منها «المسماري» و«بوفرخة» و«المقطّع»

أبواب وشبابيك.. حكايات من البيــت الشرقي

صورة

العمارة التقليدية في الشارقة احتفظت بطابعها الإسلامي وزخارفها التي أظهرت موهبة الإماراتي في الإبداع، من خلال التعامل مع مواد أولية كالأخشاب، إذ تمكن بواسطتها، على الرغم من قسوة الظروف المحيطة به، من تحويل ألواح الخشب إلى قطع فنية لا تخلو من روعة التصميم العمراني والزخرف التراثي، فتلك الأنامل المبدعة تركت بصمتها على أبواب وشبابيك بيوت قديمة لاتزال حتى اللحظة محط أنظار الكثير من السياح والمهتمين بفن العمارة.

وتميزت العمارة التقليدية في الشارقة، وتحديداً المباني التي شيّدها تجار اللؤلؤ في مناطق الشويهين والمريجة والشرق، مثل بيوت السركال والنابودة، «الذي تحوّل الآن إلى متحف للتراث»، ومجلس إبراهيم المدفع، ومسجد النابودة، بضخامتها فهي مصنوعة من الحجر الأحمر والجيري وبيوت الجبس، إذ تكونت تلك البيوت في معظمها من مبنى من طابقين حول فناء داخلي، واتسمت بوجود غرف منفصلة للرجال والنساء، ونوافذ ذات مستوى عالٍ على حيطان تحفظ خصوصية البيت الاماراتي، كما تعد عاملاً مساعداً للتهوية.

وتعكس معظم مساكن سكان الشارقة البساطة في التصميم، وذلك لأن معظم السكان كانوا ينتمون للطبقة العاملة، واعتمد ابن الشارقة على المواد المتوافرة محلياً في تأمين حاجياته الأساسية من مواد بناء، على اعتبار أن المدينة ساحلية فاستفاد الحرفي المحلي من البحر وخيراته، وتمكن من تشييد منزله من الصخور البحرية و«فروش» أو الحصى والمعروف محلياً بكتل ضخمة من الحجر الأحمر المتحجر، والطمي والجص الذي يحتوي على جزيئات صدفية وجير.

أقفال الأبواب

استخدمت قديماً أنواع عدة من الأقفال للتحكم في إغلاق الباب، وهي غالباً من صنع النجار أو الحداد، كما أن هناك أنواعاً أخرى يتم استيرادها من الخارج وتحديداً الهند، ويختلف شكل القفل في صدر الباب عن القفل الخلفي، إذ غالباً ما يكون القفل مصنوعاً من الحديد أو معدن النحاس، أو كما كان معروفاً باسم «الصف»، ويسمى قفل الباب «زلج» أو مزلاج، أما الحلاقة فهي طرف المزلاج الذي يثبت بعد قفل الباب في «الرزة» المثبتة في مصراع الباب، وهي عبارة عن حلقة حديدية صغيرة تشبك مع الحلاق عند قفل الباب بالمزلاج، وهناك نوع آخر من الأقفال هو عبارة عن سلسلة تتدلى من حلقة مثبتة في مصراع الباب، وغالباً ما تستخدم في أقفال أبواب المحال.

شبابيك

تعد الشبابيك في العمارة التقليدية في الشارقة جزءاً رئيساً في تكوين المبنى القديم، إذ إن الشباك القديم يتكون من إطار خارجي بشكل مستطيل به مجموعة من القضبان الحديدية أو النحاسية تمتد من الأعلى إلى الأسفل، وتمر عبر أعمدة جانبية في الإطار يختلف عددها بحسب طول النافذة، وللقضبان النحاسية ماسكة لتثبيت القضيب تسمى «لؤلؤة»

ويعلو النافذة عقد نصف دائري مفتوح أحياناً أو يكون به مصراع للتحكم في إغلاقه حسب الحاجة، أو يكون هذا الجزء مستطيل الشكل، وللتحكم بمصراع الشباك توجد في الخلف قطعة خشبية صغيرة سهلة الدوران مثبته على ضلع النافذة وتكون حرة الحركة وتسمى «صفصوف».

أما الأخشاب فقد ظهرت برواج التجارة البحرية بين سواحل الخليج، التي أسهمت في توفير احتياجات المنطقة من مواد مختلفة منها الأخشاب، التي استخدمها السكان في صناعة السفن البحرية المخصصة لنقل البضائع والركاب وسفن، رحلات الغوص على اللؤلؤ، وفي ما بعد استخدام تلك الأخشاب من قبل النجارين والحرفيين في صناعة الأبواب والشبابيك، لاسيما مع كساد مهنة صناعة السفن، وتدهور مهنة الغوص على اللؤلؤ. واحتلت الأبواب أهمية خاصة في البيت الشارقي التقليدي، وأخذت الأبواب نمطاً محلياً مميزاً من ناحية الشكل العام، الذي يعتمد على طبيعة الباب نفسه، إضافة إلى الزخارف والنقوش الفريدة التي تتصدر واجهات الأبواب منها الباب المسماري والمقطع وباب بوفرخة.

«المسماري»

ضمن دراسة شاملة لأنواع الأبواب والشبابيك والزخارف والنقوش الخشبية في مدينة الشارقة، تحت مسمى الأبواب والنقوش في عمارة الشارقة التقليدية، للباحث سعيد عبدالله الوايل، استعرضت رئيسة قسم الاتصال في دائرة الثقافة والإعلام في الشارقة، عائشة مصبح العاجل، في ندوة المقاهي الثقافية في أيام الشارقة التراثية، أخيراً، أنواع الأبواب كما ذكرها الوايل في دراسته، قائلة: «تمتلك الأبواب مكانة خاصة في البيت العربي لارتباطها بالعُرف والتقاليد والدين، منها الباب المسماري، ويمتاز بقوته وصلابته ويتألف من مجموعة من الشرائح الخشبية المصفوفة بجانب بعضها، ولها أضلاع خشبية قوية توضع بشكل متعامد خلف شرائح الباب الأمامية بواقع أربعة أو خمسة أضلاع وأحياناً أكثر، وذلك بحسب حجم الباب، وتسمى الأضلاع الأفقية «شلامين» وتثبت مع شرائح الباب بواسطة مسامير «أبوقبة» أي ذات الرأس الكبير المقبب، وتظهر المسامير في صفوف متوازنة في وجه الباب وتكون بعدد الشلامين الخلفية.

ولفتت إلى أن «الباب المسماري عُرف قديماً نمطاً خليجياً استطاع فيه الحرفيون الأولون التغلب على ندرة الأخشاب العريضة لعمل باب كامل، إذ يعد حلاً جيداً وعملياً لتلك المشكلة، وبتنوع الأخشاب باتت تلك الأنماط تتراجع، إذ صار بإمكان الصانع عمل مصراع الباب من دون توصيلات، مع الاحتفاظ بالمسامير التقليدية للحفاظ على الوظيفة الجمالية، كما ظهرت في ما بعد مسامير معدنية تثبت من خلف الباب».

«المقطّع»

يتكون الباب المقطع من مجموعة من القطع المستطيلة أو المربعة في كل مصراع، وتسمى هذه القطع «مناظر»، ويحتوي كل مصراع على ثلاثة أو أربعة مناظر محشورة بين ضلعين عموديين، يسمى الواحد منها «بازي»، أما الأضلاع الأفقية التي تتعامد مع «البازي» فتسمى «كفسيخ»، وتمثل المنظرة مساحة مثالية للنقش عليها، وعادة ما يتم عمل نقوش وحشوات خشبية فيها، وتتشابه كل منظره مع مثيلتها في المصراع الآخر.

وأشارت العاجل إلى أنه «يوجد في منتصف الباب المقطع (برقع) الذي يعمل على تثبيت مصراعي الباب، وهو أي البرقع يمثل عنصراً جمالياً في وسط الباب، كما يعمل على تغطية الفراغ الناتج عن التقاء مصراعي الباب، ولقد حظي البرقع باهتمام واضح من قبل النجارين المحليين واتخذ أشكالاً وأنماطاً مميزة ومتنوع، ويعد المقطع من الأبواب الداخلية التي توضع غالباً في الغرف، وذلك لخفته وسهولة حركته، إذ نادراً ما تستخدم باباً خارجياً مثل الباب المسماري».

«بوفرخة»

النوع الثاني من الأبواب القديمة هو باب بوفرخة، ويصنع هذا النوع من الأبواب بطريقة صنع الباب المسماري نفسها، مع إضافة فتحة صغيرة تسمى فرخة أو باب، وأحياناً فتحتين في الباب الأصلي، وغالباً ما يكون للباب عقد نصف دائري في أعلاه. ويرتبط باب بوفرخة بالنواحي الاجتماعية والدينية في الخليج، التي تركز على جوانب الحشمة والخصوصية التي تميز بها المعمار التقليدي المحلي، إذ إن الفرخة دائماً نجدها في الأبواب الخارجية الكبيرة، التي يؤدي فتحها بالكامل إلى كشف من في الدار، فكانت الفرخة أنسب الحلول.

ويتألف إطار الباب، كما هو معتاد، من أربعة أضلاع تلتحم بجدار المبنى لإتاحة المجال لمصراع الباب بالتأرجح والحركة، ويعرف إطار الباب في الاصطلاح الشعبي بـ«جاربارا» وهو لفظ فارسي يعني القطع الأربع، وهو متداول بين النجارين في عموم الخليج. وتختلف طريقة تركيب الباب في الإطار بحسب حجمه وثقله وكذلك الغرض منه، فقديماً لم تكن المفصلات التي نعرفها اليوم موجودة، ففي الأبواب الكبيرة توضع قطعة خشبية مثبته خلف الباب فوق ضلع «الشلمان» الأول ولها نتوء جانبي يدخل في ثقب قطعة خشبية أخرى مثبته في إطار الباب العلوي من الخلف، أما أسفل الباب فتوجد قطعة من حديد مثبته بإحكام من جانب طرف الباب السفلي لتخرج منه بزيادة مناسبة حتى تستقر في ثقب قاعدة الباب الأرضية.

تويتر