قنوات المصارعة الحــرّة.. عنف مرئي
في ظل التنافس الفضائي في السنوات الأخيرة؛ باتت القنوات الرياضية منافسا قويا على الساحة، بصرف النظر عن الاتفاق أو الاختلاف معها، ومع مدى التزامها بالقواعد المهنية والموضوعية في الإعلام. واستطاعت تلك القنوات ان تجذب شريحة عريضة من الجمهور، اضافة الى حصة من الاعلانات، واصبح لنجوم هذه القنوات من رياضيين ومحللين شعبية، ربما فاقت شعبية كثير من نجوم الفن والدراما.
وتعد رياضة المصارعة الحرة واحدة من الرياضات التي تحظى بشعبية كبيرة لدى قاعدة عريضة من الجمهور من مختلف الأعمار في مختلف دول العالم. وان كثيراً من أبطال المصارعة باتوا نجوما لديهم جماهيرية كبيرة عند الاطفال والمراهقين الذين يجدون فيهم صورة البطل، ونموذجا للقوة واللياقة، ما يجعل اطفالا يسعون لتقليد هؤلاء النجوم في حركاتهم وتصرفاتهم. وهنا تكمن المشكلة، خصوصاً ان عددا من أبطال المصارعة يميل إلى ابتكار حركات تعبر عن كل واحد منهم لتصبح بمثابة «لازمة» أو بصمة شخصية له، وهي غالبا ما تكون حركة تحمل قدرا مبالغا فيه من العنف، مثل الحركة التي يقوم بها المصارع العالمي «اندر تيكر» في بداية مباراته ونهايتها، ويقوم فيها برفع حدقتي عينيه للأعلى، والاشارة بإصبعه الى رقبته في اشارة الى الذبح، وهي حركات غاية في الخطورة بالنسبة للطفل الذي يقلدها.
وحذرت دراسات اجتماعية ونفسية من مخاطر مشاهدة الاطفال برامج العنف على شاشة التلفزيون، ومن بينها مشاهد المصارعة التي تتضمن قدرا كبيرا من العنف وتمثيل العنف، إذ ان الطفل لا يفرق بين التمثيل والحقيقة.
هذه الدراسات تدعمها شكاوى واقعية لأمهات يعانين تأثير ألعاب العنف في أطفالهن، مثل ليلى محمد التي تشكو انبهار طفلها الذي لا يتجاوز عمره ثماني سنوات بالمصارعة الحرة، واستغلاله أي فرصة لمتابعة مبارياتها. وقالت: «اصبحت مباريات المصارعة أهم لديه من برامج الاطفال والرسوم المتحركة». وأشارت إلى انها لاحظت قيام طفلها بتقليد كثير من الحركات التي يشاهدها مع شقيقته، ما قد يعرضها للخطر.
بينما قالت مريم الهادي إن «المشكلة تكمن في ان زوجي نفسه هو الذي يحرص على متابعة المصارعة الحرة مع طفلينا»، لافتة إلى انها لاحظت تغير سلوك ولديها واتجاههما الى العنف خلال اللعب سويا، كما يقومان بتجربة الحركات التي يقوم بها المصارعون فور انتهاء المباراة.
إلى جانب ذلك لم تعد المصارعة الحرة مجرد رياضة، وأصبحت مبارياتها تتضمن قدراً كبيرا من الحركات التمثيلية التي يقوم بها المصارعون، وتحمل كثيرا من العنف الذي يتجاوز حدود الرياضة، اذ يتنافس المصارعون على الاستعانة بأدوات ووسائل مختلفة وشديدة الخطورة لضرب الخصم، مثل المقاعد او درجات السلّم التي يستخدمونها للصعود إلى الحلبة، كما يستخدمون احيانا عصياً وحبالاً، وغيرها.
من جانب آخر؛ قد يكون من المقبول ان تكون هناك برامج لرياضة المصارعة الحرة ضمن القنوات الرياضية او قنوات المنوعات، لكن ظهور قنوات فضائية مخصصة للمصارعة الحرة تقوم ببث مبارياتها على مدار الساعة، يمثل مشكلة جديدة تضاف إلى مشكلات الانفلات الفضائي الذي يعيشه العالم، ولابد هنا من البحث عن ضوابط لبث مثل هذه القنوات، خصوصا انها متاحة للمشاهدة على مدار الساعة دون تشفير، حتى لا نتساءل بعد ذلك عن أسباب انتشار سلوكيات العنف في المجتمع العربي.
وأظهرت دراسات نفسية ان هناك اسبابا متعددة للعنف لدى الأطفال، من بينها أسباب مكتسبة هي محصلة لما يشاهده الطفل من عنف في منزل أسرته، سواء عنف لفظي أو بدني. وفي هذه الحالة هناك احتمال 10 مرات أن يكون الطفل عنيفاً مع الآخرين، وكذلك مع أسرته في المستقبل، لأن ما يمر به الطفل من خبرات في حياته هو مجموعة من القواعد تحدد سلوك الفرد في المستقبل.
كما أكدت دراسة أميركية حديثة أن الثقافة المرئية التي يتلقاها الطفل عبر الشاشة الصغيرة تعمل على صياغة سلوكه تجاه المجتمع والناس. واستنادا إلى هذه الدراسة، فإن الطفل الذي يراوح عمره ما بين عامين وخمسة أعوام ويشاهد مواد تحمل طابعا عنيفا، يصبح اعتبارا من سن السابعة وحتى العاشرة أكثر عنفاً مقارنة بأقرانه ممن لا يتعرضون لمثل هذا العنف المرئي.
واكد باحثون أن الطفل الذي لم يذهب بعد إلى المدرسة، ويشاهد برامج تنطوي على مشاهد عنيفة يكتسب سلوكا عدائيا تجاه المجتمع، ويميل إلى التمرد وعدم طاعة الأوامر، ما ان يذهب إلى المدرسة. وقال خبراء إن الرسوم المتحركة هي أكثر الأشكال تأثيرا في الأطفال، محذرين من أن مثل هذه الأفلام هي المسؤول الأول عن زيادة ظاهرة عنف الأطفال.
وشملت الدراسة 184 صبياً و146 فتاة شاهدوا أفلاماً ورسوماً متحركة، وتبين في ما بعد أنها ولّدت لديهم ميولا عدوانية في مرحلة لاحقة من حياتهم. واذا كانت الرسوم المتحركة يمكن ان تسبب مثل هذا التأثير العميق، فما الذي يمكن ان يسببه تعرض الطفل لقناة فضائية لا تعرض سوى المصارعة الحرة لفترات طويلة ومتواصلة خلال اليوم. طبعا هناك دور للاهل في هذا المجال، إذ عليهم معرفة اي البرامج التي قد تؤثر سلبياً في سلوك ابنائهم، ليتجنبوا مشاهدتها بحضور الأطفال.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news