«هي وهو».. مَن هـــؤلاء
من هؤلاء؟ سؤال لا يستطيع المتابع لحلقات برنامج تلفزيون الواقع «هي وهو» الذي تعرضه قناة ام بي سي،4 في موسمه الثاني الذي يتناول حياة الزوجين شادي ونيروز، او حتى من يشاهد إحدى حلقات البرنامج عن طريق المصادفة، ان يقاوم إلحاحه على عقله طوال فترة مشاهدته للبرنامج وما يقدمه من مواقف وأحداث. فالشخصيات الرئيسة (الزوجان المصريان وأصدقاؤهما)، في البرنامج، جميعها تبدو منفصلة تماما عن الشعب المصري، وعن واقع الحياة في مصر، فلا تكاد شخصية منها تنطق جملة واحدة باللغة العربية دون ان يكون نصف الجملة باللغة الانجليزية، والنصف الثاني «عربي مكسر»، حتى إن تغاضى المشاهد عن اللغة، وهي أمر لا يجب تجاهله، يظل السؤال قائما في عقله: من هؤلاء؟ وهو يشاهد بطلات البرنامج الثلاث، (نيروز وصديقتاها إيمي وآية)، طوال الوقت يتنقلن بين المحال الفخمة، ويقمن بحملات مكثفة من «الشوبينغ» الذي لا ينتهي، ودون اأن يكون له مبرر سوى الاستعراض، أما اللقاءات المسائية فهي سهرات صاخبة في «النايت كلوب»، وهو ما يجعل المشاهد يتساءل: كم من المصريين يعيشون بهذه الطريقة؟
برنامج «هي وهو»، الذي أثار جدلا واسعا، وانتقادات حادة العام الماضي في دورته الأولى، والتي تناول فيها حياة الإعلامي البحريني خالد الشاعر وزوجته الفنانة السعودية أسيل عمران، وانصب معظم هذه الانتقادات على تطرق البرنامج إلى مسائل شديدة الخصوصية في علاقة الزوجين الخليجيين، بينما اعتبره كثيرون يتعارض مع طبيعة المجتمع الخليجي المحافظ، وما يرتبط به من عادات وتقاليد. يبدو ان البرنامج سيواصل إثارة الجدل والانتقادات في الدورة الجديدة التي تتناول حياة الزوجين المصريين نيروز وشادي، وهي انتقادات لا تنصب فقط على اعتماد فكرة البرنامج على كشف خبايا حياة الزوجين الشابين الخاصة، وما فيها من تفاصيل لم تعتد المجتمعات العربية طرحها على الملأ، وعبر شاشات الفضائيات، لكن هذه الانتقادات تطال أيضا كيفية اختيار بطلي البرنامج، ومدى تعبير حياتهما عن واقع المجتمع الذي يعيشان فيه. فبينما يعاني معظم الشباب في مصر، ومختلف دول الوطن العربي، صعوبة العثور على سكن ليبدأوا فيه حياتهم الزوجية، نجد نيروز تثير مشكلة كبيرة وتترك بيت الزوجية لأنها غير راضية عن درجات الالوان التي نفذتها والدة شادي في الشقة الجديدة التي اعدتها لهما، ورغم عرض شادي عليها ان يقوما بتغيير الارضيات والالوان في الشقة الجديدة، اصرت نيروز على ان تخلق من الأمر قضية كبيرة استغرقت حلقة كاملة من حلقات البرنامج. بينما كان على المشاهد ان يقضي حلقة أخرى في متابعة محاولات صديقتها أيمي لترتيب أجواء رومانسية لتخبر زوجها بخبر حملها، وفي النهاية يعرف الزوج «المفاجأة» من صديقتيها، وفجأة يدخل الزوجان في حالة صراخ هيستيري مفتعل لا ذنب للمشاهد في التورط فيه، لان الزوج اكتشف انه غير مستعد لاستقبال طفل في هذا التوقيت. هذا الانفصال عن المجتمع المصري، والشارع العربي عموما، وما يشهده من احداث وقضايا مهمة في هذه المرحلة، هو السمة الرئيسة للحلقات، فلم نشعر بأن واحدة من الصديقات الثلاث، لها علاقة بما يحدث في الشارع المصري او العربي، رغم انهن يعملن في مجال الصحافة والإعلام، وقد تكون الاشارة الوحيدة للتغيرات التي تشهدها مصر، جاءت في حديث غاضب ومتعالٍ، وجهته ايمي إلى سائق تاكسي ضايقها بصوت الكاسيت المرتفع في سيارته، ورفض ان يخفض الصوت لأنها تعاملت مع بلهجة آمرة، فخاطبته مؤكدة ان «فيه ثورة قامت في البلد، لكن مصر عمرها ما هتتغير طول ما هو بيتصرف كده».
من جانب آخر، اتسمت اجواء البرنامج بالمبالغة والافتعال، بداية من ملابس الشخصيات في العمل، خصوصا القبعات الغربية التي ترتديها نيروز، وهي ملابس قد تناسب حفلة او مناسبة ما، لا ان تصر الصديقات على الدخول في منافسة مكشوفة على ارتداء هذه الملابس المبالغ فيها طوال الحلقات، كأننا في عرض ازياء متواصل. الافتعال والمبالغة كانا ايضا سمة بارزة في اداء الشخصيات كافة في البرنامج، ما يمنح المشاهد احساسا بأنه يتابع عرضا تمثيليا لممثلين هواة، وهو ما يمثل عاملا اضافيا لعدم تفاعل المشاهد مع ما يدور أمامه من أحداث، فنجد آية تتحدث طوال الوقت بنبرة باردة لا روح فيها، بصرف النظر عن الموضوع الذي تتحدث فيه، او الحالة التي تمر بها، وعلى العكس لا تكف إيمي عن الصراخ سواء كانت سعيدة او حزينة. أما شادي ونيروز فالافتعال سمة لا تفارق المشاهد التي يظهران فيها، ورغم ان شادي فنان ويسعى لإثبات حضوره على الساحة، لم تتطرق الحلقات للمشكلات التي قد تقابل الفنانين، او حتى يتناول كيف يسعى الفنان لتطوير نفسه واختيار اعماله وتنفيذها، وما قد يعترضه من البحث عن تمويل او غير ذلك من العقبات التي تعترض الفنانين الشباب. الأمر نفسه بالنسبة لنيروز التي لم يتعرض البرنامج لعملها في ادارة المجلة التي ترأس تحريرها، أو تدخل في نقاش مع صديقتيها الاعلاميتين ايضا عن أي من القضايا التي تمس الشارع مثل البطالة أو ارتفاع تكاليف الحياة، أو حتى مناقشة حال الاعلام المصري والعربي، لإضفاء قدر من الصدقية والواقعية على أحداث البرنامج، واحترام عقلية المشاهد، بدلا من سيطرة الاحاديث المستفزة والسطحية طوال الوقت.
كل هذه الأخطاء من الطبيعي أن تجعل مثل هذا البرنامج يفقد، مع الوقت، تفاعل الجمهور معه، عندما يشعر المشاهد بأنه يعيش في واد.. والبرنامج في واد آخر.