الإعلام التراثي بين النمطيـة وفقدان الهوية
بالتزامن مع الاحتفالات باليوم العالمي للتراث الذي وافق 18 أبريل الجاري، كان لابد أن تبرز تساؤلات عن الإعلام والدور الذي يمكن ان يقوم به في حماية التراث والحفاظ عليه، وهو ما يحيل بالتالي إلى التساؤل حول الإعلام التراثي في وسائل الإعلام المحلية، وهل استطاع ان يحقق أهداف وجوده؟ بل ربما يصبح التساؤل هل استطاع الاعلام التراثي ان يجد لنفسه مكاناً أبعد من موقعه على الشاشات المحلية في الإمارات، ليصبح قريباً من قلب المشاهد وعقله، وأن يعبر عن التراث كما هو وليس كما يعرفه من يقدم هذه البرامج ويعدها؟
بالنظر إلى خريطة البرامج لمعظم القنوات المحلية، يظهر أن هناك حصة شبه ثابتة لدى هذه القنوات من البرامج التراثية، إلا انها في الغالب تبدو باهتة بلا تأثير او شخصية، وبدلاً من ان تعمل على تأكيد وترسيخ الهوية الوطنية والمحلية من خلال احياء التراث والمحافظة عليه، تبدو هذه البرامج فاقدة للهوية، بعيدة عن قلب واهتمام المشاهد. ولعل هذا ما دعا خبراء ومختصون في التراث إلى المطالبة بتعزيز المحتوى التراثي في الوسائل الاعلامية المختلفة، واعطائه المزيد من الأهمية لما للتراث من دور كبير في تعزيز النشاط السياحي وتوثيق العلاقة بين ماضي الأجيال وحاضرهم وفي ترسيخ الثقافة والهوية الوطنية، كما اكدت ندوة نظمها مركز الشارقة الإعلامي الاسبوع الماضي، في منطقة التراث خلال فعاليات أيام الشارقة التراثية على عمق وأهمية العلاقة والشراكة الفاعلة بين الإعلام والتراث التي تتيح لكل منهما الاستفادة وتحقيق الأهداف المنشودة، سواء عن طريق توعية الجماهير بالقضايا التراثية وأهمية الحفاظ على التراث والعادات والتقاليد، أو عن طريق تقديم منتج إعلامي متميز ذي خصوصية يلقى إقبالاً واهتماماً جماهيرياً مميزاً ومبهراً.
من جانب آخر، يرى إعلاميون وخبراء أن هناك العديد من الأخطاء والسلبيات في البرامج التراثية التي تقدم على القنوات الاماراتية، والتي تفقدها هويتها، وربما تمس سلامة وصدقية ما تقدمه من محتوى تراثي، فيرى الإعلامي الإماراتي حارب السويدي أن هناك نوعاً من الفراغ في المعلومات التراثية عن فترات سابقة خصوصاً فترة ما قبل النفط، ادى إلى وجود معلومات غير صحيحة بنسبة 100٪، وهذا الفراغ نابع من وجود أجيال جديدة لم تعش هذا التراث كما كان في السنوات الاولى. وأضاف «لأن من يسمع ليس كمن يرى ويعيش التجربة ويستقي المعلومات التراثية من الواقع مباشرة، صارت التعابير والمسميات التراثية مغايرة عن تلك التي عرفناها وتعلمناها في الألعاب الشعبية، او سمعناها من الأجداد والجدات».
وأشار السويدي الذي قدم تجارب في مجال البرامج التراثية، إلى ان عدم وجود مراجع يمكن العودة إليها في ما يخص الكلمات والمسميات التراثية، وكيفية نطقها، أدى إلى ان اصبحت هذه الكلمات والمصطلحات تنطق بطرق مختلفة وخاطئة في البرامج التراثية بناء على ثقافة مقدم البرنامج ودرجة قربه من تراث المجتمع الإماراتي، وتبعاً للهجة التي يتحدث بها، ويساعد على الوقوع في مثل هذه الأخطاء الاعتماد على أشخاص غير مؤهلين او غير معنيين بالمرة بالتراث. موضحاً ان تراث المجتمع الإماراتي ليس كتلة واحدة، لكنه يختلف من منطقة لأخرى من حيث اللكنة او طريقة نطق الكلمات أو المصطلحات والمسميات المستخدمة، إذ تختلف اللكنات في المناطق الريفية عنها في المناطق الجبلية أو الساحلية أو في البر، وهذه الاختلافات يجب ان يحيط بها مقدم البرنامج التراثي، وأن يستعين في اعداد برنامجه بأشخاص من مختلف هذه الأقاليم حتى يقدم عملاً شاملاً ويتسم بالدقة والصدقية. داعياً المشرفين على البرامج التراثية إلى تطوير البرامج والأفكار بعيداً عن النمطية.
وذكر السويدي انه احياناً تصطدم طموحات الإعلاميين ورغبتهم في تقديم برامج مختلفة بأفكار روتينية تحبط هذه الطموحات وتقف في وجهها، وفي أحيان أخرى يقدم الإعلامي فكرة لبرنامج معين، ليفاجأ بعدها بأشخاص آخرين أخذوا الفكرة وقدموها بأسمائهم.
في هذا السياق ايضاً أشارت دراسة أجرتها الإعلامية احسان الميسري بعنوان «الإعلام التراثي.. واقع ثري ومنجز متواضع»، إلى اجماع عدد كبير من الخبراء والأكاديميين في مجال التراث على أن وسائل الإعلام تمثل أداة مهمة جداً وأساسية في نشر التراث وحتى في حفظه، لكنها حتى الآن لم تقم بدورها على الوجه المطلوب. «ففي ظل العولمة التي تسعى إلى تغريبنا عن ثقافتنا وتراثنا، تصاعد دور وسائل الإعلام، لذا يجب على كل هذه الوسائل الإعلامية سواء المرئية والمقروءة والمسموعة أن تضع الخطط والبرامج الكفيلة بنشر التراث وتعريف العالم القادم إلينا بهذا الموروث وأخلاقياته وأهميته، كونه يعكس الهوية الوطنية وعلامة من علاماته، غير أن وسائل الإعلام أحياناً تهتم بالبرنامج من دون الاهتمام بالمادة المطروحة، لذلك يجب على كل وسيلة إعلام وطنية أن يكون ضمن كادرها اختصاصيون في مجال التراث، حتى تكون المادة المطروحة دقيقة ومؤثرة».
كما توقفت الدراسة حول اتجاه بعض القنوات التلفزيونية لإسناد مهمة تنفيذ برامج تراثية إلى فرق عمل ليست اماراتية او من ابناء الدولة، وهو ما يجعل هذه البرامج تفتقر إلى الإلمام بالتفاصيل المتعلقة بالبيئة التي لا يمكن ان يعرفها إلا أبناء البلد بما يؤثر بالنهاية في صدقية البرنامج، كما يؤدي هذا الأمر إلى تقديم معلومات خاطئة من دون قصد، بشكل مباشر او غير مباشر، مثل ان ترتدي مقدمة البرنامج ثوباً هي تحسبه إماراتياً، في حين يكون في واقع الأمر بحرينياً أو كويتياً أو غير ذلك من الأخطاء التي قد تمر من دون الالتفات إليها.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news