تشكيلي مصري يعرض أعماله في دبي

محمد عبلة: رسمـتُ «التحرير» قبل الثورة بـ 5 سنـوات

محمد عبلة: الشعب هو الذي يدعم الفن، والشارع هو الذي يلهم الفنان. تصوير: أسامة أبوغانم

بعد الثورة المصرية لا تحتمل العين العودة الى الوراء، حتى لو كان التعبير عن هذا الوراء رسماً فنياً، فاللبس حاضر في معرض الفنان التشكيلي المصري محمد عبلة، الذي حمل عنوان «عائلتي»، من ناحيتين: الاولى أن الجميع بات يعرف أن عبلة من اوائل الفنانين التشكيليين في مصر الذي كان حاضراً منذ اندلاع الثورة بمصر في 25 من يناير، والناحية الثانية أن اعمال عبلة الـ،25 التي يعرضها في غاليري آرت سبيس في دبي حتى 20 مايو المقبل، تجسد صوراً للعائلة المصرية تشبه الى حد كبير أشكال حقبة الخمسينات التي كانت تتميز بالباشوية من خلال لبس الطربوش، هنا يقف عبلة ليحكي الحكاية، وهي أن هذه الاعمال تم تنفيذها عام ،2005 ورأت النور الآن «فالإلهام وقتها كان في الشكل المصري، وفي شكل العائلة المصرية، والتي رأيت أنها كانت أكثر تماسكا في تلك الحقبة»، مؤكداً أن هذا المعرض «لم يأتِ وليد الثورة، بل كان قبل الثورة بأعوام»، ويضيف «لدي العديد من الأعمال التي تنبأت بالثورة، والتي لم تنشر الا أخيراً في أماكن عدة، حتى ان من بينها لوحة لميدان التحرير وهو مكتظ بالناس»، عبلة الذي قرر البقاء في دبي بعض الوقت، قال: «اريد أن ابني علاقة بيني وبين هذه المدينة، أريد أن أرسمها على طريقتي».

ألبوم صور

الأعمال مألوفة لدى المتلقي منذ أن تقع عينه عليها، فهي تشبه الى حد كبير ألبوم الصور، واذا عاد الى بيته ونبش في خزانة والديه، أو خزانته شخصياً، سيجد تلك الأشكال في وجه أمه أو جدته، قوام الرجال فيها ممشوق ونحيل ومرتب وعلى رؤوسهم الطرابيش، أما النساء فهن جميلات بنكهة كلاسيكية، خجولات من ضوء الكاميرا ربما، يرفعن شعرهن بطريقة «الشينيون» ويضعن أحمر الشفاه الغامق، والأطفال مؤدبون ينظرون الى ذويهم بعين الاحترام والتقدير، هي صور لجيل قبل الالوان، عندما كانت تلتقطهم الكاميرا باللونين الأبيض والأسود، وعن هذا قال عبلة: «نعم لوّنت كل تلك الصور العالقة في ذاكرتنا، لإبراز جمال تلك العائلة التي ولدنا وتسلسلنا منها»، وفي تعريفه لمشهد العائلة، قال: «في معظم الأحيان يبدأ الفنان عمله بأفكار شخصية جداً، لكنه حين يغوص في داخله يأخذه الفن إلى عالمه، إذ تتسع الرؤى وتتداخل معطيات كثيرة في تكوين اللوحة»، موضحاً «العائلة هي عائلتي، طفولتي وطفولتنا، الأمل في انتقال القيم إلى الأجيال المقبلة على الرغم من كل الحنين إلى الماضي الواضح في هذه الأعمال، إلا أنها في صميم البحث عن لغة للمستقبل».

أعمال مكدّسة

يقول عبلة، الذي يفتخر بأنه كان أول متظاهر يخرج إلى شوارع القاهرة عام ،1991 ضد العدوان الأميركي على العراق، إن ثورة 25 يناير كانت حاضرة في مراسمه الثلاثة، واضاف «تعوّدت الرسم ورفض ما أرسم من قبل الحكم السابق، لكني لم أمزق يوماً لوحة أو أيأس»، موضحاً «كنت أرسم وأكدس أعمالي التي لا أراها بعد آخر ضربة فرشاة عليها في مراسمي الثلاثة، وكنت أواسي نفسي بأن يوماً قريباً ستشهد فيه هذه الأعمال النور»، وقال: «حتى أعمال معرض عائلتي كانت كل لوحة في مكان، وجمعتها مع بعضها لتخرج على هذا الشكل»، ويضيف التشكيلي المصري «لن أنسى يوم 25 يناير، كنت واثقاً بكل قدم أصرت على الوقوف أمام الظلم، خرجت الى الشارع لا اعرف وجهة، اتبع خطى جيل مستقبل كامل وانا ارقص من الداخل، حتى يوم 28 يناير عندما جمعنا ميدان التحرير، نظرت وقلت هذا المشهد ليس غريباً عليّ، وفي اللحظة نفسها اتصل صديق بي وقال: «يا عبلة لوحتك حاضرة، فبكيت، وقلت نعم لقد رسمت هذا المشهد عام ،2005 ولكن اللوحة تكدست مع شقيقاتها الكثيرات»، مؤكداً وبفخر «كنت من أوائل الفنانين التشكيليين الذين انصاعوا الى ثورة 25 يناير وبكل ثقة بتحقيق حلم ماكث في صدورنا طوال اكثر من 35 عاماً»، وقال: «هذه ثورة كل العرب، الذين أبوا الا أن يتحدوا الظلم من أنظمتهم كي يلونوا مستقبلهم بريشهم الخاصة»، مشيراً الى أن ما يحدث في سورية «غصة في الحلق لشدة ما يحدث فيها من جرائم ضد الانسانية، لكنها سترى الحرية عاجلاً أم آجلاً»، منتقلاً الى الحديث عن موقف بعض الفنانين في سورية الذين وقفوا ضد ثورة شعبهم «الشعب هو الذي يدعم الفن، والشارع هو الذي يلهم الفنان، والحكايات التي نسمعها من الجدران هي التي تخط خطوطنا الأولى، ولا أحتمل فكرة فنان يقف ضد الشارع أبداً». وعن شكل مصر التي يحلم بها يقول عبلة «لن أنسى عندما كنت واقفاً في ميدان التحرير خلال الثورة، حين خرجت فتاة من الخيمة التي اعتصمت في داخلها ترتدي البنطال والقميص، وفي الوقت نفسه خرج شاب ملتحٍ من خيمته يرتدي زي المتدينين، تبادلا تحية الصباح، وتناقشا حول فعاليات ذلك اليوم، هذا المشهد رسمته عام ،2008 وهذه مصر التي سنصبح عليها قريباً».

ألوان وشفافية

الفنان عبلة الذي كان مشغولاً في بداية حياته الفنية بالصورة الفوتوغرافية، منذ كان يستخدمها جزءاً مكملاً لبناء اللوحة مع قصاصات الجرائد بما يسمى بـ«الكولاج»، تشتمل أعماله على الكثير من إسقاطات سياسية واجتماعية واضحة، هي شكل من أشكال الرسالة التي يصر على توصيلها بطريقة غير مباشرة.

وأنجز العديد من المعارض التي تعبر عن رؤيته النقدية لتحولات المجتمع، مثل معارض «السلم والثعبان» و«حفريات المستقبل» و«قاع النيل»، وشارك مع مجموعة من الفنانين خارج المرسم في «مشروع كوم غراب»، عندما قرروا أن يجملوا حوائط قرية بكاملها، وكان الفنان عبلة بدأ تجربة الفن التفاعلي قبل نحو سبع سنوات، محققاً إنجازات لافتة فيها، إذ إنها تعتمد ببساطة على أي نوع من الألوان ومادة شفافة توضع على جسم الشخص المراد رسمه، وهي تهدف الى تعزيز التفاعل الإنساني بين الفنان والناس، متحدثاً عن تكنيكه الخاص «تعلمت العلاج النفسي من خلال الفن، والجسم الشفاف يعني الجسم الواضح والصريح الذي يكشف نفسه من الداخل والخارج الى كل الناس، فيبعث فيهم الراحة نحوه»، وقال: «نعم اعتمد خاصية تشفيف الاجسام في معظم أعمالي، كي اعطي الأمان للمتلقي»، واضاف «لكنني لا استغني عن الألوان أبداً فهي حاضرة، كما الأجسام الشفافة، واحب دائماً أن اختار لوحات معينة تعتمد على الكولاج، لتكون حاضرة بين مجموعتي المراد عرضها».

تويتر