكبر من إسرائيل بأربع سنوات».
هذه الإجابة في حقيقتها تفصح عن أحد جوانب شاعر الأمسية الذي جمع في صفوف جمهوره جمهوراً تجاوز حدود اللغة والثقافة المتمايزة، لمصلحة ثقافة إنسانية أكثر اتساعاً، فالبرغوثي الفلسطيني العربي كان معظم حضوره في هذه الأمسية من غير الناطقين بالعربية، أو على الأقل معظمهم اصبحت الانجليزية هي لغة تعاطيه اليومي، وتذوقه الأدبي.
وحصد البرغوثي توحداً ملحوظاً، صاحبه تصفيق حاد أثناء قراءته لقصيدته «لا مشكلة لدي»، سواء بصوته شخصياً للجمهور العربي، أو عبر المترجم باللغة الانجليزية، لاسيما عندما وصل إلى مقطعها الأخير:
أتلمس أحوالي منذ وُلدتُ إلى اليوم
وفي يأسي أتذكر
أن هناك حياةً بعد الموتِ
هناك حياة بعد الموت
ولا مشكلة لدي.
لكني أسألُ:
يا ألله!
أهناك حياةٌ قَبْلَ الموت؟
لا يعيش البرغوثي خارج وطنه مغمض العينين عن ما يحلو له دائماً وصفه «عدوي إسرائيل»، في صيغة خطابية تساوي بين اغتصاب الدولة من جهة، وانتهاك حقوقه الشخصية إنساناً حُرم العيش على تراب بلده من جهة أخرى، لذلك فإنه دائماً ما تجتره أشعاره إلى قضيته الأساسية، فينسدل من الخاص إلى العام، في تجربة شعرية وإنسانية لا تفتقد عذوبتها، رغم المرارة، فلا ينسى أن يذكر أنه بعد أن أنهى تعليمه الجامعي في القاهرة في عام نكبة ،1967 لم يستطع أن يجد حائطاً يعلق شهادته الجامعية عليه، بعد أن عجز عن الوصول إلى بلدته رام الله، ولايزال يبحث عن حائط أصيل.
أمل
الحائط الذي يتمناه البرغوثي في مدينته «رام الله» لا تفصله عنه جيوش الكيان الصهيوني وأسلحته الجرارة وإرادة دول عظمى، بل أيضاً سياسات خائبة جعلت الشعب الفلسطيني هو الوحيد الذي لم ينتزع استقلاله بين شعوب العالم، بيد أن هذه المعطيات لم تحفز الشاعر إلا لمزيد من التمسك بأمله،
مضيفاً : «علينا ألا نيأس، فالأرض لا ترحل.. هي باقية، ونحن لسنا مجرد ضحايا، لأن الشعب الفلسطيني اختار أن يُضحي، وإذا كنا الطرف الضعيف
الآن، فإنه لا ضعيف يظل دائماً هكذا، ولا قوي يستطيع أن يحتمي بقوته أبدا».
هذا الحنين حفز عراق على أن يسأل البرغوثي الإبحار بمخيلات الحضورإلى رام الله عبر ديوانه «رأيت رام الله»، لكن الشاعر فضّل أن يبدأ بقصيدة عنوانها «السائق محمود»، مشيراً إلى أنه السائق الذي قدر له أن يكون قائد عربة لنقل الركاب بشكل جماعي إلى رام الله، كان هو أحدهم، في زيارته الأولى للمدينة بعد 30 عاماً، وتخللتها مصاعب عدة بسبب الإعداد لعدوان اسرائيلي يقوده شارون على المدينة، ليصف الشاعر في المقطع الذي اختاره قهوة هذا السائق التي قدمها في كوب بلاستيكي، من «الترمس» الذي يصاحبه.
تفصيل الشاعر ألوان وأنواع القهوة وفخامة تقديمها ومناسباتها قاده إلى مقاربة بينها وبين الزهور، ووجه الشبه أن كليهما يجب أن يقدمه لك شخص ما، ليقرر: «يختلف الناس في فهم القهوة، أما أنا فأرى ان سحر القهوة في التوقيت، أن تجدها في يدك فور أن تتمناها، وإذا قال لك زائر الفجر: نريدك على فنجان قهوة عندنا، فهذا أحد أنواع الخطف أو القتل، الغبي هو من يطمئن لقهوة الحكومة».
وعن فنجان القهوة الأسوأ مذاقاً بالنسبة إليه، يجيب: «شربت أسوأ فنجان قهوة اثناء إقامتي بمصر في عهد الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات، عندما قالوا لي حينها لا تكتب في السياسة، فأصبحت أعيش في عوالم مرتجلة، وتنقلت بين 30 بيتاً، ولم أقابل زوجتي سوى في المنافي، نتيجة فنجان قهوة مع ديكتاتور، لكن المبهج أن زمن الديكتاتورية بدأ ينهار في العالم العربي».
طقوس
الحديث عن الشعر والموسيقى جعل الشاعر يفصح عن بعض طقوسه الإبداعية، مستطرداً: «ألجأ إلى الكتابة على خلفية موسيقية، وحتى قبل أن تنتشر الوسائل الحديثة، لم يكن رفيقي في ذلك سوى الغذاعة، وعندما ينتهي بثها في أوقات متأخرة من الليل، كنت أحتفظ بصوت انقطاع الإرسال، لأن الموسيقى تمدني بذبذبات جمالية استثنائية أثناء الكتابة».
وفي سياق البوح عن طقوس الإبداع، اعترف البرغوثي بأن أشعاره قبل الطبع وأثناء الإبداع ليست بعيدة عن أيدي زوجته الأكاديمية رضوى عاشور، مضيفاً: «إنها تمارس سلطتها التذوقية»، قبل أن يصف إبداع ابنه الشاعر تميم الرغوثي بأنه يستند إلى ثقافة واسعة في التراث العربي، يندر توافرها لأبناء جيله»، مضيفاً: «هو يمتطي جواداً أسرع من جوادي في رحلة الإبداع».
«رأيت رام الله»
بدا الشاعر الفلسطيني معتذراً عن قراءة قصيدة من ديوانه «رأيت رام الله» لمحاوره عراق، بسبب عدم توافر النسخة الانجليزية منها كي يتلوها المترجم، بعد قراءتها بالعربية، لكن إحدى الحاضرات حلّت المشكلة بتقديم نسخة، لتستحق تصفيق حضور خشوا أن تضيع فرصة الإبحار في مختارات من هذا الديوان.
تواتر الأسئلة والمداخلات التي يطلبها متذوقو أشعار البرغوثي، قادته أحدها لتأكيد أنه ربما يسامح الصديق على بعض الأخطاء التاريخية التي ارتكبها، لكنه ابداً لا يمكن قبول منطق الصفح عن جرائم العدو. وأبدى البرغوثي استغرابه من غزارة إنتاج بعض الشعراء على نحو يصل فيه بعضهم إلى سقف الدواوين الـ،70 مضيفاً: «بالنسبة لي فإن الناقد الذي بداخلي يجعلني أكتب بالقلم والممحاة بشكل متزامن، ولا أسامح نفسي بسهولة على الزلات الإبداعية»، معتبراً أن متعة الإبداع ليست في تعدد الطبعات أو الحصول على جوائز، بل هي تنصب على تلك المتعة التي يستشعرها المبدع أثناء عملية الكتابة نفسها، مضيفاً: «أشعر باليتم عندما لا تكون لدي في أحد الصباحات مسودة قصيدة أعكف على تجويدها».
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news