«روما تحترق» فــــي الشارقة
أعاد طلاب منتسبون إلى جامعة الشارقة من خلال العمل المسرحي «روما تحترق»، مفهوم الثورة على الظلم والمطالبة بالحرية، في إطار اختزال طغاة من العالم في شخصية الطاغية نيرون الثالث، ومثال شباب الثورات في شخصية الثائر الشهير تشي جيفارا.
وتنقل العمل الحائز جوائز عربية ومحلية في مهرجانات عديدة، عبر بوابة التاريخ الزمني واستعرض شخوصاً بينهم زعماء ورؤساء عالميون اعتُبروا أمثلة للتجبر والطغيان على مر التاريخ، إذ لم يقتصر طغيان تلك الشخصيات على شعوبها بل تعداهم ليطال شعوب دول ضعيفة.
تنقل غير مُربك
قال مخرج المسرحية مهند كريم لـ«الإمارات اليوم»، إن «التنقل بين العصور والزمن لم يكن مربكاً للمتفرج لأن الغرض من هذا التنقل ايصال مفهوم الثورة بين العصور واستعراض أنواع من الطغاة غير الاعتياديين، وذلك باستخدام أساليب الاخراج الحديثة والمتطورة، واللعب على الفضاء المفتوح واشغال المسرح، كما خدمت الإضاءة فكرة العمل، كما تم الاعتماد على بقعة الضوء طوال تأدية الأدوار الحوارية»، مشيراً إلى أن «فكرة العمل جاءت مع انطلاق الشرارة الأولى لأحداث (الربيع العربي)». واكد «أن المسرحية تطرح موضوعاً آنياً، مثل الثورة على طاغية يدفعه جنونه لإحراق روما بمن فيها ليتخلص من معارضيه الثوار الذين ينغصون عليه حياته، وتميز العرض بمضمون فانتازي مبالغ فيه، إذ يقوم الممثلون بأداء أدوار متنوعة تراوح بين موظفي القصر وأفراد الشعب من الثوار وجنود الحرس الإمبراطوري». |
تعد مسرحية «روما تحترق» التي حضرها صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، عملاً ناضجاً ومتميزاً بالنسبة لطلاب جامعيين، إذ إن النص الذي كتبه شريف الزعبي كان مختزلاً وبعيداً كل البعد عن السرد المبالغ فيه ويسير بإيقاع ورتم جميل يتماشى مع الأحداث الحاصلة في دول تعيش صحوة الحرية والإصلاح في ظل ما يسمى «الربيع العربي»، كما أن افكار وتسلسل أحداث ومشاهد العمل تتناسب مع الأساليب الحديثة في الطرح والمعالجة الفنية المبتكرة.
مسارح الشارقة
تعد المسرحية نتاج سلسلة دورات وورش وندوات تدريبية، نفذتها مجموعة مسارح الشارقة ضمن برنامج التأهيل المسرحي المستمر بالتعاون مع عدد من الأكاديميات والجامعات العربية والعالمية من أجل تمكين الشباب وإبراز طاقاتهم في مختلف مجالات الفنون المسرحية، فيما اشرف على مجموعة الطلاب مدير المعهد العالي للفنون المسرحية في سورية الدكتور عجاج سليم.
وتدور أحداث المسرحية بمشهد عرض فيلم يعود لعام 1959 عندما نجحت الثورة الكوبية على يد الثائر تشي جيفارا، وما صاحبها من مظاهر الفرح والاحتفالات الشعبية بتلك الثورة التي تكللت بدخول الثوار إلى هافانا، وبمجرد انتهاء العرض المرئي يبدأ مشهد واقعي يقود المتفرج إلى روما عام ،64 وما كانت تعانيه مدينة العشق والجمال من طغيان وظلم وفقر، على يد ملكها الطاغية المغرور نيرون، إذ تنقل رحلة عبر الزمن زمن الثورة الكوبية إلى روما في عصر نيرون بوساطة شيخ عجوز من سكان المنطقة، أراد من المحرر الثوري أن ينقذ بلادهم من نيرون.
نيرون الطاغية
هناك تفاصيل دقيقة ركز عليها المؤلف لإظهار شخصية نيرون المتغطرسة، منها حقيقة أن والدة نيرون قتلت أباه ليتم تنصيب نيرون على عرش ملك روما، كما أن الأخير أمر، على الرغم من الفقر والجوع اللذين يعانيهما شعبه، ببناء تمثال له من الذهب، يصل ارتفاعه إلى حدود السماء، ولأن البناء يحتاج إلى ميزانية باهظة قرر نيرون فرض ضرائب واتاوات واستغلال أموال وقرابين المعابد لاستكمال التمثال. ولم يتوقف جبروت وطغيان نيرون عند هذا الحد، بل أمر في إحدى مرات بتنفيذ حكم الاعدام بحق مجموعة تظاهرت ضده طلباً للحرية وتحقيق العدالة، وعندما اعلمه أحد وزرائه بأن الشعب جائع ويعاني الفقر لذلك هم يتظاهرون ضده، أمر بتوزيع اللحوم والأرز تمهيداً لقتل من يثور عليه. إلا ان الثائر المتنقل بين العصور، أكد لهم أن في جملة وصفت بأنها الأروع على الإطلاق بأن «لا وجود للمحرر إنما هي الشعوب من تنتفض لتحرر نفسها من الطغيان»، ولاسيما ان نيرون وصل به الجبروت إلى أسوأ درجاته، وهي أنه بات يعتقد أنه إله منزّل ويفترض السجود له، وعندما صعب عليه إحكام سيطرته على الشعب الثائر، أمر بإحراق روما بمن فيها، ويكتفي بالتفرج والضحك على مشهد الموت والنيران والتمتع برائحة الأجساد المحترقة.
شخصية مركبة
قال مؤلف العمل والممثل الذي أدى دور نيرون، الشاب شريف الزعبي، لـ«الإمارات اليوم» إن «الشخصية مركبة، طاغية في المقام الأول، ومتغطرس لدرجة الجنون، إذ تعد الشخصية صعبة وتحتاج إلى قراءة معمقة في تاريخها لأتمكن من كتابتها ثم تجسيدها، وجاءت فكرة المسرحية من الأحداث الحاصلة في دول تعيش حالة الصحوة والتحرر من الطغاة».
لافتاً إلى أن «الدمج بين اللهجة الدارجة واللغة العربية الفصيحة مقصود، وذلك لأن الحرية متعلقة بالإنسان وليس بلغته أو جنسيته، إذ إن المسرحية ضمت 11 شخصية جمعت بين لهجتها الأصلية واللغة العربية في إدارة الحوار وتأدية الأدوار».
وأكد أن «العمل استند إلى مجموعة من القصائد الشهيرة منها (نيرون مات ولم تمت روما بعينيها تقاتل) للراحل محمود درويش، وكذلك مقطع من قصيدة (لا تصالح) لأمل دنقل التي يرد فيها: (وخلف كل قيصر يموت قيصر جديد)، في إشارة واضحة إلى حتمية زوال الظلم وزوال أسبابه».