زخم فني مملوء بالتهجير والغياب والتشرد في معرض بالشارقة

«ميغراسوفيا»..توثيق لما بعد الاتحـاد السوفييتي

صورة

تهجير وتشرد وغياب، هي الثيمة المشتركة في معرض «ميغراسوفيا»، التي جسدها 18 فناناً من دول الاتحاد السوفييتي السابق وآسيا الوسطى، ضمن أعمال فنية تعكس مرحلة ما بعد الاتحاد السوفييتي، وتحديداً مناطق القوقاز، وتلك المجاورة لبحر قزوين، إذ جاء مصطلح «ميغراسوفيا» لبيان العلاقة بين الهجرة والفلسفة، التي ظهرت في تلك الأعمال الفنية.

ولأن الفن المعاصر في منطقة دول الاتحاد السوفييتي السابق وآسيا الوسطى، لم يكن معروفاً في المنطقة أصلاً، وإن ظهرت بعض المشاركات المحدودة على استحياء، لذلك فإن معرض «ميغراسوفيا» المقام حالياً في مركز مرايا للفنون في القصباء بالشارقة، يعكس مدى تطور الفن في تلك الدول الذي لا يقل أهمية عن مستوى الأعمال الفنية العالمية من ناحية الأعمال المعروضة ومدى قوتها وتأثيرها في المتفرج إضافة إلى الخروج عن سيناريو اللوحة المرسومة التقليدية باستخدام الوسائط المتعددة وأعمال الفيديو والنحت والأعمال التركيبية.

جواز سفر

تحمل الحدود ونقاط التفتيش مكاناً في خيال الإنسان باعتبارها أماكن إعاقة وعرقلة، لاسيما أنها تفرض سياسات صارمة من قبل مسؤولي الهجرة لضبط الحركة، من هنا جاء الفنان زيجام عزيزوف بفكرة ابتكار جواز سفر يحمل عبارة بسيطة في معناها ولكنها تعكس معاني سياسية مرتبطة بحظر التنقل، إذ إن جواز السفر الأذربيجاني الخاص بالفنان، لخّص لحظة تاريخية مرتبطة بانهيار الاتحاد السوفييتي، وانحسار حقبة الحرب الباردة، وبيان الحدود الجديدة، وصاحب عرض الجواز عمل فيديو يجسد الهجرة والفلسفة.

ولم يعمد المعرض إلى تقديم استعراض تاريخي لكل الفنانين الذين ينتمون إلى الحدود الجغرافية لآسيا الوسطى والقوقاز وبحر قزوين، لكن أعمال هؤلاء الفنانين الذين يتتبعون التحولات والمخاطر، والتشويش الجاري في الوقت الراهن، كشفت ما يجول في خواطرهم من هواجس مرتبطة بالتهجير والتهميش والغياب الثقافي إضافة إلى التشتت والتهجين والتطور العمراني والثقافي وحياة الترحال والعولمة والرأسمالية.

رحيل قسري

عرض الفنان البلغاري من أصل تركي، إرجين كافوسوجلو، تركيز ممارسته لتجربة الهجرة الأولى، التي كانت جزءاً من النزوح القسري للأقليات التركية، التي طُلب منها مغادرة بلغاريا في عام 1991 في أعقاب عملية الترحيل الجماعي.

وطبق كافوسوجلو، الذي يعمل حالياً في المفاهيم البصرية، عناصر السيرة الذاتية مع الأدب والمراجع السينمائية والخيالية لاستكشاف الأماكن البينية التي يقوم المهاجرون من خلالها بتصفح خرائطهم وإعادة رسمها، وفي عمل «عتبة الحدود» الذي يعرض حالياً ضمن معرض ميغراسوفيا، يسرد الفنان في عمل فيديو حكاية عائلة تقطن بين الحدود، وتتنقل وتمتنع عن التوقف عند نقطة التفتيش التي اعتادت المرور بها، العائلة تتنقل مع آلة البيانو بين خط الحدود بين البلدين.

كما عرض كافوسوجلو منحوتة شطرنج من الفولاذ المصقول تحت عنوان «هجمة مزدوجة»، الفكرة مستوحاة من مشكلة دوشامب الشهيرة مع الشطرنج، وفي لعبة الشطرنج، يمكن للأرقام البيضاء أن تهدد رقمين في الوقت ذاته، وفي «الهجمة المزدوجة» استخدم كافوسوجلو الأرقام السوداء لخلق مأزق جديد يعيد تقييم المفهوم المزدوج لوضع الخرائط والمنطق.

سياسة جغرافية

في تجسيد لفكرة السياسة الجغرافية، توثق سلسلة «أكشن» للفنان الإيراني البريطاني، رضا أراميش، مقاربة بين واقعين هما واقع المهاجر والنموذج الرأسمالي، ويستمد أراميش المرجعية في مونتاج الصور الفوتوغرافية من أيقونة عصر النهضة في الغرب والسينما الأوروبية، التي عمل على دمجها لخلق مشاهد من التهجير وانقطاع التواصل بين موضوعاته التي عادة ما تكون اللاجئين أو المهاجرين، وسط خلفية فاخرة من القصور الأوروبية الفخمة.

ويظهر في العمل، وهو عبارة عن صور على لوح ثلاثي من الألمونيوم، جيلاتين فضي مطبوع على اليدين في الصور، واستخدم أراميش خلالها مهاجرين شباباً من شمال إفريقيا وافغانستان يقطنون باريس، للمشاركة في الأحداث المستوحاة من الصراع والتشرد في رحاب قصر فرساي الفاخر.

وقدم فنان الوسائط المتنوعة، الكازاخستاني إربوسين ميلديبيكوف، عمل «الغرباء»، وهو سلسلة من 12 قناعاً من الطين، وفيديو وثائقي يفصّل عملية صناعة هذه الأعمال، إذ عمل على وجوه العمالة المهاجرة في روسيا وكازاخستان، الذين يعملون جزءاً من النموذج الرأسمالي، لتبدو النظرات بدائية والملامح متجانسة.

كما عرض ميلديبيكوف عمل «ذروة الشيوعية» في عام ،2007 الذي تناول إعادة الاستيلاء على منطقة سلسلة جبال البامير في طاجيكستان، مستخدماً أدوات من الحياة اليومية منها أواني الطبخ والمقالي، واختار الفنان سلسلة الجبال هذه بشكل خاص، كونها شهدت تغييرات عدة، منها تغير انظمة الحكم من الشيوعية إلى البيروسترويكا وصولاً إلى الاستقلال، كما أن تلك الجبال تغير اسمها ست مرات، خصوصاً انها تحولت من أيدي السوفييتيين إلى الطاجيكستانيين.

خيوط الطائرة

عادت الفنانة ليدا عبدول إلى وطنها الأم أفغانستان عام ،2001 بعد سقوط نظام «طالبان»، وبعد أكثر من عقدين من الفرار من كابول عقب الغزو السوفييتي في عام ،1979 لتجد عند عودتها الدمار والمقابر، من هنا تميزت أعمال عبدول بالتشرد لاسيما أنها عاشت في ملجأ وبين الحدود والمخيمات.

تعمل عبدول على صنع أفلام ومقاطع فيديو غامضة تتناول مساحات ما بعد الدمار، وفي عمل «في العبور» تحيي عبدول الأسلوب السينمائي للمخرج الأرميني الراحل سيرجي باراجانوف، وتقدم مجموعة من الأطفال يلعبون في موقع سقوط طائرة حربية سوفييتية مدمرة ومهجورة، وتبدو الطائرة مليئة بثقوب الرصاص التي اخترقت بدنها، فيما يقوم الأطفال بإصلاح الأضرار وسد الثقوب بواسطة القطن والصوف، وربطها بحبال يسحبها كل طفل على حدة على اعتبار أنها طائرة ورقية، وتقترن الفكرة المجازية لرحلة الطيران مع خيال الأطفال في استكشاف ما خلفته الهجرة من ضياع وتمزق.

سيارة الفراء

تهيمن الأفكار المتعلقة بالتهجين إلى حد بعيد على أعمال الفنانة الصاعدة تاوس ماخاشيفا، التي تكشف من خلال الفيديو والصور الفوتوغرافية المشهد الاجتماعي والثقافي المتغير لوطنها الأم داغستان، والنزاع بين روسيا وشمال القوقاز، وتستخدم الفنانة التشبيهات البصرية وتستعرض التركيبات المتباينة التي تأخذ شكل الحيوانات البرية، وتقوم بمقارنتها مع ظروف بشرية وأخرى من صنع البشر لتعكس أفكار حول «الآخر»، و«الغريب».

وفي عملها «السريع والعنيف»، تكشف عن الممارسة الذكورية المفرطة في سباق سيارات في داغستان، إذ يشارك العشرات من الشباب، نوعاً من الاستعراض لسياراتهم المزينة، بشكل مبالغ، في اشارة إلى استعراض للرجولة، في جزء من هذا الفيديو، تقوم ماخاشيفا بالاختباء داخل سيارتها الخاصة والمزخرفة، والمغطاة بالكامل بالفراء، أما النوافذ فتكون مظللة بشكل تام الأمر الذي يخفي شخصية الفنان نفسه، ويظهر هذا العمل نوعاً من التبجح الكاذب عن «الآخر»، سواء حيوان أو انثى، في محاولة لكسر البنية الاجتماعية الذكورية لمجتمع داغستان، من خلال استعارة التهجين والتحرك، وكلتاهما من علامات الهجرة.

تويتر